تقرير: الوليد يحيى 

جيلٌ جديد من اللاجئين الفلسطينيين، بدأ يلج عالم النشاط السياسي والاجتماعي، كعادة الفلسطينيين التي بلورها واقع قضيتهم ومسائلها المتعددة، لا سيما مسألة اللاجئين في الشتات، حيث قلّما نجد في دول الطوق العربيّة المحيطة بفلسطين، لاجئ  لم ينخرط في نشاط سياسي أو مدني، خصوصاً من الجيل الأوّل والثاني بعد نكبة 1948.

بعد سبعين عاماً على نكبة فلسطين، ظهر على خارطة الشتات الفلسطيني، جيلٌ جديد وبشتات مختلف، شبّان من مواليد تسعينيات القرن الفائت، في بدايات تفتّحهم السياسي، التي بدأت تتشكل ملامحه الأكثر نضجاً في بلادٍ تفصلها عن فلسطين مئات الأميال جغرافيّاً وثقافيّاً.

هم أبناء نكبة مخيّم اليرموك في سوريا، التي دفعهتم لخوض غمار الهجرة باتجاه القارة الأوروبيّة من أجل البقاء والاستمرار على قيد الوجود، واليوم نجد كثيرين منهم يخوضون غمار النشاط السياسي والاجتماعي، مشكّلين حالة لافتة في المملكة السويديّة، جذبت أنظار قوىً سياسيّة لهم، وأدرجتهم على قوائمها الانتخابيّة المحليّة والعامة، حاملين بذات الوقت أهدافهم الوطنيّة والإنسانيّة وأفكارهم الخلّاقة الجاذبة والمؤثّرة.

اعتبارات سياسيّة واجتماعيّة متطابقة

الشاب محمد طارق جلبوط، لاجئ فلسطيني من مخيّم اليرموك من مواليد 1994، قصد المملكة السويديّة منذ أربع سنوات، كواحد من أبناء اليرموك الذين دفعتهم نكبة المخيّم لاختبار شتات جديد، بمفردات اغترابيّة حادّة، ليتجاوزها والجاً الميدان السياسي الذي يعتبر من المعايير الأعلى للإندماج وفق الذهنيّة العامة في البلاد.

محمد طارق، هو أحد مرشحي حزب اليسار السويدي لعضوية مجلس بلدية Finspång، ويقيم في مقاطعة Östergötland "اوستريوتلاند"، يتحدث لـ"بوابة للاجئين الفلسطينيين" حول اختياره للترشح، مُرجعاً الأمر لإعتبارات متداخلة لدى القوى السويديّة خصوصاً اليساريّة منها، التي تبتغي أدوات جديدة وفاعلة في مواجهاتها السياسية والمجتمعيّة مع قوى اليمين في البلاد.

أمّا وفق اعتباراته، لا يجد محمد طارق تباعداً في الهدف مع اليسار السويدي، فالمعركة أيضاً هي ضد اليمين وتوجهاته المعاديّة للمهاجرين والمتباعدة مع توجهّات اللاجئين العرب وخصوصاً الفلسطيينيين في السويد، ولا سيّما من القضيّة الفلسطينية التي شكّل موقف حزب اليسار منها دافعاً له في أن يكون فاعلاً في صفوفه، محاولاً تعزيز الحالة المؤيدة لحقوق الفلسطينيين من موقعه كلاجئ، وهو موقع جذّاب بالنسبة للقوى السياسية السويدية وفق محمد، فما يعنيهم هو الأفكار الجديدة والخلّاقة من قبل المهاجرين، الأمر الذي أثبتته شريحة كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين في البلاد، وهو ما يفسّر توجّه الأحزاب السويدية لاستقطابهم وترشيحهم على قوائمها في الانتخابات وفق ما يؤكد محمد الذي يحمل أهدافاً كبيرة لنشاطه وفاعليّته.

محمد طارق جلبوط

سحب الاعتراف بـ"اسرائيل" وتوسيع المقاطعة

فاعليّة فرديّة، مدفوعة بفلسطين والرغبة العارمة في التأثير والنشاط من أجل القضيّة داخل حزب اليسار، الذي انضمّ إليه محمد طارق، حاملاً قضيّة اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، ليعرضها  أمام رفاقه عبر نصّ حمّل فيه جزءاً من مسؤوليّة ما حلّ بهم لـ"إسرائيل" كونها التي تسببت بلجوء الفلسطينين وتشتتهم عن وطنهم، مطالباً بسحب الاعتراف بها،  بالإضافة إلى مطلب آخر وهو تكثيف المقاطعة للكيان الصهيوني وتحقيق المقاطعة الشاملة له.

تأثير الشباب الفلسطيني في الحياة السياسية السويدية والرأي العام، أمر ممكن وفق محمد طارق، وهو ما لمسه عقب مداخلة ألقاها ضمن محاضرة حول السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين، تحدّث فيها أمام رفاقه عن استحالة أن تكون "اسرائيل" دولة سلام، مُبيّناً بنيتها الإستعماريّة وطبيعتها العنصريّة التي تحول دون ذلك، وفشل حلول التعايش والتوصّل إلى حلّ طوال العقود الفائتة، ما يستدعي حلّاً من نوع آخر، يراه محمد طارق بما يسميه " حل جنوب افريقيا" بالقضاء على الصهيونية العنصريّة وبناء دولة ديمقراطيّة للجميع وعودة اللاجئين الفلسطينيين.

تأثير هذه الذهنيّة الفلسطينية الشابّة التي يحملها محمد طارق، ظهر صداها عقب أسبوعين من المحاضرة التي عبّر فيها عن أفكاره وتوجهاته، حيث عرض عليه الحزب الترشح للانتخابات لبرلمان المقاطعة قبل عام، فحال عامل اللغة دون قبوله بهذا العرض وفق ما قال محمد لـ"بوابة اللاجئين"، طالباً منهم تأجيل الأمر لحين تمكّنه من احتراف اللغة السويديّة، ليكون اليوم مرشّحاً لمجلس البلديّة كمرشح فلسطيني وحيد من أصل 25 مرشّحاً عن الدائرة.
 

وجدّتُ فرصةً لأفعل شيئاً ما لبلدي وشعبي

عُلا جبر


عُلا جبر، لاجئة فلسطينية من مخيّم اليرموك وتنحدر من يافا بفلسطين المحتلّة، تبلغ من العمر 20 عاماً ومرشّحة لعضويّة المجلس البلدي في مقاطعة " دالسلاند"، لاجئة في السويد منذ 4 سنوات، وطالية في المرحلة الثانويّة بالقسم العلمي.

 انتسبت عُلا "لاتحاد الشباب الديمقراطي الاجتماعي" التابع للحزب الديمقراطي الاشتراكي في السويد، ودافعها الأبرز، رغبتها في فعل شيء لبلدها فلسطين ولشعبها اللاجئ وفق ما قالت لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين".

دافعٌ تملّكها، خلال لقاء عقده رئيس الاتحاد بطلبة المدرسة وحديثه عن أهداف الاتحاد، ما حفّز عندها فضول لمعرفة أشمل بهذا الجسم السياسي الطلّابي، تقول عُلا: " حين علم رئيس الاتحاد أنّي فلسطينية، بدأ يحدثني عن أهداف الحزب واعترافه بفلسطين، ويشرح الأنشطة التي قام بها من أجل قطاع غزّة المُحاصر" وتضيف : " شعرت وقتها على الرغم من أنّي محرومة من بلدي فلسطين، قد وجدتُ فرصةً لفعل شيء ما من خلال نشاطي في الاتحاد الشبابي، وإيصال صوتي".

عُلا التي انتسبت للاتحاد الديمقراطي منذ 3 سنوات، استطاعت رغم حداثة سنّها، الإلمام بالواقع السياسي للسويد، ووجدت في ذلك هي وسواها، فرصةً  للإندماج في المجتمع السويدي، ومعرفة ما لها وما عليها وفق ما قالت لـ" بوابة اللاجئين" الأمر الذي جلب لها عرضاً من قبل رئيس إدارة البلديّة في مدينة " أومول" للمشاركة في الحياة السياسية والمدنيّة في المدينة، فكان لها أن انتمت للحزب لتكون إحدى مرشحاته هذا العام لعضوية البلديّة.
 

سبعُ مرشّحين من مخيّم اليرموك وآمال كبيرة للمستقبل.
 

ثمانية لاجئين فلسطينيين من مخيّم اليرموك، مرشحين على لوائح الأحزاب اليساريّة السويدية لخوض الانتخابات البلدّة والعامة، وهم كلّ من: أميل صرصور عن قائمة الحزب الاشتراكي الديمقراطي وابنتيه ديمة المرشحة لعضوية المجلس البلدي لمدينة أبسالا، سعيد هدروس عن حزب اليسار، الشاب أسامة تميم عن حزب اليسار في مدينة أومول، جهاد حميد عن الحزب الديمقراطي الاشتراكي في بلدية سفيدالا، محمد طارق جلبوط عن حزب اليسار، و نضال جبر وابنة شقيقه علا جبر عن قائمة الحزب االشتراكي الديمقراطي لعضوية المجلس البلدي لمدينة أومول.

 

قلّة من أولئك المرشحّين من  المهاجرين القدامى كاللاجئ أميل صرصور، واللاجئ سعيد هدروس وآخرون، كما تشهد هذه الانتخابات حضور وجوه جديدة شابّة بعضهم يحمل الجنسيّة السويديّة وآخرون لم يمض على وجودهم في البلاد الفترة التي تتيح لهم الحصول على الجنسيّة، كاللاجئ محمد طارق جلبوط واللاجئة عُلا جبر، إلّا أنّ قانوناً سويدياً معمولاً به منذ سبعينيات القرن الفائت، يتيح لمن مضى على إقامته 3 سنوات دخول الحياة الانتخابيّة على مستوى البلديات وفق ما أوضح المرشّحون لـ"بوابة اللاجئين".

 

آمال كبيرة لدى الشباب الفلسطيني في السويد، بأن يكون لهم بصمتهم في التأثير والتغيير بما يخدم مصالح المهاجرين، ويعزز القضيّة الفلسطينية في المجتمع السويدي، فالتواجد العربي في صفوف الحزب الاشتراكي الحاكم في السويد خلق تأثيراً دفع للاعتراف بدولة فلسطين عام 2014 وفق ما قال اللاجئ محمد طارق جلبوط لـ" بوابة اللاجئين"، مؤكّداً إمكانيّة أن يلعب العنصر الفلسطيني دوراً هامّاً في الدوائر السياسية والاجتماعيّة، لا سيّما أنّ حالة جديدة يختبرها الشباب الفلسطيني في السويد قادرة على استيعاب الشباب والسماع لهم، على العكس من التنظيمات الفلسطينية التي ضاقت بالشباب الفلسطيني ولم تعد قادرة على إنتاج أي حالة جديدة، وصارت طاردةً بعقليتها واهترائها التنظيمي للشباب، يقول محمد طارق متأسّفاً.

خاص - بوابة اللاجئين الفلسطيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد