حوار دعاء عبد الحليم
 

قيل إنَّ أجمل هندسة في الكون هي أن تبني جسرًا من الأمل فوق بحرٍ من اليأس..

من يسمع عن حال اللاجئ الفلسطيني المقيم في لبنان منذ واحد وسبعين عامًا، والمحروم من أبسط حقوقه الإنسانية لا سيّما حقّ العمل، يظنّ أنَه سيجد مجتمعا غارقا في الظلام ينتظر الموت، لكن في الحقيقة من يقترب إلى عمق حياة اللاجئ الفلسطيني يتعرّف إلى نماذج نضال وكفاح وسعي لتحقيق الحلم.

 يافا المصري، إحدى هذه النماذج. شابة فلسطينية لاجئة من مدينة يافا، ولدت في بيروت عام 1990، بدأت حياتها التعليمية ككل اللاجئين الفلسطينيين بلبنان في مدارس غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، حتى أنهت دراستها في ثانوية الجليل، تخرّجت منها بدرجة السابعة على محافظة بيروت، وبذلك حصلت على منحة الاتحاد الأوروبي لدراسة البكالوريوس في جامعة بيروت العربية، عقب إنهائها البكالوريوس عملت في مؤسسات تجارية و إنسانية، وشاركت في إنشاء مؤسسة خزائن الفلسطينية.

يافا حصلت عام 2017 على منحة "جاليلو" المميزة للتفوق في إيطاليا، لتكمل دراسة الماجستير المزدوج في علوم التنمية والعلوم الاجتماعية، وتحصل على درجة امتياز مع مرتبة الشرف بعد عامين ومنحة لإكمال الماجستر الثاني في جامعة پادوڤا.

 


 

موقع بوابة اللاجئين الفلسطينيين التقى "يافا"، ليتعرف أكثر على التفاصيل المحيطة بهذا الطموح العالي لدى هذه اللاجئة الفلسطينية، المكبلة بذات الوقت بوضع قانوني واقتصادي يعرقل حياة كثير من اللاجئين الفلسطينيين في هذا البلد.
 

البداية .. مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بحاجة لمشاريع تنموية

أخبرتنا أن شغفها في العمل الإغاثي أوضح لها الصورة الحقيقية، فالمجتمع الفلسطيني وهو المستهدف بالنسبة لها، محاصر بقوانين لبنانية سلبت منه حق العيش بكرامة، لذلك هو ليس بحاجة الى إغاثة فحسب بل الى مشاريع تنموية تخدم قضاياه، لكن التعليم الذي حصلت عليه لم يكن مؤهلاً كافياً للإلمام بمقوّمات التنمية الصحيحة ولا لإقامة مشاريع تنمويّة هادفة.

"التعليم الذي حصلت عليه كان مقتصراً على خلفيّة أكاديمية بسيطة ومراجع علمية قديمة، إضافةً إلى كونه لا يتطرق إلى قضايا وأساليب تنموية معاصرة، والبحث عن مؤهل أكاديمي عالي في لبنان كان سيكون مشروعاً مكلفاً، نظراً لإنعدام الدعم المتوفر للتعليم العالي للاجئين الفلسطينيين في لبنان."

 لكنها لم تستسلم لهذا الواقع، وجعلت هدف تنمية مجتمعها الفلسطيني نصب أعينها، بحثت كثيرا وحاولت جاهدة حتى تمكنت من الحصول في عام 2017 على منحة جاليلو المميزة للتفوق في ايطاليا لتكمل ماجستير مزدوج في علوم التنمية والعلوم الإجتماعية.
 

ما هو الهدف الذي وضعته نصب أعينك في رسالة الماجستير خصوصًا أنها تتعلق بالمخيمات الفلسطينية؟

قبيل وصولي إلى إيطاليا، راودتني بعض المخاوف، وأهمّها إمكانية تقبّل المجتمع الأكاديمي الإيطالي لنوعية الموضوع الذي سأدرسه، وهو انجاز أبحاث حول الوضع الفلسطيني في لبنان. مخاوف سرعان ما تلاشت حين رأيت عند بداية دراستي في جامعة پادوڤا، أن قضية اللاجئين الفلسطينيين حاضرة و أنَّ الدعم الشعبي الإيطالي للمقاومة الفلسطيني حاشد بالفعل.

 المفاجأة الأكبر كانت بالنسبة لي عندما وجدت أنّ أحد أساتذتي، وهو بروفسير وكاتب معروف جداً و هوفرنسي الجنسية، مختص بتعليم مادّة حول تنمية المجموعات النازحة، خصّص جزءاً مهماً من محاضراته لمناقشة أوضاع مخيمات شاتيلا و مار الياس في لبنان، حينها أدركت أني في المكان الصحيح لدراسة التنمية المختصة بأوضاع اللاجىء الفلسطيني، فكان هدفي و لا زال تسليط الضوء على تقييم أساليب التنمية و الإغاثة التي حكمت رحلة اللجوء الفلسطيني، والعمل على أنماط تنموية تنهض باللاجىء وتحمي هويته عوضاً عن طمسها.
 

مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بحاجة إلى دراسات عميقة

كيف يمكنك أن تطبّقي دراستك على مجتمع اللاجئين في لبنان؟

من الطبيعي عند تطبيق سياسات تنموية أن يستند صنّاع القرار إلى دراسات و أبحاث لتغذّي هذه السياسات و القرارات " اللافت في مجتمعاتنا عنصرين : أولا عدم وجود دراسات علمية و أكاديمية كافية حول أوضاع اللاجئين في لبنان للاستناد عليها في صناعة القرار، و لذلك غالباً ما تكون السياسات خاطئة و مؤذية كما نلاحظ، وثانياً حتى عند وجود دراسات علمية يتم التغاضي عنها و اللجوء الى النقاش السياسي البحت في عملية صناعة القرا،ر و بالتالي أيضاً ننتهي إلى قرارات سياسية هادمة للمجتمع".

المجتمع الفلسطيني الآن بحاجة لدراسات واسعة لتقييم الأوضاع الاجتماعية و من ثم لإصلاحات كبيرة في مجالات التعليم، إصلاحات جذرية في قطاع الصحة، بناء أسس اجتماعية جديدة تنبذ العنصرية و تنادي بالمساواة، تخطيط الإغاثة الإنسانية، تخطيط الوضع المالي للأنروا ، تنظيم لسلطة سياسية موحدة ما بين المخيمات، تنظيم أطر اجتماعية غير رسمية، تنظيم أطر رسمية مع الدولة اللبنانية.

 فكرة مهمة، كيف ستستفيدين من دراستك في تحقيقها؟

بحث التخرج الذي عملت عليه يتناول نظرية "التنمية هي الحريّة"، التي عمل عليها العالم الهندي أمارتيا سين، و هو أستاذ هارفرد الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد لعام ١٩٩٨، تثبت النظرية أنّ حريّات الشعوب - الإجتماعية و الإقتصادية و السياسية- هي السبيل الوحيد لممارسة المحاسبة والفعالية في العمل و رفع مستويات التعليم و بالتالي انخفاض مستويات الفساد، و بالتالي ارتفاع مستويات التنمية.

 أحاول من خلال دراستي تلخيص السياسات الاقتصادية و الاجتماعية و الإغاثية الي تستهدف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان (أونروا، الحكومة اللبنانية، المجتمع الدولي، السلطة الفلسطينية، الفصائل)، وتقييم هذه السياسات من حيث، إما إظهار دورها في رفع مستويات الحرية الاقتصادية والاجتماعية وتنمية المجتمع الفلسطيني كما تتدعي المؤسسات، أو طمسها على عكس ما تدعي.

إثر ذلك يمكننا تحديد أساليب استهداف هوية اللاجىء الفلسطيني في الشتات وأساليب التنمية الهادفة التي تخدم قضايا المخيمات الفلسطينية.
 

تنمية المخيمات سبب في تفعيل النضال من أجل العودة وليس طمسه 

لماذا اخترت في دراستك المخيمات الفلسطينية، وهل تحقيق التنمية فيها، يقلل من مستوى النضال الشعبي من أجل القضية الأبرز، العودة وفلسطين؟  

 لأن قضية اللجوء تتلخص بالمخيمات، وكما تعوّدنا المخيم أصل الحكاية و"الثورة الفلسطينية و الفدائيين و عاصمة الشتات كلها حكايات تتمحور حول المخيم كمركز لقضية اللجوء.

 وجود المخيمات الفلسطينية هو أهم شاهد على صمود اللاجىء الفلسطيني وتشبثه بهويته وأهم عنصر يجب دراسته عند الحديث عن اللاجئين الفلسطينيين.

تنمية المخيمات ورفع المستوى الاقتصادي والتعليمي والصحي فيها، كل هذا من شأنه أن يوفر بيئة صحية للاجئين الفلسطينيين، خالية من الآفات الاجتماعية، وبالتالي خلق جيل قادر على التفكير بشكل سليم في أساليب النضال السياسي.

إذاً ستعودين إلى لبنان لتطبيق دراستك؟

أتمنى العودة إلى لبنان حاملة درجة الدكتوراة والعمل في مجال التعليم العالي لدعم تعليم وتنمية الشعب الفلسطيني في لبنان، رغم أن أمنيتي الكبرى هي العودة إلى فلسطين بدرجة الدكتوراة و تنمية المجتمع الفلسطيني في وطنه الحقيقي.

كانت نعمة كبيرة أن أتمكن من إكمال درجة الماجستير من منحة جاليلو، حالياً طموحي يتلخص بأن أكمل الماجستير الثاني من نفس الجامعة قبيل أواخر العام، الماجستير الثاني، تحت المنحة ذاتها، هو في اختصاص العلوم الإجتماعية و أطروحتي ستتناول موضوع التجربة الإنتاجية للثورات وأثرها على التنمية الاجتماعية، آخذةً تجربة "مؤسسة صامد" كمثال للمؤسسات التنموية والإكتفاء الذاتي خلال فترة الثورة الفلسطينية، والطموح الآخر يتلخص بحصولي على منحة دكتوراة من الجامعة لأكمل في نفس الإختصاص، على أمل أن أتخرج بنجاح و أنال درجة الدكتوراة".

 

خلال فترة دراستك في إيطاليا، كيف لمستِ تأثير القضية الفلسطينية على المجتمع هناك؟

 أظهرت دراسة الماجستير التي قمت بها وجود فرق شاسع بين التعاطي الأمريكي و التعاطي الإوروبي مع منظمة كـ "أونروا" مثلاً، وكان ذلك واضحاً من خلال محاولات طمس الهوية الفلسطينية، ومحاولات تطبيع سياسة الحيادية التي فرضتها الحكومة الأمريكية حينما كانت تشكل تبرعاتها أكثر من ثلث ميزانية الوكالة.

أما اليوم، موازنة "أونروا" مدعومة بشكل كبير من الاتحاد الأوروبي وتم رصد التغيير الكبير في تعاطي الأونروا مع اللاجئين الفلسطيين كشركاء لها في عملية التنمية، فأصبحت المؤسسة تنادي بمسيرات العودة على موقعها الالكتروني، وتدافع عن الحق في التعبير في المحافل، كما أصدرت حملتها تحت عنوان "الكرامة ليست للبيع".  بشكل عام الدعم الأوروبي و خاصة الدعم الإيطالي للشعب الفلسطيني ملحوظ بشكل كبير، و يظهر من خلال مظاهرات و تحركات دورية في مناسبات عدة مثل ذكرى النكبة وغيرها.
 

  حرمان اللاجئين الفلسطينيين من حقوقهم ينعكس سلباً على المجتمعات المضيفة

ما هي رسالتك للشعب الفلسطيني في لبنان، والشباب خصوصاً في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشها والتضييفات الأخيرة؟

 اللاجىء الفلسطيني ناضل عشرات السنين، ومرّت عليه أسوأ الهجمات، إن كانت عسكرية أو اجتماعية أو سياسية، و قد هزمها في كل مرّة، لذلك فالشباب الفلسطيني وُلِد لمسؤولية كبيرة، وعليه يجب أن يتشبث ويقاتل كما فعل أجداده وأهله، ويعمل نحو نيل حقه المقدس في العودة، وحتى ذلك الحين على كلٍ شاب أن يبدع في مجاله دون خوف أو يأس، إن كان في التعليم أو في التكنولوجيا أو في الأدب أو في السياسة.

التضييق على الشعب الفلسطيني المهجّر قسراً الى لبنان، واتخاذ إجراءات عقابية بحقه منذ واحد وسبعين عاماً، بما يخالف المواثيق الدولية والأممية والاتفاقيات المبرمة بين الأمم المتحدة والسلطات اللبنانية، له آثار سلبية على لبنان، لأنه من خلال دراسة التنمية الاجتماعية و الاقتصادية، فإن وجود فرص عمل و توفر حقوق اقتصادية هي ركائز أساسية لبناء منظومة اقتصادية سليمة، وبالتالي شبكة أمان اجتماعي، ومن منظور اقتصادي بحت، توفير فرص العمل يرفع من مستوى الإنفاق المحلي وبالتالي يرفع من الطلب على الإنتاج القومي، ويؤدي إلى ازدهار الاقتصاد المحلي وزيادة الإنتاج.

 أمّا حرمان شريحة كبيرة من المجتمع، التي تتمثل بالشعب الفلسطيني من العمل سوف يؤدي إلى انخفاض المدخول المحلي وبالتالي إلى انخفاض الإنفاق الخاص، و من دون الإنفاق الفلسطيني في السوق قد نشهد إفلاساً في الأعمال الخاصة والتجارة و توقف الإنتاج اللبناني. كل ذلك سينعكس سلباً، ليس فقط، على المجتمع الفلسطيني فحسب -من خلال انتشار آفات اجتماعية-  وإنما على المجتمع اللبناني الحاضن و المقرّب من المجتمع الفلسطيني.

أمّا اللاجىء الفلسطيني فهو الآن "تحت ضغط هائل، و ليس أمامه كلاجىء سوى خيارات محدودة تتسم بكونها أسوأ السيناريوهات، لكن على مر التاريخ اللاجىء الفلسطيني أثبت قدرته على تحدي الخيارات و القرارات التعسفية على أنواعها حيث كان قادراً على فرض معادلته على الساحة في كل مرّة.

جميع المواثيق الدولية تكفل للاجىء الحق في مقاومة العنصرية و اللاجىء الفلسطيني له تاريخ مشرف في مقاومة جميع أنواع الاضطهاد مما سيمكنه من التغلب على هكذا قرارات ليبني غده بيده.

خاص

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد