تقرير الوليد يحيى
 

انتقلت الحالة الخدمية في مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا عموماً، ومخيّمات ريف العاصمة السوريّة دمشق خصوصاً، من طور التردّي الذي بدأت ملامحه الحادّة في الظهور منذ بدء الحرب السوريّة وتأثر المناطق بتبعاتها، إلى طور الانهيار الشامل، وكأنّ الحرب قد بدأت مساراً انحداريّاً أكمله الفساد والإهمال، وعدم تحمّل الجهات المحليّة لمسؤولياتها تجاه واقع المخيّمات الخدمي والتنموي.

تفاقم الانهيار، ومن صوره على سبيل المثال لا الحصر، أن تتحّول شوارع وأزقّة مخيّم الحسينيّة للاجئين الفلسطينيين في ريف دمشق إلى بحيرات مع هبوب أوّل عاصفة مطريّة، تسبح فيها النفايات المتراكمة في المكبّات وعلى نواصي الطرق، وأن لا يجد الأهالي سوى الاستعانة بأيديهم ومعدات جلبوها من منازلهم لتنظيف مجاري الصرف الصحّي، وإغلاق إحداها بطبق المنيوم مخصص للطعام، لعدم توفّر أغطية لفتحات الصرف.

 

 

مشهد يتكررفي كافة المخيّمات خصوصاً في  فصل الشتاء، إلى جانب مشاكل مياه الشرب الغائبة عن بعض المخيّمات منذ 9 أعوام، وتردي واقع الكهرباء، الذي يفاقمه تهتّك شبكاتها وتقادمها، وتأثرها المباشر بالعمليات الحربيّة كما هو الحال في مخيّمات درعا جنوب سوريا،  وسبينة وخان الشيح بريف دمشق، وحندرات في حلب، عدا عن واقع صحّي وتنموي عام، طالما أثار شكاوى الأهالي من جهة عدم توافر المستوصفات الصحيّة بشكل كاف، وسوء الخدمات التي يتلقاها اللاجئ في القطاع الصحّي التابع لوكالة " أونروا" وتدني جودتها.
 

التغطي بالانهيار السوريّ

من نافل القول، أنّ سوريا عموماً تعيش حالة من الانهيار النسبي والشامل في أوضاعها الاقتصادية والخدميّة، تتباين مظاهره بين مدينة وأخرى بحسب الموقع الجغرافي و "الأهميّة" السياسية والاجتماعيّة لكل مدينة ومنطقة،  فالعاصمة دمشق تبدو أفضل حالاً من ريفها، من ناحيّة ما تحظى به من اهتمام استثنائي وفق معطيات سوريا بعد الأزمة، في حين تعاني مناطق ريف العاصمة التي يوجد فيها العدد الأكبر من مخيّمات وتجمعات اللاجئين الفلسطينيين بواقع 9 مخيّمات وتجمّعات، من انهيار كبير، لا يقتصر فقط على مخيّمات الفلسطينيين.

حال انهياريّ، قد تبدو فلسطينيّاً، مبرراته موضوعيّة وجاهزة، في ظل مشهد المأساة السوريّة العامّة، وقد يقول قائل، أنّ المخيّمات الفلسطينية في سوريا هي جزء لا يتجزّأ من البنية السوريّة، وخاضعة لمركزيّة الدولة وسلطاتها بشكل كامل، وبالتالي تُصاب بكافة الأمراض البنيوية والطارئة التي تصيب الدولة من حيث تقديماتها ودورها الوظيفي التنموي، على خلاف الحال في  مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، التي تدار شؤونها من دواخلها عبر لجان شعبية سواء التابعة لفصائل منظمة التحرير الفلسطينية أم لفصائل التحالف، بالتعاون مع مؤسسات وهيئات مجتمع مدني.

 في حين تتشارك مع مخيّمات سوريا من حيث تقديمات وكالة " أونروا" في ميادين التعليم والصحّة والخدمات البيئيّة، إنما بفارق قد يبدو جوهريّاً من حيث طبيعة العمل، فالوكالة في سوريا تعمل على بنية موجودة تأسست من قبل الدولة، وغير معنيّة بخلقها أو بنائها كالقيام بعمليات الحفر والتمديد والتنظيم المدني.

وإذا كان تردي الواقع الخدمي في مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، تقع مسؤوليته على عاتق الوكالة واللجان والهيئات، ففي سوريا يبدو الأمر مختلفاً من حيث الظاهر، وهو ما يوفّر حججاً تبريريّة، بات يسوّقها المسؤولون المحليّون المعنيون بشؤون اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، إلّا أنّ تلك المبررات تفقد جدواها، في ظل واقع خلقته الأزمة السوريّة وعماده العديد الهيئات والمؤسسات الوليدة، ولجان تنميّة تتبع "للهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب".
 

هيئات ومؤسسات بلا جدوى

عدد من المؤسسات والهيئات العاملة في الحقل الإغاثي والتنموي، برزت على الساحة مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا في خضم الأزمة منذ العام 2011، لعبت دوراً في ميدان الإغاثة العينية للنازحين جرّاء الحرب، ومارست وما تزال بعض الأنشطة التي تعنى بالتنمية البشريّة، وخاضت بجزء أقل في مضمار الخدمات البيئيّة والصحيّة، وذلك بموجب تراخيص عمل لم يُتعارف على منحها في سوريا على نطاق واسع قبل الأزمة، أمّا في المجتمع الفلسطيني السوري بعد العام 2011، بدأت "الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب" وهي صاحبة الصلاحية في هذا الإطار بالتنسيق مع الجهات الأمنيّة، بمنح رخص عمل لمؤسسات وهيئات، لم ينتج عن عملها ما يذكر من حيث العمل التنموي المجدي والمستدام، الذي يمس الخدمات العامّة داخل المخيّمات.

ويعزي بعض الناشطين، عدم جدوى عمل المؤسسات المدنية العاملة، إلى غياب التنظيم والتوجيه السليم لعملها، رغم الأموال الكبيرة التي تجلبها، ووفق الناشط " أبو عماد" من أبناء مخيّم جرمانا بريف دمشق، فإنّ "المؤسسات المدنيّة والأهليّة العاملة في المخيّم، عليها بذل جهودها من أجل تقديم الخدمات التي يستفيد منها الناس، كصيانة البنى التحتية وتحسين الواقع البيئي والخدمي، فذلك يفيد الأهالي أكثر من الأنشطة الفلكوريّة والاستعراضيّة وحفلات الاستقبال والتكريم" في إشارة إلى طبيعة أنشطة تلك المؤسسات.

ويحمّل "أبو عماد" وهو اسم مستعار لناشط، عَمِلَ في إحدى مؤسسات المجتمع المدني، المسؤوليّة "للهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب" التي تنظم عمل تلك المؤسسات، معتبراً أنّ توجيه المؤسسات وتوظيف إمكانياتها الماليّة الكبيرة، لصالح أعمال إعادة تأهيل البنى الخدمية في المخيّمات، أفضل من رشّ المسكّنات السطحيّة وفق قوله، موضحاً أنّ مجمل العمل يجري للتخفيف من آثار الكارثة وليس منع وقوعها، كمعالجة آثار الطوفان، لا إعادة تأهيل البنى التحتيّة لمجاري الصرف الصحّي.

وأرجع "أبو عماد" الأمر، لفعل مقصود من قبل وصفهم بـ" حيتان الفساد" الذين يبسطون هيمنتهم داخل "الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العراب" وفي المؤسسات المدنيّة ذاتها، لاستمرار ما يصفه بـ" الاستثمار المربح للانهيار" الذي يضمن استمرارية في المشاريع الممولّة من هيئات وجهات دوليّة غير حكوميّة.
 

أين لجان التنمية والخدمات؟

لجان التنمية الاجتماعيّة والخدمات، هي لجان قانونيّة منبثقّة عن " الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب" بقرار من رئيس الهيئة السيد علي مصطفى رقم 204 للعام 2005، الذي ينص على ضرورة تشكيل لجان التنمية والخدمات في المخيمات الفلسطينية في سوريا، بمشاركة ممثلين عن المنظمات والهيئات الشعبية الفلسطينية فصائلية وسواها، ومنظمة اليونسيف التابعة للأمم المتحدة، لغرض تحسين وتطوير الخدمات داخل المخيّمات في كافة النواحي.

ولعل السؤال عن تلك اللجان اليوم، الناشطة في كافة مخيّمات سوريا، التي تعاني انهيارات خدمية كبيرة وأبرزها الحسينيّة، سبينة، جرمانا، السيدة زينب، خان الشيح وخان دنون، بات ملحّاً، في ظل عجز مركزيّة الدولة السورية وبلدياتها، عن القيام بوظائفها تجاه مناطق سلطتها، ويُسقط التغطّي بالانهيار السوري العام، طالما أنّ للمخيّمات لجانها ذات الصبغة القانونيّة، التي تُعنى بأمور الخدمات والتنميّة المستدامة.

ويحيلنا البحث عن إنجازات تلك اللجان، إلى الكثير من الشكاوى والمطالبات سواء التي أطلقها اللاجئون لتلك اللجان من أجل التصدي لدورها، أم التي اشتكت عليها وطالبت بتغييرها، ليبدو الأمر أكبر من مجرّد إهمال في نظر الكثيرين.

وفي هذا الصدد، تقدّم أهالي مخيّم خان الشيح للاجئين الفلسطينيين في حزيران/ يوليو العام 2018 الفائت، بعريضة موقعّة من الأهالي إلى "الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب" يحملّون فيها جمود الملف الخدمي، والتباطؤ في إعادة تأهيل البنى التحتيّة والخدمات للجنة التنمية والخدمات في المخيّم، التي أخذت على عاتقها حمل الملف الخدمي والتصدي لمهامها في حل إشكالياته، منذ انتهاء العمليات الحربيّة في عام 2016.

قرابة عام ونصف العام، مضت على تلك العريضة، وأكثر من 3 سنوات انقضت على انتهاء العمليات العسكرية واستعادة الحكومة السوريّة سيطرتها على المخيّم، وفي كانون أوّل/ ديسمبر 2019 يغرق مخيّم خان الشيح بمياه الأمطار، ويعيش سكّانه كسواهم من أبناء مخيّمات ريف دمشق، حياة بدائيّة بلا ماء وكهرباء، ويغرقون أو يحترقون، بحسب ما تحمله عوامل الانهيار والطبيعة لمخيّماتهم... وكل ذلك برسم المسؤولين.

خاص

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد