فلسطين المحتلة - وكالات
 

تُواصل الأسيرة الفلسطينية الأردنية هبة اللبدي إضرابها المفتوح عن الطعام منذ (15) يوماً ضد اعتقالها الإداري في سجون الاحتلال، حيث تقبع حالياً في عزل سجن "الجلمة" بظروف صعبة، وتتعرّض لجُملة من الانتهاكات على مدار الساعة من قِبل مُحقّقي الاحتلال.

في تقرير صدر عن هيئة شؤون الأسرى والمُحررين، الاثنين 7 تشرين أوّل/أكتوبر، نشرت تفاصيل دقيقة وقاسية لما حدث مع الأسيرة اللبدي في إفادة كاملة نقلتها عبر مُحاميتها، لما تعرّضت له على أيدي سلطات الاحتلال منذ لحظة الاعتقال وحتى اليوم.

وفي إفادتها قالت اللبدي، "بتاريخ 20/8/2019، قدمت من الأردن مع أمي وخالتي لحضور زفاف ابنة خالتي، خطّطت لإجازة 5 أيام مليئة بالفرح، بس الاحتلال أخذني لعالم ثاني لم أكن أتوقعه ولا بأحلامي السيئة ولا حتى بالكوابيس".

وتابعت، "وصلنا جسر اللنبي حوالي الساعة التاسعة صباحاً، تم توقيفي حوالي ساعتين، بالبداية أغلقوا الباب وبعد صراخي عليهم تم فتح الباب، بقيت مُجنّدة تحرسني، خلال هذه المدة تم تفتيشي تفتيش شبه عاري، حيث رفضت إنزال ملابسي الداخليّة حوالي 4 مرات على يد نفس المُجنّدة، بعدها تم تعصيب عيناي وتقييد يداي بقيودٍ بلاستيكيّة ورجلاي بقيودٍ حديديّة".

فيما بعد نقلها الجنود إلى قاعدة عسكريّة تبعد حوالي ربع ساعة، ثم أنزلوها وأبقوها في الشمس حوالي نصف ساعة، ومن ثمّ جاءت مُجنّدات وذهبن بها إلى غرفة وسألنها عن وضعها الصحي وجرى تفتيشها مرة أخرى.

تُتابع اللبدي قائلةً: "أخبرت المُجنّدة بأنني بحاجة لتبديل الفوطة الصحيّة وكانت قد أتتني الدورة الشهريّة، فوافقت بشرط أن تدخل معي المرحاض، المرحاض كان ضيّق جداً بالكاد يتّسع لشخص، فدخلت معي بسلاحها وكانت تنظر إليّ وأنا أبدّل الفوطة، انصدمت وشعرت بالحرج والإذلال وانتهاك صارخ لخصوصيّتي ولحقوقي الآدميّة".

وجرى نقلها فيما بعد للمسكوبيّة وهناك أبقوها تنتر لنحو (3) ساعات حيث نقلوا مُعتقلة أخرى ثم نُقلت اللبدي إلى التحقيق في "بيتح تكفا"، حيث وصلت حوالي الثامنة مساءًا، وتقول هنا: "كُنت مُرهقة كثيراً بسبب السفر، منذ ساعات الصباح الباكر، وبسبب الدورة الشهريّة وكل المُعاملة القاسية، أنزلوني درج وممرات ضيّقة وكانت زنازين تحت الأرض، كانت المُجنّدة تُرافقني وتدفعني وتتعامل بطريقة عدوانيّة، ارتحت في الزنزانة حوالي نصف ساعة وبعدها أخذوني للتحقيق حتى ساعات الفجر من اليوم التالي".

في أول (16) يوم كان التحقيق مُتواصل، منذ حوالي التاسعة صباحاً حتى الخامسة فجر اليوم التالي، وخلال هذه الساعات الطويلة كان يتم نقل الأسيرة اللبدي للزنزانة تحت الأرض مرتين، وجرى نقلها فيما بعد لما يُعرف بـ "غُرف العصافير" في سجني "مجدّو" و"الجلمة"، وهي الغُرف التي ينتشر فيها الجواسيس، ومن ثمّ أعادوها لتحقيق "بيتح تكفا".

وتُشير اللبدي في إفادتها إلى أنها مكثت على ذمّة التحقيق حوالي (35) يوماً في ظروف قاسية جداً، حيث كان التحقيق عبارة عن تعذيبٍ نفسي وعنيف جداً، فمنذ حوالي التاسعة صباحاً حتى فجر اليوم التالي تكون جالسة ومُقيّدة على كُرسي ثابت في الأرض، ما تسبّب لها بآلام شديدة في الظهر والأيدي والرقبة.

المُحقّقون يصرخون بصوتٍ عالٍ ويجلسون شبه مُلتصقين بها، حيث كانت كراسيهم قريبة منها ويُحيطونها "وكأنّهم يتعمّدون مُلامسة رجلي، فكُنت أحرّك رجلي وأبعدها، طريقتهم مُستفزّة جداً، يبصقون علي وينعتوني بأقذر الصفات ويسبّوني، بعض ما قالوه لي: حقيرة، فاشلة، سافلة، صرصور، حيوانة، أنت حشرة، أنت بشعة جداً، انصرفي، سوف تتعفّني في الزنازين، كلام قاسي جداً، وسبّوا الدين الإسلامي والمسيحي وقالوا لي: "احنا اليهود جوهرة، وأنتم ديانات مُتطرفة، أنتم زبالة، كلام عنصري جداً ومُتطرّف".

وتابعت قولها: "تم تهديدي وضغطوا علي بقولهم أنهم اعتقلوا أمي وأختي وهددوهم بهدف سحب اعتراف منّي، حيث قالوا لي: "اعترفي أحسنلك"، وبعد أن يأسوا ومحاولاتهم باءت بالفشل هدّدوني بالاعتقال الإداري، حيث قالوا لي: "ما عنّا دليل ضدك بس عنّا الاعتقال الإداري مع صلاحية لتجديده لمدة سبع سنوات ونصف وبعدها راح نحبسك بالضفة تحت عيوننا ونمنعك تروحي ع الأردن ونمنع أهلك من زيارتك"، حاولوا الضغط علي بكل وسيلة".

وتقول الأسيرة اللبدي إنّ عدد كبير من المُحققين قد حقّقوا معها، وكانت مُعاملتهم وتصرفاتهم سيئة جداً، وكانوا يشتمون ويلعبون أدواراً، فأحدهم يُمثّل أنه جيّد والآخر سيء، ووضعوها في زنزانة ضيّقة مليئة بالحشرات حيث كانت تصحو والصراصير والنمل والحشرات على ملابسها.

وأكملت: "أعطوني بيجامات رائحتها كريهة ووسخة، الحيطان اسمنتية خشنة من الصعب الاتكاء عليها، فرشة رقيقة بدون غطاء، بدون وسادة، الضوء مُشعل 24 ساعة مُزعج للنظر، بدون تهوئة طبيعية وبدون شبابيك، رطوبة عالية، بدون ماء والرائحة كريهة، طلبت فورة نصف ساعة فرفضوا، صراخ وتخبيط وضجّة وأصوات مُزعجة من الزنازين المُحيطة، كان يقصدون إهانتي وإذلالي."

في وصفها للمكان تقول: "الحمام مثل القبر مكان بحجم وقوف شخص، قذر ومُتسخ، لا يوجد مكان لتعليق الملابس، وبالخارج يقف سجّانين وسجّانة، كنت خائفة أن يُفتح الباب في أي لحظة، صابون بدون ليفة فحتى الحمام كان مُقلق ومُخيف، هم يقولون أنهم يُعطون للأسرى حمّام وأكل ولكن يبقى السؤال ظروف الحمّام والأكل والملابس فهي مُذلّة ومُهينة".

وتُشير اللبدي إلى أنّ الطعام كان سيء جداً، وهي نباتية، ولمدة أسبوع أرجعت الأكل، ونتيجةً لذلك أصيبت بالدوار ونُقلت للعيادة، بعدها أصبحت تأكل القليل من الخُبز واللبن والأشياء التي يُمكن أكلها، فيما تعمّد المُحقّقون أكل كنافة وحلويات أمامها.

تُتابع إفادتها قائلة: "كلما تم نقلي من وإلى الزنزانة إذا كان لمحاكم تمديد التوقيف أو للعصافير، كان يتم تعصيب عيناي وتقييد يداي بقيود عدد 2 وقيود بالأرجل عدد 2، ما تسبّب لي بآلام شديدة، عدا عن تعصيب الأعين والقيود في كل مرة تم نقلي من وإلى غرفة التحقيق."

وتحدثت اللبدي عن زيارة القُنصل الأردني لها، فتقول: "القنصل الأردني زارني بتاريخ 3/9/2019 تقريباً، وبعد زيارته تم نقلي إلى الجلمة لمدة 3 أيام ومجدو لمدة 3 أيام بهدف انتزاع اعتراف عند العصافير، حيث كان يحضر رجال على باب الزنزانة هناك ويدّعون أنهم أسرى، ويقولون لي: احكيلنا الي ما حكيتيه بالتحقيق، احنا بنحاول نساعدك، وإلخ. طبعاً لم يكن لدي شيء لأقوله لهم".

تُكمل حديثها حول ظروف المُعتقل: "الظروف في مُعتقل الجلمة كانت صعبة للغاية، شعرت بأنني في بيت بلاستيكي، فالزنزانة مُقابلها ساحة مُغطية ببلاستيك من جميع النواحي وبدون تهوية طبيعيّة، رطوبة عالية بدون مُكيّف، مروحة مزعجة، كنت اضطر إطفائها بسبب الرطوبة العالية، صراصير ونمل وحشرات بكميات كبيرة جداً، الأكل على مزاج الطباخين سيء ولا يؤكل".

فيما بعد أخبروها بأنه سيتم نقلها لسجن "الدامون" مع باقي الأسيرات، وحين وصلت انتظرت في البوسطة نحو ساعتين ثم قالوا لها بأنّ هناك محكمة لها، وإذ بهم ينقلوها لسجن "مجدو" حيث بقيت هناك (3) أيام، وكان هناك برد شديد فطلبت غطاء إلا أنهم رفضوا ذلك "أعطوني شرشف وفرشة رقيقة بدون ملف وبدون وسادة، كمية النمل التي كانت غير طبيعية وكأني أسبح بالنمل."

وبعد ذلك أرجعوها لتحقيق "بيتح تكفا"، وتقول هنا: "صُدمت عندما أعادوني للتحقيق لأنهم أعلموني بانتهاء التحقيق ونقلي للدامون، مديرة مُعتقل بيتح تكفا عندما أرجعوني من عند العصافير حكت لي: إذا ما قدرتي تتحملي الوضع وبدك مُهدئات ومُنوّم بعطيك لأنه الكل هون بوخذ مهدئات. فقلت لها: أعطيهم للمُحققين الذين فقدوا أعصابهم وهم يُحققون معي، فهم يحتاجونه أكثر مني".

وفي حديثها عن البوسطة تقول: "من المهم ذكره أنّ البوسطة قصة أخرى من المُعاناة والتعذيب، حيث كانوا يُشغّلون المُكيّف على درجة حرارة عالية وينزلون لاستكمال الإجراءات، كانوا يُبقوني حوالي 3-4 ساعات، كنت أقول للمُجنّدة المُرافقة أنه حار، تقول لي أنني أعلم ذلك، مكثت 9 أيام أخرى في بيتح تكفا، خلالها حقّقوا معي 3-4 مرات وآخر 6 أيام لم يُحققوا معي مُطلقاً، وبدون سبب أبقوني في مثل هذه الظروف القاسية كنوع من التعذيب والانتقام".

تُتابع حديثها حول التعذيب الذي تعرّضت له قائلةً: "العنف النفسي أشد من الجسدي، فهو مُتعب أكثر وآثاره لا تزول وهم كانوا يتعمّدون إرهاقي نفسياً، كميّة الحقد والعدوانية لم أراها من قبل، كنت أشعر أنني بمحددة كلها أبواب وأقفال حديدية، وكذلك قلوبهم من حديد، أنا فقدت الإحساس بوجودي كإنسان، فهم لا يعرفون الإنسانية".

تقول اللبدي إنه بعد تحقيق "بيتح تكفا" بتاريخ 18/9/2019 تم نقلها إلى قسم (3) في سجن "الدامون" مع الأسيرات الفلسطينيّات، "كل أسيرة لها قصة، ولكن صدمتي كانت كبيرة عندما رأيت الأسيرة الجريحة إسراء الجعابيص والأسيرات المُصابات، قصص الاحتلال عندما تسمعها من الخارج ليس كما تعيشها".

في تاريخ 24/9/2019 تم تسليم الأسيرة اللبدي أمر الاعتقال الإداري لمدة (5) شهور، واحتجاجاً على ذلك قامت بالإعلان عن الإضراب المفتوح عن الطعام، فحاولت إدارة وضابط مخابرات سجن "الدامون" إقناعها بالعدول عن خطوتها فرفضت، "وقلت لهم إنّ مأساة الاعتقال الإداري يجب أن تنتهي، وأنا ذاهبة للنهاية فإما النصر وإما الموت، وإذا مُت اشبعوا باعتقال جثتي إداري لمتى شئتم".

في يوم الخميس 26/9/2019 نُقلت إلى زنازين "الجلمة" كعقاب على الإضراب، "أقبع في زنزانة بها 4 كاميرات مراقبة، لا أستطيع تبديل ملابسي، الحمام بابه من زجاج وفقط يوجد منطقة عازلة لمنطقة الأكتاف ولغاية الأفخاذ، أي من فوق وتحت مكشوف، المنطقة العازلة للرؤية هي منطقة منتصف، فمنطقة الأرجل مكشوفة أيضاً، أما المرحاض فهو قبالة الكاميرا وزجاجي، ولكني أغطيه بالشرشف، أما الحمام فلا يوجد مكان لوضع شرشف لتغطيته، لهذا منذ 4 أيام وأنا بنفس الملابس ولا أستطيع الاستحمام بسبب عدم الخصوصية وانتهاكها الصارخ.

تُكمل الأسيرة اللبدي: "طلبت قرآن كريم وفراش صلاة، بالبداية رفضوا وبعد أن أخبرهم بأنه من حقّي مُمارسة شعائري الدينية وبأنني سوف أخبر منظمات حقوق الإنسان، تم إحضار قرآن كريم من أغراضي التي حملتها من سجن الدامون والتي حرموني منها في مُعتقل الجلمة، تم حرماني من جميع أغراضي فهي موجودة عندهم ولكن لم يُعطوني إياها، فأنا بنفس الملابس وحتى الملابس الداخليّة".

وتقول اللبدي أنهم منعوها من الخروج للفورة، والتفتيشات كثيرة ومُستفزة، تصل أحياناً (5-6) تفتيشات في اليوم، غير وقت العدد، بالرغم من وجود (4) كاميرات مُراقبة، وهناك ضغط نفسي كبير، "لا أنام جيداً، فنومي مُتقطّع بسبب الإزعاج، فهو سجن جنائي، صراخ وقرع أبواب، الإدارة تدخل للتفتيش متى تشاء ومعهم رجال مع سجّانة، ولكن ليس مريح لي أن يدخلوا وأنا نائمة، فلا يوجد احترام وخصوصية كوني أنثى".

تابعت قولها: "اليوم تم عرضي على طبيب العيادة في السجن، كنت أعاني من نبضات قلب سريعة، نقص شديد في الأملاح، أوجاع معدة شديدة، بالبداية رفضوا إعطائي ملح ولكن بعد فحص العيادة أقرّوا بإعطائي ملح بالكمية التي يتم تحديدها من قِبلهم".

وتختم إفادتها قائلةً: "ما عانيته بالتحقيق وظروف الاعتقال لغاية اليوم من بشاعة وفظاعة وقساوة، هو شيء كنت أعتقد أنه خيالي ولكنني عشته، وهو شيء غير طبيعي وظلم كبير، كنت اسمع عن مُعاملتهم ولكن ليس بالحجم الذي عشته وجرّبته، فهو أكبر ظلم للإنسانية، لذلك الموت ولا المذلّة".

وكالات

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد