سوريا - بوابة اللاجئين الفلسطينيين

يقع مخيم خان الشيح للاجئين الفلسطينيين بريف دمشق على اتستراد دمشق - القنيطرة القديم على بعد 25 كم من العاصمة دمشق، وبلغ عدد سكانه قبل بداية الأحداث في سورية عام 2011 حوالي 25 ألف نسمة.

منذ بداية الأحداث في سورية لعب المخيم دوراً اغاثياً وانسانياً، إذ اتخذ أهالي المخيم والنشطاء موقف الحياد عن الأزمة الدائرة في البلاد، وعملوا على تقديم يد العون للمهجرين والنازحين من بلدات الغوطة الغربية والمخيمات الفلسطينية، حيث بلغ عدد المهجرين في خان الشيح نهاية شهر 8/2012 أكثر من 75 ألف مهجر ونازح فلسطيني وسوري استقبلتهم بيوت المخيم ومزارعه المحيطة، بوجود أكثر من 9 مراكز ايواء.

استمر المخيم بلعب دور انساني أملاً في الحفاظ على حياد المخيم ومنع جره لكرة النار السورية حتى دخلت قوات النظام  أواخر العام 2012 وأقامت الحواجز داخل المخيم ومحيطه، وسرعان ما بدأت بمضايقة الأهالي والنازحين وشن حملات اعتقال بحقهم، ومداهمات للبيوت لتبدأ معها مرحلة جديدة  من العنف ضدهم ازدادت مع وصول قوات المعارضة لمحيط المخيم.

 

13/03/2013 نزيف الدم ونكبة المخيم

الأشهر الأولى من العام  2013 شهدت توتراً واضحاً في المخيم ومحيطه، اذ بدأت قوات المعارضة بمهاجمة قوات النظام في مزارع خان الشيح ، ومع  بداية شهر أذار 2013  تمكنت الأولى من الاستيلاء كتيبة الصواريخ وإجبار قوات النظام على الانسحاب من داخل المخيم إلى ثكنة الاسكان العسكري.

انسحاب قوات النظام من وسط المخيم الى ثكنة الاسكان العسكري دفع فصائل المعارضة لشن هجوم عنيف على ثكنة الاسكان بتاريخ 13/03/2013 اسفرت عن سيطرتها على الثكنة وانسحاب النظام من كامل منطقة خان الشيح وضمنها المخيم.

 صبت طائرات النظام السّوري الحربية، ومدفعياته المنتشرة في محيط المخيم حمم نيرانها على المخيم أثناء اندلاع المعارك، فتحول المخيم إلى بركة من الدماء مع سقوط عشرات الضحايا من شهداء وجرحى من المدنيين بينهم لاجئون فلسطينيون جراء القذائف والقنابل العنقودية.

 بعد ذلك، أصبح يوم الأربعاء الدامي الثالث عشر من آذار/ مارس 2013 بداية لرحلة الحصار والقصف والتشرد في حياة  أهالي المخيم ، حيث نزح في ذلك اليوم أكثر من 10 آلاف لاجئ فلسطيني من سكان المخيم اتجاه بلدات جديدة عرطوز، وعرطوز وقطنا.

نكبة وحصار المخيم

بعد سيطرة قوات المعارضة على منطقة خان الشيح سارعت قوات النظام  إلى قطع كافة الطرق المؤدية للمخيم، وأبقت على حاجز اللواء 68 الشهير باعتقال العشرات من أبناء المخيم أثناء محاولات الدخول والخروج ،ومنعت من حينها دخول المواد الغذائية والأدوية والوقود والطحين لتشغيل الأفران.

في نهاية عام 2013 شنت فصائل المعارضة هجوماً على مواقع قوات النظام في منشية وحسينية خان الشيح وسيطرت عليها، ليفرض بعد ذلك النظام حصاراً كاملاً على المنطقة من كافة مداخلها، ما دفع الأهالي لاستخدام طريق وعر مقنوص من قبل قوات النظام بين المزارع سمي بطريق الموت، وعلى هذا الطريق سقط عشرات الشهداء والجرحى خلال محاولات الدخول والخروج لإدخال المواد الغذائية والأدوية من بلدة زاكية المجاورة والتي كانت تخضع لسيطرة المعارضة.

 

بقي مخيم خان الشيح تحت الحصار الجزئي والقصف بالبراميل المتفجرة والطيران الحربي والمدفعي بشكل يومي، ما أسفر عن ارتقاء حوالي 180 مدنياً جراء القصف والاشتباكات، بينما تم توثيق 186 حالة إعاقة ومئات الجرحى، فيما بلغت نسبة الدمار أكثر من 30% من ممتلكات وبنية المخيم حتى نهاية العام 2016.

وتم توثيق اعتقال 200 لاجئ من أبناء المخيم على الحواجز المحيطة به، وفي البلدات والمدن  المجاورة التي نزحوا إليها منذ عام 2013.

الدخول الروسي ومصير المخيم  المأساوي حتى نهاية العام 2017

 

أكثر من 12 ألف مدني فلسطيني، وأربعة آلاف نازح ومهجر سوري، بينهم ثلاثة آلاف طفل، قدر لهم الحياة لحوالي 4 سنوات  تحت الحصار الجزئي وسط انقطاع سبل العيش والحياة، ونقص المواد الغذائية والطبية.

بدأت قوات النظام مدعومةً بغطاء جوي روسي  بمحاولات عسكرية لاقتحام منطقة خان الشيح  في النصف الثاني من شهر أيار/ 2016، فاستهدف الطيران  الحربي  السوري مشفى الدكتور "زياد البقاعي " المشفى الميداني الوحيد في خان الشيح، وجرت محاولات عديدة  للتقدم من محور اتستراد السلام وسط قصفي جوي ومدفعي بمئات القذائف والصواريخ، ورغم ذلك لم تفلح قوات النظام بالتقدم، بل ومنيت بخسائر كبيرة  في الأرواح والعتاد الذي سيطرت عليه قوات المعارضة المسلحة.

 

معركة تحرير الدرخبية ومحاولات لعقد هدنة

بعد محاولات النظام اقتحام خان الشيح، وما تبعها من إحكام الحصار عليه، والتصعيد العسكري ضده، ردت فصائل المعارضة المسلحة بالغوطة الغربية بعميلة "زئير الأحرار لكسر الحصار" فسيطرت على بلدة الدرخبية الواقعة في شمال شرق خان الشيح، والتي تشكل نقطة ارتكاز بالنسبة لقوات النظام من أجل تأمين طريق الفرقة السابعة تجاه العاصمة دمشق، و فصل بلدة زاكية عن خان الشيح.

على صعيد الوضع الإنساني وبعد تحرير بلدة الدرخبية وكسر الحصار بشكل جزئي المفروض على خان الشيح، عمدت قوات النظام لإغلاق حاجز الكوبري على طريق الكسوة والذي يربطها ويعد مدخلاً لبلدات خان الشيح، الدرخبية، زاكية، المقليبة ويسمح بشكل جزئي  بإدخال بعض المواد الغذائية والتموينية والخضروات للمنطقة، الأمر الذي خلق نقصاً حاداً بالمواد التموينية في بلدات الغوطة رغم توقيع بلدة زاكية والمقليبة هدنة مع النظام.



الغارات الروسية على مخيم خان الشيح

منذ بداية حزيران 2016  تعرض وسط مخيم خان الشيح لغارة جوية هي الأولى من نوعها من قبل الطيران الحربي الروسي، الذي بات لاعباً أسياسياً في مجريات الأحداث في سورية، وشبحاً تطارد طائراته الحربية المدنيين المحاصرين في مخيم خان الشيح للاجئين الفلسطينيين بكافة أسلحتها الفتاكة من الصواريخ الفراغية،والعنقودية، والحارقة.

عشرات الغارات الجوية الروسية –السورية استهدفت منازل المدنيين وسط المخيم وفي محيطه وخلفت عشرات الشهداء والجرحى، عدا عن تدمير البنية التحتية  كشبكة الصرف الصحي والكهرباء، واستهداف المدارس، ومراكز المؤسسات المدنية.

أحالت الهجمات الجوية منازل ومحال المدنيين إلى أنقاض، رغم أن المخيم بقي على حاله منذ العام 2013  خالياً من أي وجود مسلح أو مقرات عسكرية لأي طرف من أطراف الصراع في سورية.

فيما تدهورت الأوضاع الانسانية بشكل سريع نتيجة نقص المواد الغذائية ، وعدم توفر الأدوية والمواد الطبية لإنقاذ حياة المدنييين، إضافةً لنقص المعدات والأدوات اللازمة لانتشال الجثث من تحت الأنقاض وإنقاذ الجرحى، وقد شهد المخيم بعد ذلك حركة نزوح داخلية، وخروجاً لعشرات العائلات نحو بلدات الغوطة الغربية.

حراك ومحاولات لتحييد المدنيين
 مع بداية التصعيد الروسي واستهداف المدنيين في مخيم خان الشيح، جرت عدة لقاءات محلية، وعقدت لقاءات مع الجهات العسكرية التابعة للنظام في محيط خان الشيح لإيقاف استهداف المخيم، وتم التأكيد خلال هذه اللقاءات على أن المخيم مدني ولا يوجد فيه أي طرف مسلح وهو ليس طرفاً بالنزاع السوري –السوري.

ونتيجة الضغوط من قبل الأهالي أصدرت كافة فصائل المعارضة السورية المسلحة "تجمع خان الشيح" بيانا أكدت فيه عدم وجودها ضمن مخيم خان الشيح الواقع ضمن مناطق سيطرتها، وتعهدت للأهالي بعدم الظهور والدخول المسلح إلى المخيم، وعملها على تحييد المدنيين عن الصراع المسلح.



وبتاريخ 22/ آب 2016 دخل رئيس بلدية الكسوة مبعوثاً من طرف "زهير الأسد" قائد الفرقة الأولى بجيش الأسد، ومفوضاً للنظام للإطلاع على أوضاع مخيم خان الشيح والتأكد من خلو المخيم من السلاح.

نهاية مطاف النكبة وبداية أخرى

منذ مطلع شهر أكتوبر/تشرين الأول 2016 بدأت قوات النظام مبهاجمة بلدة الدرخبية وأطراف خان الشيح وسط غطاء جوي وناري كثيف .

 أسفرت الحملة عن سيطرة النظام على بلدة الدرخبية وقطع الطريق الواصل بين خان الشيح وبلدة زاكية، وتدهور الأوضاع الانسانية والمعيشية مع خروج المشفى الميداني الوحيد عن الخدمة في خان الشيح.

عُزِل مخيم خان الشيح عن زاكية البلدة المجاورة التي كانت تشكل المنفذ الوحيد لأهالي وسكان مخيم خان الشيح، وبدأت أوسع حملة عسكرية على خان الشيح – البلدة والمخيم- من عدة محاور من قبل قوات النظام وسط استهداف مناطق تجمع المدنيين بالطيران الحربي والبراميل المتفجرة، ومئات صواريخ أرض-أرض والمدفعية، وبعد تقدم النّظام على أكثر من محور وتضييق الخناق على فصائل المعارضة السورية في  خان الشيح، بدأت مفاوضات بين الجانبين.

بعد عدة جولات من المفاوضات بين وفد من المكتب السياسي لتجمع المعارضة السورية في خان الشيح، وقوات النظام السوري ممثلة بالموظفة السابقة في تلفزيون النظام "كنانة حويجة"في ظل استمرار معارك بين الطرفين لم يكتب لها الحسم تم التوصل لاتفاق وقف لإطلاق النار بتاريخ 19 نوفمبر 2016 بين قوات النظام والمعارضة برعاية روسية، ما أتاح المجال لبدء جولات مفاوضات جديدة بين الطرفين، رافقها دخول وفد من النظام إلى بلدة خان الشيح لأول مرة منذ العام 2013.

توصل الطرفان لإتفاق يقضي بخروج فصائل المعارضة المسلحة وعوائلهم ومن يرغب باتجاه إدلب شمالاً، بينما تتم عملية مصالحة وتسوية أوضاع من يرغب بالبقاء من الأهالي في خان الشيح، إضافة لإطلاق سراح المعتقلين، وإنهاء الحصار المفروض على الأهالي، ومنع دخول قوات النظام إلى المخيم، وضمان سلامة الأهالي وعودة المهجرين.

 صباح الاثنين 28/11/2016  دخل عدد من الباصات لمنطقة خان الشيح، وخروج الأهالي والمسلحين ومئات النشطاء الإغاثيين والمدنيين من أبناء المخيم، إذ قدر عدد المدنيين ممن خرجوا من اللاجئين الفلسطينيين بنحو (2000) نسمة.

 

 

غياب أي دور للفصائل الفلسطينية و"السفارة الفلسطينية" ومنظمة التحرير بدمشق عن جولات المفاوضات وحماية أهالي مخيم خان الشيح، دفع هذا العدد الكبير من  الأهالي للخروج خوفاً من عدم وجود ضمانات، في ظل وجود حالة من القلق والترقب على مصيره بعد الاتفاق.

رغم مرور أشهر على توقيع الاتفاق ودخول الفصائل الفلسطينية، وبعض أطراف النظام والوعود بعودة الأهالي والخدمات للمخيم  يشكو الأهالي من تجاوزت أجهزة الأمن واللجان المسلحة التابعة للنظام، إذ تم تسجيل عمليات سطو على بعض الممتلكات واستباحة المخيم الذي يشرف ــ حسب الاتفاق ــ على إدارة شؤونه الأمنية جيش التحرير الفلسطيني.

بينما تم اعتقال العديد من أبناء المخيم والتحقيق معهم، وتفتيش ومصادرة مواد غذائية، والإستيلاء على منازل بحجة خروج أصحابها من المخيم مع قوات المعارضة.

فيما لا تزال جميع الطرق مقطوعة، رغم دخول بعض المساعدات من قبل وكالة الأنروا، ومنظمة الفاو للأهالي، وبعض المؤسسات الفلسطينية كجفرا والهيئة الخيرية، ومنظمة التحرير تستمر الأوضاع الانسانية كما هو الحال قبل الاتفاق فلا محروقات،ولا كهرباء تتوفر، ولاعودة للخدمات بينما يتم تقييد دخول المواد الغذائية والخضروات للأهالي.

 

فيما تستمر مأساة من خرجوا تجاه إدلب من الأهالي برحلة التيه، لا يزال النظام يمنع عودة المئات من أهالي المخيم ممن نزحوا إلى البلدات المجاورة منذ العام 2013في خرق آخر للاتفاق.

بينما مايزال مصير من هم داخل المخيم محكوماً بعودة القبضة الأمنية، فالخروج لمن بقي من الأهالي من المخيم يحتاج لإذن أمني يحدد وقت الخروج والعودة، تحت طائلة المساءلة الأمنية لمن يتجاوز المدة المسموحة له خارج المخيم الذي تحول لسجن.

خاص - بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد