تقرير الوليد يحيى
 

تصعّد حكومة اليمين المتطرّف في بلجيكا، من سياساتها الراميّة للحد من تدفق المهاجرين إلى بلادها، وفي هذا الصدد تواصل وزيرة الهجرة المعروفة بتشددها إزاء المهاجرين "ماجي دي بلوك" بإصدار قرارات جديدة تستهدف ترحيل طالبي اللجوء من الأراضي البلجيكية، إضافة إلى دفعهم للكف عن التفكير في بلادها "كوجهة جيّدة لهم"، وهي التي اختزلت خلال ترويجها لقراراتها الأخيرة دوافع طلب اللجوء ووجهاته بمصطلح " تسوّق اللجوء".

وبهدف "إغلاق سوق اللجوء البلجيكي" بوجه اللاجئين، أصدرت  دي بلوك قرارات، بتأخير إعادة النظر في طلب اللجوء المقدّم من قبل شخص قَدِم إلى بلجيكا، وقد سجّل بصمته وفق اتفاقيّة "دبلن" في بلد آخر من دول الاتحاد الأوروبي، كما تتيح القرارات إصدار المزيد من أوامر الترحيل الإجباريّة لطالبي اللجوء.

و تتيح قوانين " دبلن" لبلجيكا، إعادة اللاجئ إلى البلد الذي سجّل فيه بصمته خلال ستّة أشهر من قدومه، وفي حال انقضائها، يحق للاجئ إعادة تقديم طلبه بغض النظر عن بصمته السابقة، إلّا أنّ قرار وزيرة الهجرة الأخير، يقضي بإطالة أمد الفترة إلى 18 شهراً، وهذا يعني، معاناة أطول لطالب اللجوء بلا مأوى أو مساعدات ماليّة، وهي إجراءات تُضاف إلى جملة من سابقاتها، استهدفت طالبي اللجوء الفلسطينيين بشكل رئيسي، باعتبارها أنّ "الوضع في فلسطين مستقرّاً"، وبالتالي لا يحق لهم تقديم طلبات اللجوء في بلادها.
 

الفلسطينيون أبرز الضحايا

وبالرغم من أنّ سياسات اليمين البلجيكي، لا تميّز بين طالبي اللجوء من مختلف الجنسيّات، إلّا أنّ أثرها على اللاجئ الفلسطيني مُضاعف، ما يجعله ضحيّة وضع مركّب، تشكّل السياسات المتبّعة بحق اللاجئين شقّه الأوّل، وثانيه هو ظرف الإنسان الفلسطيني، الفاقد للوطن والمأوى، ما يدفعه للإذعان مضطرّاً لتحمل مرارة تلك السياسات، أو الاندفاع نحو المزيد من المحدوديّة التي تفرضها عليه، وتحشره ضمن خيارات متشابهة من حيث استلابها الحقوقي والإنساني.

وعلى طريقة اليمين البلجيكي، فإنّ "سوق اللجوء" في بلادهم، لم يعد فيه سوى السجن في مراكز اللجوء، لمدّة 18 شهراً يقضيها طالب اللجوء بلا أي نوع من الخدمات والمساعدات، باستثناء مبلغ زهيد وقدره 7 يورو و 40 سنتاً كل أسبوع، لا تكفي ثمن طعام وفق اللاجئ الفلسطيني ومؤسس حراك اللاجئين في بلجيكا علي منصور، الذي وصف في حديث مع "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" سياسات اليمين البلجيكي بالناجحة لجهة خفضها أعداد طالبي اللجوء من الفلسطينيين في البلاد.

سياسات، عززت قهر الإنسان الفلسطيني، بفرض شروط حياة جديدة عليه ليست بالأفضل من ناحية جودتها الحقوقية، عن تلك التي هرب منها، سواء الإعتداءات الإسرائيلية المتكررة، أو من يحمل وثيقة سفر صادرة عن الجمهورية العربية السوريّة وهرب من الحرب فيها، وتصنّفه دوائر اللجوء الأوربيّة بـ"ستاتلوس" بلا وطن، أو الفار من ظروف الحرمان المعيشي والحقوقي في مخيّمات البؤس في لبنان، فشبح الترحيل يلازم آلافاً منهم بفعل تلك السياسات، أو يبقيهم بلا حقوق إنسانيّة لآجال قد تطول لسنوات.
 

أكثر من 93% من طلبات لجوء الفلسطينيين مرفوضة!

فجميع الفلسطينيين باتوا سواسية أمام سياسات وزارة الهجرة البلجيكيّة، ولا استثناء لأحد وفق ما أكّد علي منصور، مشيراً إلى أنّ تلك السياسات أدّت إلى رفض  %93.5 من طلبات اللجوء لفلسطينيين خلال العام 2019.

وبدأت الحكومة البلجيكية تصعيدها، باعتبارها أنّه ليس كل الفلسطينيين يستحقون اللجوء، لتدعم قرارها لاحقاً بحكم صادر عن محكمة بروكسيل في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، طال بشكل أساسي طالبي اللجوء من قطاع غزّة المحاصر، وبحسب الحكم فإنّ قطاع غزة منطقة آمنة، ومعبر رفح الفاصل بين القطاع ومصر يفتح بشكل متكرر، وبأن ليس كل اللاجئين في غزة يستحقون الحماية الدولية، بدعوى أنّ وكالة " أونروا" مسؤولة عن حمايتهم.

اعتبارات، تنسحب على كافة الفلسطينيين وفق منصور، الذي أوضح أنّ السلطات شملت بقراراتها كل فلسطيني يعيش في منطقة تعمل فيها وكالة " أونروا"، وبالتالي وفق منظورها، فإنّ الفلسطينيين يفرّون من أوضاع اقتصاديّة وليس أمنيّة، وهو ما تدحضه وظيفة وكالة "أونروا" نفسها، والمتمثّلة بتوفير الإغاثة والتشغيل وليس الحماية الأمنية للاجئين الفلسطينيين.

ويعد القرار الأخير لماجي دي بلوك، خطوة تصعيديّة متقدّمة ألقت بنتائجها بشكل ملحوظ على أوضاع طالبي اللجوء من الفلسطينيين، وأفقدت الآلاف منهم أيّ أمل بالحصول على الحماية القانونية، وظللت حياتهم بسواد شبح الترحيل القسري.
 

رفض بالجملة وحراك قانوني

نحو 6 آلاف طالب لجوء فلسطيني ينتظرون في مراكز اللجوء على امتداد الجغرافيا البلجيكية، وفق ما أشار منصور، تلقّى قرابة ألف منهم قرار رفض لجوئه في بلجيكا، بدعوى حصوله على الإقامة اليونانيّة، كما تشير إحصاءات العام 2019، تعامل دائرة الهجرة واللجوء مع 648 ملفاً، رفضت منهم 513 في حين قبلت 161 فقط.

أرقام تعكس سياسات اليمين البلجيكي وقراراته على أرض الواقع، وما تمثّله من تهديد فعلي لآلاف اللاجئين الفلسطينيين، الذين باتوا مهددين بالترحيل، أو الانتظار لسنوات حلّاً لا يبدو قريباً لقضيتهم، ما دفع "حراك اللاجئين من أجل الحقوق والعدالة" تصعيد تحركاتهم التي بدأت منذ تشرين الأوّل/ أكتوبر 2019، لتأخذ منحىً قانونيّاً.

ووفق علي منصور أحد مؤسسي الحراك، فإنّ هيئات ومؤسسات بلجيكية متعاطفة مع حراكهم وفّرت مجموعة من المحامين والقانونيين المختصّين بالقضيّة الفلسطينية، الذين نصحوا بعدم الطعن بقرار محكمة بروكسيل آنف الذكر، بل اتباع أسلوب الدعاوى الإفراديّة بالملّفات المرفوضة كلّ على حدى، وإثبات حاجتهم للحماية.

وأضاف منصور، أنّ هذا الأسلوب من شأنه أن ينعكس في النهاية على قرار المحكمة، لأنّ القرار بحد ذاته سياسي ولا يراعي الأسباب الحقيقية التي دفعت طالبي اللجوء للتوجه إلى بلجيكا،  مردفاً " نحن كفلسطينيين نحاول مع المؤسسات البلجيكية والمحامين الضغط بشكل قانوني، لتحصيل الإقامات لأن الوضع مأساوي".
 

قد نبقى لسنوات

سياسات سجنت آلاف الفلسطينيين في مراكز اللجوء إلى آجال غير معلومة، نظراً لعدم تمكّنهم من الحصول على المنازل الاجتماعيّة "سوسيال"، التي تُمنح للاجئين بعد حصولهم على الحماية القانونية " الإقامة"، في حال عدم تعرّضهم للترحيل الإجباري الذي تشدد عليه الوزيرة ماجي دي بلوك.

جهاد البحيصي فلسطيني من أبناء قطاع غزّة المحاصر، قد يضطّر للبقاء في مركز "موسكرون" للجوء لسنوات بسبب تجميد ملّف لجوئه من قبل مؤسسة اللجوء والهجرة البلجيكية، وقال لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين" في وقت سابق " إنّ الحصول على سكن اجتماعي -سوسيال- صار مستحيلاً لأنّ ذلك بات مشروطاً بالحصول على الإقامة التي لا تمنحنا إياها الحكومة البلجيكية".

جهاد وسواه من اللاجئين، كانوا قد خاضوا خطوات احتجاجيّة عدّة عبر "حراك اللاجئين من أجل الحقوق والعدالة" عن معاناتهم، من خلال الإضراب عن الطعام والاعتصام في مراكز اللجوء، معبّرين عن خيبة أملهم  للشعب البلجيكي "مما تلقّوه منذ وصولهم إلى البلاد كطالبي لجوء، دفعتهم ظروف الحرب والقمع والاحتلال إلى البحث عن مستقبل أفضل".

خاص

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد