أوس يعقوب - بوابة اللاجئين الفلسطينيين

تتوالى التقارير الإعلامية والاستخباراتية التي تكشف عن مفاوضات تجري في السر والعلن بين قادة
كيان الاحتلال وزعماء حركة حماس  والفصائل الفلسطينية في غزة، بوساطة مصرية وأخرى أممية من أجل الوصول إلى هدنة "طويلة الأمد"، في وقت تتواصل فيه غارات جيش الاحتلال على القطاع بين الحين والآخر، في غمرة سجال داخل الكيان الصهيوني يطالب بمزيد من استخدام القوة ضد قطاع غزة، وفي غضون ذلك يتواصل الحصار منذ 12 سنة على القطاع، ويدفع أبناء غزة الأثمان الباهظة على أصعدة إنسانية ومعيشية واقتصادية.

المؤكد حالياً أن المواجهات الأخيرة بين جيش الاحتلال الصهيوني والفصائل الفلسطينية في غزة، وقبلها مسيرات العودة وموجة الطائرات الورقية والبالونات الحارقة، دفعت بحكومة بنيامين نتنياهو إلى الذهاب نحو التفاوض مع الفصائل االفلسطينية من أجل الوصول إلى هدنة "طويلة الأمد"، حيث تؤكد كل المؤشرات أن لا قرار في تل أبيب لخوض حرب تسقط حكم حركة حماس.

لا مصلحة للاحتلال بشنّ عدوان جديد واسع على غزة

محللون سياسيون في الصحف العبرية يشيرون إلى أن حالة العجز الإسرائيلي في مواجهة غزة، أو ما يسميه بعضهم "تآكل قوة الردع" التي حققها جيش الاحتلال في الحرب الأخيرة على غزة في العام 2004 يقف خلف تأجيل شنّ حرب جديدة على القطاع حالياً.

المحلل السياسي الإسرائيلي، عاموس هارئيل، قال في مقال له بصحيفة "هآرتس"، إن توصل إسرائيل إلى تسوية سياسية مع حماس في قطاع غزة، يمكن أن يمثل اعترافاً إسرائيلياً بها، تحقق عن طريق "المقاومة العسكرية".

وأضاف أن هذا الاتفاق "المرتقب" يعني أن "إسرائيل" تعتبر الحركة "شريكاً مهماً وذا شرعية"، في ظل إصرار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على إجراء المفاوضات مع لتجنب حرب يعتبرها مبالغاً فيها، حتى لو جرّ عليه هذا الموقف انتقادات من اليمين واليسار في الكيان.

ورأى الصحفي الإسرائيلي، ميرون رابوبورت، أن "حماس نجحت بفضل تكتيكاتها العسكرية في تشكيل قوة ردع، أجبرت إسرائيل على تقديم تنازلات، والجميع يتذكر الشلل الذي أصاب مطار تل أبيب في حرب سنة 2014، وهو أمر لا يريده بنيامين نتنياهو أن يتكرر".
كما أن كل استطلاعات الرأي في الكيان الصهيوني في الفترة الأخيرة أظهرت تفوق اليمين الاستيطاني، وحصول "ائتلاف نتنياهو" على حوالي 64 مقعداً في معظم الاستطلاعات، وهو بالتالي ليس بحاجة إلى التورط في عدوان على غزة أو في أي مكان قد يترتب عليه خسارة لكيان الاحتلال وخسارة لنتنياهو شخصياً.

وتقول حكومة نتنياهو إنها لا تسعى لأي حرب رغم جاهزيتها –مع أنه تم إطلاق بعض التصريحات المخالفة لذلك من قبل عدد من الوزراء والسياسيين في تل أبيب- وكذلك هو موقف حركة حماس، التي لا تريد أي حرب، وهي تحمل الاحتلال مسؤولية أي تصعيد واحتمالات تحوُّله إلى حرب جديدة واسعة وشاملة.

وفيما تصاعد الحديث في الأيام الأخيرة عن تهدئة توشك أن تنضج "على نار مصرية" مع غزة، يواصل جيش الاحتلال استهداف القطاع بنار عن بعد وقتل المزيد من أبناء القطاع. وقبل ذلك تبادلت دولة الاحتلال النار مع  المقاومة الفلسطينية في القطاع انتهت بتهدئة غير معلنة من قبل الطرفين من نوع «هدوء مقابل هدوء»، «نار مقابل نار».

لمسات نهائية على بنود هدنة "طويلة الأمد" ..

آخر الأخبار حول التهدئة والتصعيد هو ما كشفه مصدر أمني مصري، الجمعة، من أن القاهرة تضع اللمسات النهائية لبنود هدنة "طويلة الأمد" بين إسرائيل وحركة حماس، وتوقع بأن يتم الإعلان عن الاتفاق النهائي خلال الأسبوع المقبل (أي بعد عيد الأضحى المبارك).

ونقلت وكالة "رويترز" عن المصدر قوله، إن "التهدئة مدتها عام يتم خلالها التواصل لتمديدها لمدة أربع سنوات أخرى".
وأكد المصدر الأمني المصري أن الهدنة "الطويلة الأمد" تشمل أيضاً إطلاق "إسرائيل" سراح مئات المعتقلين الفلسطينيين ضمن مقايضة للسجناء، في حين أوضح مسؤول فلسطيني في غزة مطلع على المحادثات أن الفصائل الفلسطينية تطالب برفع كامل للحصار عن غزة وفتح كل المعابر مع إسرائيل ومصر وتوفير ممر مائي، لكنه نفى وجود أي محادثات بشأن مقايضة، وقال إن حماس ترفض خلط القضايا.

ونقلت صحيفة "هآرتس" العبرية، الجمعة، عن مسؤول أميركي كبير قوله، إن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تؤيد تحقيق هدنة بين "إسرائيل"  والفصائل الفلسطينية في غزة بمعزل عن موقف السلطة الفلسطينية.

موقف سلطة أوسلو عبَّر عنه عزام الأحمد، المسؤول في حركة فتح عن ملف المصالحة الفلسطينية، بقوله لموقع "ميدل إيست آي"، الجمعة، "إن المفاوضات مع إسرائيل حول وقف إطلاق النار والهدنة في غزة، وإجراء ترتيبات منفصلة خاصة بهذا القطاع، تعني أن حماس تشارك في مخطط عدائي يهدف لفصل غزة عن دولة فلسطين، كما هو معترف بها دولياً على حدود 1967".  غير أن لا أحد يسأل عن موقف سلطة محمود عباس فيما يتعلق بغزة، لا حماس ولا كيان الاحتلال ولا أمريكا ولا حتى مصر.

ونقل موقع "ميدل إيست آي" في تقريره، عن قيادي في حركة حماس تأكيده أن "إسرائيل قدمت عرضاً يتمثل في فتح كل المعابر المؤدية إلى قطاع غزة، وتوفير ممر بحري يربط بين هذا القطاع وجزيرة قبرص، وذلك في مقابل وقف كل الهجمات التي تنطلق من غزة."

واعتبر تقرير "ميدل إيست آي" البريطاني أن هذه الجهود، إذا ما كللت بالنجاح، فإنها سوف تقدم متنفساً كبيراً لقطاع غزة المحاصر وحركة حماس التي تشرف على إدارته.

وأعلن عضو المكتب السياسي لحركة حماس، خليل الحية، الجمعة، أن الجهود المبذولة لإبرام التهدئة وصلت إلى "مراحلها النهائية"، موضحاً أن مسيرات العودة ما زالت قائمة "حتى تحقيق أهدافها وكسر الحصار إلى الأبد".

ولفت إلى أن "إسرائيل" تخلت عن مطالبها التاريخية، ومن بينها نزع سلاح الحركة، ووقف حفر الأنفاق، والإفراج عن الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية داخل القطاع.

وفي الأثناء تحاول حركة حماس التركيز على منح الأولوية للمشاريع الإنسانية، مثل توفير المياه والكهرباء والصرف الصحي.

هدنة من 6 بنود وممر بحري من غزة إلى قبرص ..

تؤكد جملة من التقارير الصحفية العبرية والعربية، أن التوصل إلى هدنة "طويلة الأمد" بات قريباً، ومن شأنه أن يمهد لإجراء محادثات بين حكومة نتنياهو والفصائل الفلسطينية، باعتبارها سلطة الأمر الواقع بالقطاع، بشأن قضايا أخرى، بما يشمل تخفيف الحصار الذي قوض اقتصاد القطاع، وذلك بفتح معبر كرم أبو سالم التجاري مع غزة، وتوسيع إسرائيل منطقة الصيد الخاصة بالقطاع، في مياه تحت الحصار البحري الإسرائيلي، من ثلاثة أميال بحرية إلى تسعة قبالة الساحل الجنوبي وستة أميال في الشمال.

وبحسب مصادر أمنية مصرية، فإن الهدنة "طويلة الأمد" ستشمل أيضاً فتح ممر بحري من غزة إلى قبرص تحت إشراف جيش الاحتلال.

في هذا السياق، ذكرت صحيفة "هآرتس" العبرية، الجمعة، نقلاً عن ثلاثة مسؤولين إسرائيليين أن التفاهمات حول التهدئة بين إسرائيل و المقاومة تشمل ستة بنود أساسية وسيتم تنفيذها بشكل تدريجي شريطة الحفاظ على تهدئة كاملة.

والبنود الستة هي: وقف إطلاق نار شامل؛ فتح المعابر وتوسيع مساحة الصيد؛ مساعدات طبية وإنسانية؛ تبادل أسرى، ترميم بنية تحتية واسع النطاق في القطاع بتمويل أجنبي؛ محادثات حول ميناء ومطار.

ووفقاً للصحيفة، فإن التفاهمات بين "إسرائيل" و حماس تستند إلى المبادئ التي توصل إليها الجانبان في نهاية العدوان على غزة عام 2014، وتقضي في المرحلة الأولى بوقف إطلاق النار مقابل فتح المعابر وتوسيع منطقة الصيد، وترميم البنية التحتية بشكل واسع في مرحلة لاحقة.

 

كارثة إنسانية في غزة بفعل أطراف متعددة

إن كل ما سبق إذا تم الإتفاق عليه في المرحلة القادمة، من شأنه أن يخفف معاناة الغزيين بشكل كبير، فما تواجهه غزة اليوم من حصار وعدوان صهيوني متواصل يجعلها من أكثر المناطق المنكوبة في العالم.

صحيح أن العالم كله يتباكى على غزة وأهلها اليوم بسبب تفاقم الأزمة الإنسانية، التي خلفت دماراً شاملاً للحياة الاقتصادية والصحية وبالتالي الاجتماعية، لكن أحداً لا يفعل ما يجب أن يكون لتخفيف معاناة نحو مليوني إنسان يعانون من شدة العوز جراء الحصار الصهيوني على القطاع وما تقترفه سلطة أوسلو في مقاطعة رام الله من اجراءات عقابية، زد على ذلك ما يقوم به نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي في مصر لخنق القطاع، وما تعانيه وكالة (الأنروا) من أزمة مالية حرجة.

نعم، يمكننا القول إننا في غزة نواجه واقعاً كارثياً جراء الجرائم التي يرتكبها العدو الصهيوني بحق الغزيين، ولا أحد يبدي الحد الأدنى من المسؤولية لوقف هذه الجرائم، ما يؤكد أن الحرب المفتوحة ضد قطاع غزة ستكون أشد ضراوة من ذي قبل في الأيام المقبلة إذا ما فشلت مفاوضات التهدئة بين الفصائل الفلسطينية وحكومة العدو الصهيوني.

وما إنفاذ مؤامرة القضاء على (الأونروا) من قبل إدارة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين في القطاع، إلا فصلاً من فصول هذه الحرب الضارية، فتسريح موظفي الوكالة بالقطاع يعتبر تتويجاً للسياسات الصهيو – أمريكية الساعية إلى خنق أبناء غزة، وهو ما دفع بعشرات آلاف الموظفين العاملين في (الأونروا) للاحتجاج والصراخ، وهم يحاصرون المركز الإقليمي للمؤسسة الدولية في الأيام القليلة الماضية، رفضاً لقرارات الإقصاء التي تبدأ بفئات معينة تشمل المئات ثم تستمر لتحصد آلاف الموظفين من فئات أخرى من جهة، ومن جهة ثانية للحد من سياسات تقليص المزيد من الخدمات التي تسديها الوكالة للاجئين الفلسطينيين في غزة إلى ما هو دون الحد الأدنى، حتى قبل أن تضعها إدارة ترامب على حافة الهاوية.
ولم يعد خافياً على أحد أن الوضع الاقتصادي في القطاع وصل إلى حدّ الصفر، فالحركة الاقتصادية في غزة تقوم على مرتبات موظفي (الأنروا) أساساً بالإضافة إلى دور محدود للقطاع الخاص.

وسنوات الحصار أطاحت بالقطاع الخاص حتى لم يعد قادراً على تلبية الحد الأدنى من استيعاب بعض العاملين والموظفين، وتدهورت الأحوال، بسبب إجراءات السلطة بحق عشرات آلاف الموظفين، في حين لا يحصل موظفو القطاع العام من حكومة حماس على أكثر من 40% من رواتبهم.

إذن لا خلاص اليوم للغزيين إلا بهدنة "طويلة الأمد" تحفظ حقوقهم الوطنية بالدرجة الأولى، وتنهي الحصار وترفع كل العقوبات والمظالم، من أجل حياة كريمة يستحقونها.

خاص - بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد