سياسة "أونروا" الإغاثيّة للفلسطينيين في سوريا غير علميّة.. أين تذهب أموال المانحين؟

الثلاثاء 07 يناير 2020

 

الوليد يحيى _ سوريا
 

ينتقد اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، سياسة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" أونروا" الإغاثيّة، ويعتبرها كثيرون لا تتناسب مع متطلبات الواقع المعيشي المستمر في تدهوره، نظراً لتأثّر شرائح كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا بتبعات الانهيار الاقتصادي في البلاد، وهبوط سعر صرف الليرة  مقابل الدولار وما ينتج عنه من ارتفاع للأسعار وإضعاف القدرة الشرائيّة للمداخيل الماليّة، وازدياد نسب البطالة بنسب تقريبيّة تتراوح في المخيّمات بين 60 إلى 70% في صفوف القوى العاملة، وفق تقديرات محليّة غير رسميّة حصل عليها "بوابة اللاجئين الفلسطينيين".

ولعلّ الشريحة الأكثر تأثّراً، هي شريحة النازحين عن مخيّمات دمرتها الحرب، وتقدّر الوكالة نسبتهم وفق أرقامها الواردة في تقرير النداء الطارئ 60% من عموم اللاجئين في البلاد، يتحمّلون عبء تكاليف الإيواء في منازل مُستأجرة، بينما تصنّف الوكالة الغالبيّة العُظمى من عموم اللاجئين بواقع 95% منهم، كضعفاء للغاية يحتاجون إلى مساعدات طارئة بشكل مستمر.

ورغم أنّها الجهة الدوليّة الأكثر إدراكاً لأوضاعهم، وإقرارها بحاجتهم المتزايدة للإغاثة الماديّة والعينيّة وهو ما أظهرته في أرقامها، تتبع الوكالة سياسات إغاثيّة يصفها اللاجئون بغير عادلة منذ منتصف شباط/ فبراير 2019 الفائت، من حيث معاييرها التي حرمت غالبيّتهم من الإغاثة العينيّة، وقصرت دورها الإغاثي على مساعدات ماليّة تقدّم كل 3 أشهر، وقدرها 28 ألف ليرة للحالات العاديّة، وهو مبلغ أقلّ من رمزي وفق المعايير المعيشيّة السوريّة المستجدّة و لا يكفي أجرة منزل لشهر واحد.

وفي شكوة تلقاها "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، قال اللاجئ "أبو سعيد" من مهجّري مخيّم اليرموك ويسكن في منطقة قدسيّا، إنّه لم يتلق مساعدة غذائية من "أونروا" منذ أكثر 10 أشهر، بحجّة أنّه لا يستوفي المعايير، وهو ربّ لأسرة من 4 أفراد، زوجة، و3 أبناء ما يزالون في سن التعليم، ويعتمدون في مصاريفهم على مدخول عمله كمستخدم في إحدى شركات النقل، براتب ثابت وقدره 20 ألف ليرة سوريّة أي ما يعادل 35 دولاراً أمريكياً وفق السعر الرسمي للدولار المحدد من قبل البنك المركزي السوري بـ 514 ليرة، وهو مبلغ ذو قيمة شرائيّة لم تعد تكفي معيشيّاً لتلبية الاحتياجات الغذائيّة حتّى منتصف الشهر، وفق نمط غذائيّ شديد التقشّف.

المعايير التي أشار إليها "أبو سعيد" أقرتها الوكالة الدوليّة في شباط/ فبراير 2019، وتقضي بحصر المساعدات العينيّة بالأسر الأكثر عوزاً، ووفق محدداتها، وهي الأسر التي يعيلها شخص مُسنّ يتجاوز عمره 60 عاماً، أو أحد أفرادها من ذوي الإعاقة، أو مُعيلها أو أحد أفرادها يتيم دون سنّ الثامنة عشر.

سياسة إغاثيّة ومعايير غير وعلميّة وغير عادلة بحسب شكاوى وصلت موقعنا، تُطالَبُ "أونروا" بإعادة النظر فيها، لتسببها بمفاقمة العوز الغذائي للاجئين مع استمرار، لا سيما على ضوء التدهور المعيشي العام، الذي طال القدرة على تغطية مصاريف السلّة الغذائيّة اليوميّة التي تحتاجها الأسرة بشكل يومي.
 

معايير "أونروا" غير علميّة

وتبدو معايير "أونروا" المعتمدة في تحديد الأسر الأكثر عوزاً، لا تتناسب مع المعطيات الصادرة عن دراسات عمليّة ولا تستند إلى مؤشرات رقمية، بعضها أوردته تقارير "هيئة حماية المستهلك" السوريّة في نيسان/ أبريل 2019 الفائت، وتفيد بحاجة الأسرة المكوّنة من خمسة أفراد في العاصمة دمشق، إلى مبلغ 325 ألف ليرة سوريّة أي ما يعادل 591 دولاراً حينها، لتحمّل أعباء المعيشة في ظل ارتفاع الأسعار، تشكّل تكاليف الحصّة الغذائيّة الضرورية منها 112 ألف ليرة سوريّة.

واقع أثّر على الوضع المعيشي لعموم سكّان سوريا، حيث يتراوح متوسط الدخل الشهري لمعظم العائلات بين 35 إلى 50 ألف ليرة سوريّة أي ما بين 67 إلى 97 دولاراً أمريكياً، للشريحة التي تتقاضى أجوراً حكوميّة ثابتة، في حين تبني وكالة "أونروا" محدداتها للأسر الأكثر عوزاً، ضمن معايير لا تستند إلى أرقام ودراسات حول مصادر دخل اللاجئين الفلسطينيين في سوريا والقوّة الشرائيّة لها.

 ولم تصدر الوكالة الدوليّة دراسات إحصائيّة علميّة حول نسب البطالة والعوز، بل اكتفت بمحددات من قبيل " كل أسرة يعيلها شخص مسن" في حين لم يصدر عنها تقارير أيضاً على واقع الأسر التي يعيلها شخص شاب، والتي لا تضم شخصاً ذو إعاقة كما أوردت في معاييرها.

وفي هذا الصدد، تشير متابعات "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" لأوضاع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، إلى ميل أوضاع معظم اللاجئين نحو فقدان الأمن الغذائي، على ضوء المستجدات الاقتصاديّة التي تشهدها البلاد، بعد تخطي سعر صرف الدولار في السوق السوداء عتبة 900 ليرة سوريّة مطلع العام 2020 الجاري، مستجراً أوضاع تجاوزت ما كانت عليه في آب/ أغسطس من العام 2019 الفائت.

 ووفق اللاجئ " أبو وسام اللقيطي" من أبناء مخيّم جرمانا، فإنّ معظم العائلات باتت تتقشّف في مشترياتها اليوميّة، وتستغني عن العديد من الاحتياجات التي كانت تشملها السلّة الغذائيّة اليوميّة، ومن ضمنها مشتقات الألبان والحبوب الزيوت، التي تصنّف من المواد الغذائيّة الرئيسيّة، مشيراً إلى أنّ متوسط الصرف الشهري لزوم الغذاء والمواصلات فقط، بات يتجاوز عتبة 35 ألف ليرة سوريّة للأسرة، مرجعاً الأمر لارتفاع أسعار المواد الغذائيّة والمحروقات.
 

أين السلّة الغذائيّة وأموال المانحين؟

وفي حملة أهليّة مستمرة منذ أيّام عبر مواقع التواصل الاجتماعي لإعادة توزيع السلل الإغاثية، بالتزامن مع دعوة "الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب" مدير عام وكالة "أونروا" لاجتماع يبحث أوضاع المخيّمات،  أوردت أنّ سياسات الوكالة التي حرمت اللاجئين من السلّة الإغاثية، تسببت في انحدار الواقع الغذائي لأكثر من 350 ألف أسرة لاجئة في سوريا، وهي أرقام لا يمكن تأكيد مدى صحّتها، نظراً لغياب إحصاءات علميّة صادرة عن وكالة " أونروا" حول أوضاع اللاجئين كما أشرنا.

والجدير ذكره أنّ تقرير "أونروا" الذي صدر في أواخر العام 2018، لتحديد احتياجات الاستجابة الطارئة اللاجئين للعام 2019، ذكر أنّ التمويل المطلوب لتلبية الاحتياجات الإغاثيّة هو 220.8 مليون دولار، تمكّنت الوكالة من سد عجزها المالي وتغطية الموازنات، والحصول على تبرعات إضافية.

إلّا أنّ الوكالة اتبعت سياسات تقليصيّة خلال العام الفائت، قضمت بموجبها السلّة الغذائيّة التي كانت داعمة لمعيشة اللاجئين، وتوفّر لهم بعض المواد الغذائيّة الأساسيّة، دون تعويضها ماليّاً، رغم حصولها على  منح إضافيّة تجاوزت الرقم الذي حددته لقيمة التمويل المطلوب.

كما حصلت الوكالة الدوليّة على جملة من المنح في الاشهر الاخيرة من العام عام 2019،  فاقت بمجموعها 63 مليون دولار على النحو التالي: 2 مليون يورو مقدّمة من حكومة النمسا، 36 مليون يورو من صندوق الائتمان الأوروبي، 20.7 مليون دولار من دولة قطر، في إطار الاستجابة لأزمة فلسطينيي سوريا.

سؤالان باتا الأكثر تداولاً بين فلسطينيي سوريا، يضعهما اللاجئون على طاولة الوكالة المسؤولة عن غوثهم وتشغيلهم، وفق تفويض أممي إلى حين عودتهم إلى فلسطين.

خاص

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد