الوليد يحيى

 

يصادف اليوم الخميس 21 أيّار/ مايو، الذكرى السنوية الثانية لاستعادة قوات النظام السوري وحلفائها السيطرة على مخيّم اليرموك للاجئين الفلسطينيين جنوب العاصمة السوريّة دمشق، وذلك بعد حملة عسكرية استمرت قرابة شهر، وأفضت إلى خروج عناصر تنظيم " داعش" وفق صفقة أبرمت مع جيش النظام السوري، دخل على إثرها الأخير معلناّ " تحرير" منطقة المخيّم والمناطق المحاذيّة له، بعد إحالته  إلى سابع أكبر منطقة دمار في سوريا وفق مسح أجرته وكالة الأمم المتحدّة للتدريب والبحث (UNITAR).

للعام الثاني، يرقد مخيّم اليرموك على أنقاضه، وكأنّه محميّة للدمار والأطلال، يحصّن عناصر أمن النظام السوري و جيشه ومخابراته والفصائل الفلسطينية التابعة له، مداخلها ومخارجها، أمّا ولوجها فلا يصح إلّا بتصريح أمني مسبق، يتيح لابن المخيّم تفقّد ركام منزله وحارته، والوقوف على أطلال ذكرياته لمدّة ساعة من الوقت، بالكاد تمكّنه من استرجاع ملامح محتها القذائف والصواريخ التي انهالت على المخيّم في معركة " تحريره".

ويعيش غالبيّة سكّان المخيّم في حالة نزوح داخلية، حيث أنّ الوصول إليه "ما يزال محدوداً ومستوى الدمار ما يزال كبيراً "وفق ما أوردت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في تقرير النداء الطارئ الصادر عنها للعام 2020، وتوقعت أن يظل أغلب سكّانه الذين كان عددهم 160 ألف نسمة في حالة تهجير يضطرون في الكثير من الأحيان إلى دفع إيجارات منازل مرتفعة.
 

أين وعود إعادة الإعمار؟

بحسب تصريح رئيس دائرة شؤون اللاجئين الفلسطينيين د.أحمد أبو هولي فإن المنظمة تنتظر الموافقة السورية فقط لإعادة إعمار المخيم.

قبل ذلك، أقاويل كثيرة، صدّرت على لسان مسؤولين رسميين خلال العامين الفائتين، عن قرب عودة سكّانه، أبرزها ما صدر عن  أمين سر تحالف القوى الفلسطينية خالد عبد المجيد في تصريح له في حزيران/ يونيو 2018، ومفاده " أنّ العمل على إعادة تأهيل منازل المخيّم وإعادة الخدمات والأهالي إليه، سيبدأ خلال أشهر، بالتعاون بين الأطراف المعنية في الدولة السوريّة، والهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب، ووكالة " أونروا".

بالتزامن مع تصريحات عبد المجيد، والقوى الفلسطينية المختلفة، كان المخيّم يشهد عمليات سلب ونهب من قبل جيش النظام وحلفائه،  طالت إلى جانب ممتلكات ومقتنيات الأهالي، أساسات البنى الخدميّة كمواسير المياه وكابلات الكهرباء، من قبل قطاعات الجيش والأمن والموالين، وتواصلت على وقعها تصريحات المسؤولين عن إعادة إعماره وسكّانه.

وبين حزيران/ يونيو وهو شهر التبشير بالعودة، وتشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2018، خمسة أشهر، أُطلقت بعدها جرعة مكثّفة من الأوهام، ولكن هذه المرّة على لسان رئيس النظام السوري بشّار الأسد، الذي "وجّه بعودة أهالي مخيّم اليرموك"، كما نقل مسؤول الإعلام المركزي في تنظيم الجبهة الشعبيّة_ القيادة العامة الموالي للنظام، عن نائب وزير الخارجيّة السوريّة فيصل المقداد، الذي نقل بدوره عن رئيس الجمهوريّة العربيّة السورية قراره بإعادة أبناء المخيّم، مُستتبعاً أنّ " الأيّام المقبلة ستشهد مزيداً من النتائج الإيجابية حول عودة أهالي مخيم اليرموك عقب قرار السلطات بعودتهم إليه".

"قرار" منقول عن ناقل، ومن المعروف أنّ " العنعنة" تُضعف القول، ومن هنا بدأت جوقة من الإعلاميين والحقوقيين، إعادة إنتاج ما صدر على أنّه مرسوم رئاسي، يلوّحون به في وجه "المغرضين" الذين بدؤوا يشككون في نوايا النظام السوري حول الحفاظ على المخيّم، وإعادة إعماره وفق حالته الأصيلة كمخيّم للاجئين، بمعزل عن مخططات تنظيمية تقضم خصوصيته وممتلكات أهله، إلّا أنّ المرسوم الرئاسي، يصدر عادةً ضمن سياقات أصوليّة دستوريّة برقم وتاريخ، وينشر بالجريدة الرسميّة، ولا ينقل بالخفاء وعبر وسطاء كما هو معلوم، ووفق ما يدركه المُتابع سواء بالدراسة أو المُلاحظة.
 

المخطط المزمع مطلع 2020 لم يخرج الى العلن

وفي سياق جدل استمر، منذ " تحرير" مخيّم اليرموك، حتّى الساعات الأخيرة من العام 2019 الفائت، خرجت إلى العلن العديد من الأقاويل حول مخططات تنظيمية لمخيّم اليرموك، تنهي حالته كمخيّم، بقيت تراوح في دائرة من النفي والتأكيد، حتّى جاء القول الفصل على لسان رئيس مجلس الوزراء السوري عماد خميس الذي قال خلال اجتماع للمجلس في تشرين الأوّل/ أكتوبر 2019:  إنّ المخطط التنظيمي لمنطقتي اليرموك والقابون، سيعلن  عنها في الثاني من كانون الثاني/ يناير العام 2020، إلا أنّ التاريخ المحدد قد انقضى منذ خمسة أشهر، ولم يوضح رئيس الوزراء السوري فحوى المخطط ومضامينه.

 غير أنّ ملامح هذا المخطط بقيت مبهمة، وتدور ضمن محددات أوليّة تقدم بها مقترح لمخطط تنظيمي تقدمت به الشركة العامة للدراسات الهندسية السوريّة إلى محافظة دمشق، يقضي بإعادة إعمار مخيّم اليرموك على مراحل، ولمدّة زمنيّة تبلغ 15 عاماً.

ويقضي المقترح الذي كشفت عنه وسائل إعلام سوريّة شبه رسميّة يوم 28 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2019، بتقسيم مخيّم اليرموك إلى ثلاث مناطق إعادة إعمار، يجري العمل بها على ثلاث مراحل، تبدأ الأولى من المنطقة  ذات الأضرار العالية، والثانية للأضرار المتوسطة، أمّا المنطقة ذات الأضرار المنخفضة سيجري العمل عليها في المرحلة الثالثة للمشروع الذي ستستغرق تنفيذ كافة مراحلة 15 عاماً.

ورغم اعتبار هذا المخطط الذي أثار جدلاً بين أوساط اللاجئين، نظراً لطول مدّة تنفيذه، وغموض ملامحه من حيث الحفاظ على المخيّم وممتلكات الأهالي، مجرد مقترح لم يجر  إقراره بعد، ولم توضّح ملامحه كما وعد رئيس الوزراء.
 

"عودة" على السوشيال ميديا فقط

وتناقلت بعض صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، خلال شهر أيّار/ مايو الجاري، أخبار تفيد بقيام النقطة الأمنيّة " المفرزة" التابعة لأمن النظام السوري، الكائنة عند مدخل مخيّم اليرموك الشمالي، باستقبال الراغبين بالعودة إلى المخيّم وتسجيل أسمائهم، بعد ابراز أوراق ملكيّة منزل وصورة عن بطاقة الهويّة.

ووفق ما جرى تناقله، فإنّه بعد استلام الطلب من قبل الضابط المسؤول، يقوم الأخير بإرسال عناصر أمنية ترافق الشخص الراغب بالعودة، لتفقد منزله ما اذا كان صالحاً للسكن، وفي حال كان غير صالح، يُرفض الطلب إلى حين تأهيل المنزل.

الجدير ذكره، أنّ تلك الأخبار، لم يؤكّدها أيّ مصدر رسمي سوري، أو جهة فصائليّة فلسطينية، وبقيت مجرد أخبار تتداولها مواقع التواصل الاجتماعي، وقد علّق عليها أحد الناشطين ممن تواصل معهم بوابة اللاجئين بعبارة " عودة على الفيسبوك فقط"!.

وكانت قوّات النظام السوري وحلفائه وبدعم جوّي روسي، قد شنّوا عمليات حربيّة واسعة على مخيّم اليرموك في نيسان/ أبريل من العام 2018، بهدف استعادة السيطرة على منطقة المخيّم وعدد من أحياء جنوبي العاصمة من قبضة تنظيم "داعش" انتهت يوم 21 أيّار/ مايو من ذات العام بتدمير شامل للمخيّم، وترحيل عناصر التنظيم المتطرّف عبر حافلات خاصّة إلى مناطق جنوبي سوريا.

وأسفرت العمليات حينها عن قضاء العديد من العائلات المدنيّة، ما تزال جثث معظمهم تحت الأنقاض، وتدمير أكثر من 70% من عمران المخيّم، ونهب كافة مقومات بناه التحتيّة.

خاص

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد