هل اضطر أولادكم يوماً إلى متابعة واجباتهم المدرسيّة على ضوء الشمعة؟

 في قطاع غزة هكذا يفعل الأطفال الآن ونحن في الألفيّة الثالثة، إذ لا يرى سكّان المُخيّمات الفلسطينيّة في القطاع المحاصر الكهرباء سوى لأربع ساعات في أحسن الأحوال خلال اليوم، ويأتي هذا في ظل وصول فيروس "كورونا" إلى داخل قطاع غزّة، ما يزيد المعاناة داخل القطاع المُحاصر منذ 14 عاماً من قِبل الاحتلال الصهيوني.

اللاجئون في المُخيّم مش عايشين.

يقول اللاجئ الفلسطيني في مُخّيم النصيرات وسط قطاع غزّة محمد عفانة لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، إنّ "اللاجئين في المُخيّم مش عايشين زي البشر، احنا مش بس مش عايشين احنا ميتين منستنى (ننتظر) واحد يدفنّا هاي حياتنا في فلسطين".

وتابع عفانة أيضاً: "بالنسبة للشوب (الحر) شهر 8 (آب/أغسطس) هو أصعب الأشهر علينا هذي معاناة بمعنى الكلمة يعني. الطفل الصغير بيكون طول الليل بصيّح (يبكي)، والمرأة بدورلها على قرنة (مكان) تلبد (تقعد) فيها تلاقي فيها نسبة هواء، والختيار بيقعد بالشوارع عشان يتهوى، وكل الشارع زي هيك، ولو حدا أجا في الليل بيلاقي كل الشارع من الكبير للصغير قاعدين برا بيوتهم، لإنه الكهربا 4 ساعات يعني على الفاضي ما بتغطي اشي".

أزمة الكهرباء هي أزمة مشتركة وتلقي بظلالها على كافة سكّان المُخيّمات.

وقالت لموقعنا اللاجئة من قرية برقة صفية أبو شاويش مُستنكرةً هذا الوقع بالقول: "ايش الـ 4 ساعات بدك تعجني؟ ولا تغسلي فيها؟ صرنا بدنا نروح نخبز عند الزلمة فاتح جديد بياخد على الكيلو شيكل بتوديله طحين بجبلك خبز، والعصر منطلع (نخرج) برا وبنصلي المغرب والعشاء ومنطلع برا بالليل كمان وبنضل للساعة 12 وإحنا برا".

وشاركها في الرأي أيضاً اللاجئ في مُخيّم النصيرات نور أبو شاويش، إذ قال لموقعنا: "احنا منشوف الكهرباء 4 ساعات في اليوم وأنا توجيهي مش قادر أقعد ولا قادر أركز (اقرأ)".

انقطاع الكهرباء أفقدني المصداقية مع الزبائن.

هذه الأزمة ليست جديدة، لكنّها تعطّل حياة غزة ومُخيّماتها، يروي لنا فهمي هنا أحد أصحاب مغاسل الثياب في مُخيّم النصيرات معاناته في ظل أزمة الكهرباء: "أزمة عندي هنا، ولمّا أشغّل موتور على الكاز بتوفيش معي وبتبطل الناس تيجي ولا مستعدة تدفع 5 شيكل عالقطعة ما بيقدرو"، بينما قال النجّار عبد الله أبو شمالة: "حتى إذا أجاني شغل فش مجل انك تشتغلو لإنو ما في كهربا، يعني مصداقية مع الناس ما في لأنه الكهرباء ما أعطتك مجال إنه إنت تقوم بعملك على أكمل وجه".

وبشأن مولدات الكهرباء مدفوعة الأجر المنتشرة في قطاع غزّة، يؤكّد أبو شمالة أنّ "موضوع مولدات الكهرباء من الصعب أجيب مولد لأن أجري نزل ومولد الكهرباء بده مازوت أقلو بدي أجيب مازوت وأعبيله هاد أقل حاجة بده من 50 -60 شيكل كاز، وبده يشتغله 4 ساعات أو 5 ساعات فأنا ايش ربحان؟ ولا اشي".

 

توقّف المحطة الوحيدة

يُشار إلى أنّ محطة توليد الكهرباء في غزة تعمل بطاقتها الدنيا منذ تاريخ 18 آب/ أغسطس الجاري بفعل إغلاق سلطات الاحتلال الصهيوني لمعبر كرم أبو سالم التجاري الوحيد الذي يدخل الوقود للقطاع المحاصّر".

وقال مدير الإعلام في شركة توزيع الكهرباء بغزة محمد ثابت لموقعنا، إنّ "أزمة الكهرباء ليست جديدة بل تتفاقم منذ 15 عاماً، وهي وليدة ظروف سياسيّة وأمنيّة مر بها قطاع غزة منذ عام 2000 وخاصة منذ الانتفاضة الثانية".

ولفت ثابت إلى أنّ "الانقسام الفلسطيني لا شك أنّ له تبعاته أيضاً بل تبعات كبيرة جداً على أزمة التيار الكهربائي وعلى ملف الكهرباء بشكلٍ عام وعلى طبيعة إدارته".

السبب الرئيسي هو الاحتلال.

وشدّد على أنّ "الاحتلال الإسرائيلي هو المسبب الرئيسي لأزمة الكهرباء في قطاع غزة بسبب أنه يفرض الكثير من القيود على إمكانية تنفيذ المشاريع الاستراتيجية التي من شأنها أن تجلب كهرباء إضافية إلى قطاع غزة لمواكبة الطلب المتزايد على الكهرباء سنوياً"، مُشيراً إلى أنّ "قطاع غزة قبل مجيء السلطة كان يتغذى من مصدر واحد للكهرباء وهي الشركة القطرية الإسرائيلية بما قدرته 90 ميجا وات وكانت هذه القدرة تكفي القطاع على مدار 24 ساعة يومياً".

وتابع: "لكن تعداد سكّان قطاع غزّة في ذلك الوقت كان قرابة 400 ألف نسمة، لكن اليوم الطلب على الطاقة وصل إلى 500 ميجا وات في حين أنّ تعداد السكان اليوم فاق 2 مليون نسمة، والمتوفر حالياً من الكهرباء في القطاع هو المصدر الإسرائيلي فقط بقدرة 120 ميجا وات".

كما أكَّد ثابت خلال حديثه لموقعنا على أنّ "قطاع غزة كان يتغدى من مصدرين غير المصدر الإسرائيلي وهما: الخطوط المصرية التي كانت تزوّد القطاع بـ30 ميجا وات ومنذ مارس 2018 توقّفت تلك الخطوط عن العمل نظراً للأوضاع الأمنية في سيناء، ويوم الثلاثاء الماضي 18 آب توقّفت محطة التوليد في غزة عن العمل والتي كنا نستلم منها قرابة 65 ميجا وات وفقدنا هذه الكمية بشكلٍ كبير من هذا المصدر الثاني".

انقطاع الكهرباء يؤثر على المرافق الصحية الحيوية.

ولفت إلى أنّ "المحطة عندما كانت تعمل كان جدول الكهرباء في ظل هذه الأجواء الحارة 6 ساعات وصل، وحالياً هو من 3 إلى 4 ساعات يومياً وأكثر من 16 ساعة قطع عن المواطنين، وهذا جدول متواضع جداً ولا يكفي لحاجة السكّان ولا يكفي لأن تقوم القطاعات الحيوية في القطاع بالقيام بمهامها على أكمل وجه"، مُشيراً إلى أنّ "فصل الصيف يزداد فيه الطلب على الطاقة، ومع تدني عدد ساعات وصل الكهرباء فهناك حالة من تراكم الطلب أي الحاجة المتزايدة للكهرباء يوماً بعد يوم ما يؤدي إلى ضغط كبير جداً على جدول توزيع الكهرباء".

وقال إنّ "شركة التوزيع ليست المرة الأولى التي تواجه فيها تحديات كبيرة، ولكن هذه المرحلة الأطول بفعل القرار الإسرائيلي بمنع إدخال كافة أنواع الوقود لقطاع غزّة، ما تسبّب بإيقاف محطة توليد الكهرباء الذي تأثرت معها المرافق الصحيّة بكافة أجهزتها الحساسة كغسيل الكلى ورعاية الأطفال ومختبرات الفحص الخاصة بفيروس كورونا"، مُشدداً على أنّ "تكلفة الوقود المتوفر داخل القطاع ارتفعت بشكلٍ كبير ما أدى للتأثير على قطاعات أخرى مثل قطاع الخدمات وعمل البلديات في جمع وترحيل ومعالجة النفايات الصلبة، كما أثّر على قطاع المياه من محطات تحلية وآبار ارتوازية وكيفية اخراج المياه من باطن الأرض وتوزيعها على منازل المواطنين".

 

دعوة للتدخل السريع

وختم ثابت حديثه مع موقعنا، بالتحذير من أنّ "استمرار هذه الأزمة يُهدّد يتوقف كثير من الخدمات والقطاعات بالانهيار التام. الوضع خطير في قطاع غزّة ونحذر من هذه التبعات غير المسبوقة في ظل القرار الإسرائيلي غير القانوني وغير الإنساني، ويأتي ضمن سياسة العقاب الجماعي في قطاع غزة والمستهدف الأوّل هو المواطن الذي عانى منذ سنوات طويلة من الكثير من الأزمات"، مُطالباً "الأمم المتحدة والدول الصديقة والمنظمات الحقوقيّة من أجل التدخل السريع لوقف التدهور الخطير للخدمات في قطاع غزة، والضغط على الاحتلال من أجل التراجع عن قراره الجائر بحق المواطنين في القطاع المحاصّر".

قطاع غزة-خاص/بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد