خانيونس – قطاع غزّة
 

ربما اعتاد أهالي المناطق النائية في محافظة خانيونس جنوب قطاع غزة، على مشهد إمرأةٍ –رغم أنه غير مألوف- تبحث عن لقمة عيش أطفالها بين حجارة الأبنية والشوارع التي تبيعها كمصدر رزقٍ لها.

ظروف الفقر والعوز أجبرت اللاجئة الفلسطينية جهاد أبو محسن على العمل بمهنةٍ شاقة منذ حوالي ست سنوات لإعالة طفليها وزوجها المريض.

وقالت أبو محسن وهي المنحدرة من مدينة يافا المحتلة لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إنّها تخرج كل يوم من المنزل الساعة السابعة صباحًا وحتى مثيلتها مساءً، من أجل جمع الحجارة وبيعها لإعالة أولادها.
 

 

وتبيّن أنّها خلال رحلتها الشاقة كل يوم تبحث عن المنازل المُهدّمة لجمع الحجارة "وإن ما لقيت، بقعد أدوِّر من شارع لشارع على حجار، بلاقي حجر هان وحجر هان، بجمعّهم حتى أعبي الكارة تبعتي"، مُشيرةً إلى أنّ الخطوة التالية "هي الذهاب للكسّارة –مكان بيع الحجارة لإعادة تدويرها- وبيع الحجارة".

وكما علم موقعنا، فإن حصيلة هذه الرحلة المحفوفة بالبرد والمخاطر والشقاء، هي بضعة شواكل، تُضيف أبو محسن: "تبع الكسّارة أحيانًا بيشتري الكارة –عربة يجرُها حِمار- مني بـ3 شيكل، أو خمسة شيكل، أو الكارتين بـ15 شيكل، حسب الكمية الموجودة معي".

 وفي حديثها عن ولديها تقول أبو محسن (50 عامًا): إن طفلها الصغير كريم يبلغ من العمر تسعة سنوات، والأكبر محمد يبلغ 14 عامًا، وهي فعليًا من تُدير أمور البيت "والدهم طاعن في السن، ولا يوجد دخل للأسرة نهائيًا، غير عملي في جمع الحجارة، ومساعدات أهل الخير".

أبو محسن الزوج أوضح لموقعنا، أنّه "لا يرى بعينه اليسرى"، مُشيرًا أنّه لا يقوى على العمل، يقول:  "طول النهار قاعد ما في شغل، الوليّة –زوجته جهاد- هي بتلم حجار وبتبيعها عشان تصرف علينا".
 

  هذه الأسرة اللاجئة تقطن في بيتٍ من الصفيح مكون من غرفة واحدة في منطقة تسمى نهر البارد شرقي القرارة بخانيونس، وهي منطقة تفتقر لأدنى الخدمات الحكوميّة، فضلاً عن معاناتها يوميًا من الحيوانات الضالة والزواحف الخطيرة وأكوام القمامة، كما أنّ هذه العائلة لا تتلقى أي مساعدات من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا".    

  تقول أبو محسن: "بيقولولي عشانك ساكنة في منطقة نهر البارد ما في الك مساعدات، بدي شادر أغطي فيه الزينكو ما رضيوا يعطوني لأنها أرض حكومة.. كل العالم بتاخد مساعدات إلّا إحنا، حتى شنتة –حقيبة- الأطفال الصغار ما بيعطونا اياها".

وطالبت خلال حديثها بضرورة مساعدها "حتى يتحسّن وضع أطفالي اللي بيحتاجوا كل اشي"، في حين قال ابنها محمد (14 عامًا) أنّه تغيّب عن المدرسة "عشان أنقل مع امي الحجار، وبعد ما بعناهم طلعت اليومية خمسة شيكل بس، أنا عن نفسي باخد مصروف نص شيكل بشتري فيه أي حاجة".
 

بينما قال شقيه الآخر كريم لموقعنا "إحنا نفسنا ببيت نقعد فيه زي البني آدمين، نفسنا نعيش بحرية، إحنا ما انخلقنا عشان نعيش بظلم. الحياة صعبة كتير، والسبب في هادي الحياة هو الاحتلال الصهيوني"، موضحًا أنّهم يعانون كثيرًا من برد الشتاء وصقيعه، وتتساقط عليهم المياه من "الزينكو" كونه مهترئ وبه مجموعة كبيرة من الثقوب.


وعاودت الحاجة أبو محسن وطالبت وكالة "أونروا" بمساعدتها ولو بالشيء القليل: "حابة يساعدوني لو بس بغرفتين ومطبخ وحمام، والله ما بدي حاجة غير هيك"، ومن ثم انهالت دموعها التي حاولت أن تُخفيها بيديها المتحجّرتين بفعل جمع الحجارة.

بألم تعبر عن أمنيتها بالقول: أمنيتي أن أكون كباقي النساء، لدي بيت يؤيني ولا اضطر للخروج في عمل لا يقوم به عادة إلا الشبان، تعبت من ملاحقة الأطفال في المنطقة لي وهم يتنمرون علي وعلى مهنتي.

وفي يوم المرأة العالمي، ذكرت اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار أن 90 % من النساء في غزّة يعانين من البطالة.

وفي ظل عدم وجود برامج حكومية جدية لتمكين المرأة، و"اعتماد برامج وكالة أونروا على الانتقائية في اختيار الأفراد لبرامجها" كما يشتكي كثير من اللاجئين، تضطر المرأة الفلسطينية اللاجئة إلى مواجهة تداعيات الفقر والحصار وبطالة معيل الأسرة لوحدها، عبر العمل فردياً في مهن كمهن أبو محسن وغيرها، وجميعها تترك آثاراً نفسية وصحية على هؤلاء النسوة، وتعرضهن لمواقف الاستغلال والتنمر، مع العلم أن اللاجئين في قطاع غزة يشكلون ثلثي عدد السكان.

 

شاهد التقرير

 

خاص

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد