شعب حي لا يموت

مؤسسات فلسطينية في الأردن تملأ الفراغ الثقافي في أوساط اللاجئين

الثلاثاء 14 يوليو 2020

في شوارع عمّان وأزقتها، وفي أسواق الزرقاء، وأسماء الشوارع في السلط، لا تكاد تفارق ذكر فلسطين، بمدنها، وقراها، وأسماء شهدائها، وشهداء الأردن فيها، ربما يعكس ذلك حجم الارتباط الأردني – الفلسطيني، والتي تميزت بحكم عدة عوامل، منها التشابه الكبير في العادات والتقاليد، وعلاقات النسب الممتدة بين الشعبين، ومنها القرب الجغرافي للأردن من فلسطين المحتلة، إذ تتمتع الأردن بخط الحدود الأكبر مع فلسطين المحتلة، ومن محافظة عمّان، وضواحيها الغربية، تبصر ليلاً أضواء قرى القدس ورام الله، والمستوطنات الجاثمة فوق أراضيها، ومن أسباب تلك العلاقة أيضاً أنّ الأردن هي الدولة الأكثر في العالم من حيث عدد اللاجئين الفلسطينيين المقيمين فيها، والذي يقدر بحوالي 3 ملايين لاجئ فلسطينيي، أو ما اصطلح على تسميتهم بفلسطينيي الأردن.

حكاية فلسطيني الأردن 

قد يكون التاريخ الفعلي لبدء تداول هذا المصطلح يعود لما قبل العام 1948، حيث سكن الأردن عدد من العائلات الفلسطينية، ولكن التاريخ الفعلي والذي لعب دوراً في تغيير تركيبة المجتمع الأردني، هو عام 1948، فبعد النكبة الفلسطينية، واحتلال أكثر من 78% من أرضها، وولدت قضية اللاجئين الفلسطينيين، عندما هُجّر 804766 فلسطينياً من مدنهم وقراهم، وتوزعوا بشكل أساسي في: فيما تبقى من أراضي فلسطين، والأردن، وسوريا، ولبنان.

اليوم يبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين في الأردن حوالي 3 ملايين لاجئ، منهم 2.2 مليون مسجلون لدى  وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، تحمل الغالبية العظمى منهم الجوازات الأردنية، فهم مواطنون أردنيون، وفي ذات الوقت هم لاجئون فلسطينيون، تركوا فلسطين خلال فترات زمنية مختلفة، بشكل طوعي، أو قسري، ونظراً لإلحاح سؤال الهوية لدى هؤلاء، ومع تراجع اهتمام منظمة التحرير الفلسطينية بهم، وتراجع تمثيلهم فلسطينياً، ولأنّ القضية الفلسطينية بكل تجلياتها، ضمن دائرة الاهتمام الأول لدى معظم المواطنين الأردنيين بشتى أصولهم ومنابتهم، تصاعدت الحاجة الملحة لإنشاء المؤسسات الثقافية والتربوية، التي تعنى بالتثقيف بالقضية الفلسطينية، وتعزيز الهوية الوطنية الفلسطينية، وتجلياتها النضالية، وتذكير النشء الفلسطيني في الأردن بحق العودة، وعلى الرغم من صعوبة تحديد تاريخ معين لانطلاق وتأسيس تلك المؤسسات والجمعيات، ولكن بالإمكان الحديث عن فترة الانتفاضة الفلسطينية الأولى في العام 1987، حيث سبق ذلك عودة تواصل بين الدولة الأردنية ومنظمة التحرير الفلسطينية، في العام 1984، وبدء عمل عدد من الفصائل الفلسطينية، خارج منظمة التحرير الفلسطينية، كحماس والجهاد الإسلامي، في الساحة الأردنية في نهاية الثمانينات.

خلق الوضع السياسي والاجتماعي العام في الأردن في تلك الفترة مناخاً مناسباً لانطلاق وتأسيس العديد من المؤسسات الثقافية الفلسطينية، في الأردن، والتي تأسست وعملت بشكلٍ قانوني، ضمن قانون الجمعيات الأردنية، وبتراخيص من وزارة الثقافة الأردنية.

"نتطلع إلى إعداد جيل شبابي واع ومثقف قانونياً وسياسياً وقادر على قيادة العمل الميداني الذي يخدم الثوابت الفلسطينية وعلى رأسها حق العودة "

"راجع" والعمل النسوي الوطني الفلسطيني في الأردن

شهد العام 2011 وما تلاه، جملةً من الأحداث التي عصفت بالوطن العربي، وعلى الرغم من تصاعد الاستهداف الصهيوني للشعب الفلسطيني بمخططات التهويد، فإنّ الاهتمام العربي الشعبي بالقضية الفلسطينية شهد تراجعاً، ومع انعكاس الوضع العربي العام على الوضع في الأردن، وتراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية، لدى المجتمع الأردني، واللاجئين الفلسطينيين في الأردن، انبرت مجموعةٌ من السيدات لتأسيس مركز راجع للعمل الوطني، في العام 2013، وكان الهدف من تأسيس راجع إعادة الصدارة لمفهوم حق العودة والمساهمة في رفع مستوى الوعي حول القضية الفلسطينية وقضية اللاجئين الفلسطينيين من خلال عدد من المشاريع المتنوعة التي تستهدف كافة فئات المجتمع.

لتحقيق أهدافه، استحدث مركز راجع للعمل الوطني عدداً من الفعاليات كأمسيات خراريف فلسطينية لتبني وتشجيع وترويج إبداعات الشباب الفلسطيني وقصص النجاح، بالإضافة إلى مجموعة من الدورات والورش المتخصصة في القوانين الدولية وحقوق اللاجئين ومهارات التأثير بالآخرين وفن الإلقاء ومواجهة الجمهور وكيفية التأثير في الإعلام العالمي، كما عرض مجموعة من الأفلام الوثائقية التي سلطت الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني.

الفعالية الأبرز لراجع، الملتقى الشبابي لحق العودة، وهو ملتقى سنوي، على هيئة يوم مفتوح يتضمن عدداً من الورش والحلقات النقاشية، بمشاركة مختلف الفئات العمرية، والمستويات الاجتماعية، والأطياف الوطنية. يتضمن الملتقى مساحة مفتوحة للنقاش الذي يسهم في رفع مستوى الوعي الوطني لدى المشاركين، ويترك فيهم بصمته التي تدعو للتمسك بالوطن، وحق العودة.

راجع 2.jpg
من نشاطات ملتقى "راجع"

 

 يستضيف الملتقى كل عام كوكبة فريدة من الشخصيات التي لها وزنها على الساحة المحلية والفلسطينية والدولية، من مختلف التخصصات والمجالات، ضمن عدة محاور يتم تطويعها بما يخدم القضية الفلسطينية، منها على سبيل المثال لا الحصر: القانون، والسياسة، والإعلام، والفن، والأدب، والثقافة، والشباب، ومنصات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى قصص النجاح الفلسطينية.

تنشط جمعية راجع للعمل الوطني، وتتميز في إدارة الحملات الإلكترونية، التي تطلقها بشكل دوري، وعاجل، حيث تهدف تلك الحملات إلى خلق حالة رأي عام وتفاعل مع عدد من المواضيع والقضايا الراهنة مثل: قضية الأسرى، ومقاطعة الاحتلال وداعميه، ودعم الحراكات الشعبية الفلسطينية.

وبعيداً عن الفضاء الافتراضي، وقاعات المحاضرات والمؤتمرات تسعى راجع لخلق حالة تفاعلية حقيقة بين الأجيال الجديدة وكل ما يعبر عن فلسطين، حيث يشارك متطوعو راجع في العديد من الفعاليات التضامنية مع القضية الفلسطينية، ومنها مثلاً تنظيم رحلة تطوعية شارك فيها عددٌ من أطفال المخيمات الفلسطينية في الأردن، لزراعة الأشجار في الأغوار الأردنية، في أقرب نقطة من فلسطين المحتلة، كما نظم متطوعو جمعية راجع زياراتٍ لجرحي مسيرات العودة، الذين كانوا يتلقون لعلاج في مدينة الحسن الطبية، صيف العام 2018.

" نتطلع في مركز راجع للعمل الوطني ونطمح إلى إعداد جيل شبابي واع ومثقف قانونياً وسياسياً وقادر على قيادة العمل الميداني الذي يخدم الثوابت الفلسطينية وعلى رأسها حق العودة " بتلك العبارات عبّرت إيناس حجير، مسؤولة الأنشطة في جمعية راجع للعمل الوطني عن تطلعات، الجمعية وطموحات القائمين عليها.

أكاديمية دراسات اللاجئين وتجربة التثقيف عن بعد

علـى الرغم من أنّ فكرة التعليم والتثقيف عن بعد، قد بدأت تأخذ أهميتها خلال شهور جائحة كورونا، إلا أنّ هناك من أدرك أهمية هذه الوسيلة منذ سنوات عدة، ووظفها في سياق تثقيف فلسطيني الشتات، والعاملين لقضية فلسطين، في مختلف جوانب ومساقات المعرفة المرتبطة بالقضية الفلسطينية، وهذا ما فعلته أكاديمية دراسات اللاجئين الفلسطينيين، والتي تأسست في لندن عام 2010، وكانت رؤيتها تدريس وتعليم كل ما يتعلق بحق العودة، والقضية الفلسطينية، بأسلوبٍ أكاديميٍ مرن، يعتمد على التعليم عن بعد، والتعليم التفاعلي.

تهدف الأكاديمية، كما يشير مؤسسها، ومديرها الحالي، الدكتور محمد ياسر عمرو، لبناء مساحة معلوماتية فلسطينية واسعة لدى فلسطينيي الشتات، والمهتمين بالقضية الفلسطينية، وتأهيل وتدريب المختصين في مجال الدراسات المتعلقة باللاجئين الفلسطينيين، حيث تتقاطع الأهداف الأكاديمية والإعلامية، ضمن أهداف الأكاديمية.

تقدم أكاديمية دراسات اللاجئين عدداً من البرامج والديبلومات التدريبية في تاريخ فلسطين، والقضية الفلسطينية، والقدس، وقضية اللاجئين، والتراث الشعبي، ودراسات الأسرى، ومقاطعة الاحتلال ومناهضة التطبيع، وآليات دعم صمود الشعب الفلسطيني، حيث تخرج من تلك البرامج والدورات والديبلومات حوالي 22000 دارس، من أكثر من 40 دولة.

لم تقتصر دورات أكاديمية دراسات اللاجئين على الفضاء الافتراضي، بل تعدى ذلك لمجال الدورات والورش المباشرة، إذ عقدت الأكاديمية، في الأردن تحديداً عدداً من الدورات، بالتعاون مع مؤسسات وجهات مثل: الجمعية الأردنية للعودة، وجميع راجع للعمل الوطني، وعددٍ من مدارس الأونروا، ونقابة المهندسين الأردنيين.   

بلغ عدد الدراسين ضمن برامج أكاديمية دراسات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، حوالي 911 دراساً، ينشطون حالياً في العمل التثقيفي والسياسي والخيري، للقضية الفلسطينية، وقضية اللاجئين الفلسطينيين.

أكاديمية دراسات اللاجئين.jpg
إحدى ورشات التدريب لأكاديمية دراسات اللاجئين


"لا تتوقف رسالة الحنّونة عند حدود سايس بيكو، فأهداف الحنّونة تشكيل ثقافة شعبية فلسطينية عربية جامعة"

فرقة الحنّونة وألحان البلاد ودبكتها

مع تصاعد أحداث الانتفاضة الفلسطينية الأولى، ومع تصاعد الحالة الشعبية المتفاعلة معها، في الأردن، ولدت فكرة جمعية الحنونة للثقافة الشعبية، والتي تأسست عام 1991، وتم تسجيلها لدى وزارة الثقافة الأردنية، عام 1993.

تأسست الجمعية على يد مجموعة من النخب الفلسطينية، اتجهت نحو الاهتمام بالثقافة الشعبية الفلسطينية، بكافة مكنوناتها، من أغاني ودبكات وأهازيج، وثقافة لباس وطعام، وحكايات وقصائد شعبية.

" أنا كنت صغيرة في هاديك الفترة بس بتذكر إنه في فترة بداية التسعينات كُنا نعاني من ركود في الوسط الفلسطيني في الأردن، عالمستوى الثقافي " بتلك الجملة عبّرت حيفا صالح، العضو الفاعل في الجمعية، والتي تعمل في مجال تطوير البرامج فيها، عن تلك الظروف الموضوعية التي دفعت لتأسيس الحنونة.

تتحدث حيفا صالح عن رمزية اسم الحنونة، إذ تشير الأسطورة العربية الكنعانية القديمة التي تتناول قصة (بعل)، الذي أخذه (موت) إلى سابع أرض، فتعود (الحنّونة) لتزهر خلال الربيع، فالحنّونة رمزٌ للعودة والأمل، وإصرار الشعب الفلسطيني على الحياة.

لا تتوقف رسالة الحنّونة، كما تعبر حيفا عند حدود سايس بيكو، فمن أهداف جمعية الحنّونة للثقافة الشعبية، تشكيل ثقافة شعبية فلسطينية عربية جامعة، والتركيز على جوانب الالتقاء في مكونات الثقافة الشعبية، في منطقة بلاد الشام، بعيداً عن حدود سايس بيكو، وغير مرتبطة بالحدود الاستعمارية.

تتابع حيفا صالح " الحنونة هي بيتنا الثاني " وهذا هو فعلياً حال المئات من الذين انتسبوا للجمعية، وتابعوا أنشطتها منذ الصغر، حيث تهتم الحنّونة بالأجيال الصغيرة، عبر المخيمات الكشفية، والأندية الصيفية والدائمة، وكذلك من خلال فرقتها الفنية المعروفة في الوسط العربي، والفلسطيني.

تعمل جمعية الحنّونة على جمع وتوثيق الأرشيف التراثي والفني والشعبي الفلسطيني، وتستخدم عدة أساليب لعرض ومعالجة هذه المواد التاريخية، من أهمها النمط الفولكلوري الشعبي، المعتمد على الرقص والغناء والحكاية، " بالتجربة والممارسة اكتشفنا مدى أهمية الثقافة والفن الشعبي في بلورة تفاصيل الهوية الوطنية لدى الجيل الجديد " هذا ما أوضحه موسى صالح، رئيس جمعية الحنّونة في لقاءٍ مع التلفزيون الأردني، في 16/4/2013

الحنون.jpg
من نشاطات جمعية "الحنّونة"

                                  

أسيل صالح والعمل الفتياني

بدأت قصة أسيل صالح، التي تعود بأصلها لقرية عارورة الفلسطينية، مع العمل التربوي والتثقيفي للاجئين الفلسطينيين، في أواخر العام 2016، حيث عملت أسيل تحت مظلة مؤسسات وجمعيات رعاية الأيتام في المخيمات الفلسطينية في الأردن، فيما يعرف بالعمل الفتياني، والذي انطلق في فترة التسعينيات، وهي ذات الفترة التي انطلقت خلالها العديد من المبادرات والمؤسسات الثقافية والتربوية الفلسطينية في الأردن.

"العمل التربوي مع الأطفال استثمار ناجح في سبيل خلق جيل جديد من الفاعلين في مجتمعاتهم والمخلصين لقضيتهم" 

تتحدث أسيل عن تجربتها التي لا تنحصر فقط بالعمل التثقيفي بل تتعدى ذلك إلى تعليم الأطفال والناشئة مختلف المهارات الحياتية، مثل: مهارات التواصل الاجتماعي، والتربية الأخلاقية، والمهارات الفنية والثقافية، مع تعزيز الانتماء الوطني الفلسطيني لهم، ولا تنحصر أنشطة العمل الفتياني باللاجئين الفلسطينيين فقط، بل تتجاوز ذلك إلى مختلف فئات المجتمع الأردني.

" التعامل مع الأطفال في سياق العمل التربوي من أرقى الأعمال فأنت تكون على طبيعتك والطفل على سجيته، مما يجعل العمل التربوي مع الأطفال استثماراً ناجحاً في سبيل خلق جيل جديد من الفاعلين في مجتمعاتهم والمخلصين لقضيتهم " بتلك العبارات توصف أسيل صالح واقع تجربتها مع الأطفال في تجربة العمل الفتياني.

من المواقف التي أثرت في أسيل خلال تجربتها في العمل الفتياني، ما حصل معها قبل سنتين، حين توجهت إلى مخيم النصر لجلب عدد من الفتيان للمشاركة في إحدى الأنشطة، حينما أخبرها أحد الفتيان عن شوقه لفلسطين قائلاً " أنا كل يوم لما أصحى الصبح وأطلع على السطح وأشوف ألواح الزينكو قدامي بتحسر، ليش ما أشوف قدامي بحر يافا، أنا بحب المخيم، ولكن بحب فلسطين أكثر ".

خلاصة

على مدى 30 عاماً مرت بها القضية الفلسطينية، والشعب الفلسطيني، وفلسطينيو الشتات بظروف مختلفة من تراجعٍ لدور منظمة التحرير الفلسطينية، في تمثيل الفلسطينيين شعبياً، ونجاحها في تمثيلهم سياسياً، واختزال القضية الفلسطينية بقضية دولة، وتناسي البعد الشعبي، والوطني، والقومي للقضية الفلسطينية، وما رافق ذلك من تحولاتٍ في الساحة الأردنية، فيما يخص القضية الفلسطينية، من قرار فك الارتباط الأردني – الفلسطيني، في العام 1988، وما صحبه من تحولاتٍ في المشهد السياسي والمجتمعي في الأردن، برزت الحاجة لولادة أي إطار مؤسسي أو شعبي يمثل فلسطينيي الأردن، ونظراً لحساسية ملف ذوي الأصول الفلسطينية في الأردن، لم تتجاوز تلك المؤسسات في عملها الأطر الثقافي والخيري، ولكنها نجحت في خلق حالة شعبية أردنية شاملة متفاعلة مع القضية الفلسطينية، بوصفها قضية شعب حُرم من أرضه، وهماً أردنياً رئيسياً، تتلاقى فيه دماء وعقول من سكنوا شرقيّ النهر، وغربه.

خاص/ بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد