محمد معين – بغداد
 

قضية المعتقلين الفلسطينيين في العراق، من القضايا الغامضة والمركونة ملفاتها في رفوف القضاء الأعلى والمحاكم، لعدة أسباب، منها أن المعتقلين الفلسطينيين لا يوجد لهم سند أو عشيرة أو أقرباء يعملون في الأجهزة الأمنية أو الوظائف الحساسة في الدولة، ليتفقدوا أوضاعهم أو على الأقل ليعرفوا مصير معتقليهم، ومدة محكوميتاهم التي تُعد مجهولة.

و تشير تقديرات حصل عليها "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" إلى بلوغ أعداد المعتقلين منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 إلى يومنا هذا، قرابة 62 معتقلاً وغالبيتهم جرى اعتقالهم بناء على وشايات من جهات تضمر الحقد على كل من يحمل الهوية الفلسطينية، باعتبارهم من "أزلام صدام حسين" وفق تأكيدات العديد من الأهالي.

ويمضي معظم المعتقلين الفلسطينيين في سجون السلطات العراقيّة سنوات طويلة، بعضها تمتد منذ العام 2003 دون عرضهم على القضاء للمحاكمة،  فيما حكم على عدد منهم بالإعدام وآخرين بالسجن المؤبد، فيما تغيب المعطيات بشكل كامل عمّن جرى اعتقالهم في سجون سرية تابعة لميليشيات مجهولة، إضافة إلى من اعتقلتهم قوات الاحتلال الأمريكي إبان الغزو، وسلّمتهم للسلطات العراقيّة التي اعتقلت آخرين أيضاً تحت ذريعة " الضلوع بأعمال ارهابيّة" وهي اتهامات يعتبرها كثيرون باطلة ووجهّت لهم لكونهم الحلقة الأضعف في المجتمع العراقي.

 وحول قضيّتهم، قال أحد وجهاء فلسطينيي العراق وفضّل عدم ذكر اسمه لـ" بوابة اللاجئين الفلسطينيين": إنّ المعتقلين الفلسطينيين ينقسمون الى فئتين، الفئة الأولى جرى اعتقالهم من قبل ميليشيات مجهولة، عقب الأحداث الطائفية التي اندلعت بعد تفجير ضريح الإمامين العسكريين في سامراء عام 2006، لمجّرد أنهم يحملون الهويّة الفلسطينية، والعديد منهم تعرّضوا للتصفية في أماكن مجهولة بعيدة عن الأنظار، والفئة الثانية جرى اعتقالهم من قبل الأجهزة الأمنية، بسبب دعاوى كيدية، حسبما أضاف.

 وأشار إلى أنّ "كلا الفئتين يتشاركون المصير المجهول، ولا أحد يعرف شيئاً عن أوضاعهم، وعند السؤال عنهم لدى الأجهزة الأمنية يخبروننا أنّهُ تم نقلهم من مكان الى مكانا آخر فتضيع أخبارهم ".

 وأضاف أحد الوجهاء متابعاً لـ" بوابة اللاجئين" أنّ ما ورد من معلومات وآخرها قبل قرابة العشر سنوات، تفيد بنقل جميع السجناء العرب إلى " سجن الحوت" في مدينة الناصرية جنوبي بغداد، ومن ضمنهم الفلسطينيون.

ويجد أهالي المعتقلين الفلسطينيين في هذا السجن شديد التحصين، صعوبة بالغة في الوصول إليه ولقاء أبنائهم، فهو يبعد عن بغداد قرابة 306 كيلو مترات، في حين يتحّكم مزاج الضابط المسؤول، بقرارات السماح لذوي المعتقلين برؤية أبنائهم في السجن المذكور، وهذا ما يعزز الشعور بالإحباط لديهم.
 

شهادات ومرارات

أمّ فلسطينية تسكن في مجمع البلديّات السكني في بغداد، روت لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين" تفاصيل اعتقال ابنها ( ر. ر. ق)  قبل خمس سنوات، بسبب دعوة كيديّة، وقالت: "في إحدى ليالي شهر تموز عام  2015، وعند الساعة الواحدة فجراً، طرق باب شقتي مجموعة من المسلّحين المقنّعين، وقاموا باقتحام المنزل مدّعين أنّهم جهة حكوميّة، تريد التحقيق مع ابني وإطلاق سراحه".

وأضافت: "وفي صباح اليوم نفسه اتصلنا بأحد مراكز الشرطة، وأخبرناهم بما حصل،  وقامت الشرطة بالاتصال بالجهات ذات العلاقة ولكنهم لم يحصلوا على أية نتيجة، وقد اعتقدنا أنها عملية خطف من العمليات الشائعة في البلاد، وسيتم الاتصال بنا من أجل طلب فدية ماليّة ولكنّ هذا أيضاً لم يحصل".

وتابعت:" وذهبنا بعدها عدة مرات لمشرحة الطب العدلي، حيت تودع الجثث التي يجري تصفية أصحابها على أيدي الميليشيات، وقد أبلغنا عن اسمه هناك ولكن لم نجد له أيّ أثر له،  وبقيت هذه الحال إلى يومنا هذا ولم نعرف مكانه".

اعتقلوا قريبي وولديه عام 2015 ومصيرهم ما يزال مجهولاً

وحول اعتقال أحد أقربائه وولديه الاثنين قال اللاجئ الفلسطيني ( ي.س.ف) أنّ الأجهزة الأمنية اعتقلتهم، أثناء القمة العربية التي عقدت في بغداد عام 2012 من دون معرفة أي سبب للقيام بذلك.

وأضاف، "أنّه في البداية جرى اعتقال أولاده الاثنين بمجرد وقوفهم في الشارع وحين، علم والدهم أسرع اليهم ليعرف ما السبب، ليجري اقتياده معهما، ايضاً" متابعاً "وبعد سنوات تبين أنه جرى  الحكم عليهم بالإعدام، فقامت الزوجة ببيع شقتها وأوكلت محامياً معروفاً، ليتم تخفيف الحكم إلى المؤبد، وما زالوا إلى اليوم في الاعتقال من دون أيّ ذنب".
 

عقل: ملف المعتقلين مركون على رفوف البرلمان العراقي

وللوقوف عند رأي وموقف أصحاب القرار الفلسطينيين ومن يمثلهم في العراق حول  مصير المعتقلين الفلسطينيين، التقى " بوابة اللاجئين الفلسطينيين " بسفير السلطة الفلسطينية لدى بغداد الدكتور أحمد عقل، الذي أكّد تلقّيه وعوداً عدّة من السلطات العراقيّة، مشيراً إلى أنّه في كلّ مرّة تتحرّك فيها السفارة الفلسطينية لتحريك الملف، نجده مركوناً على رفوف مجلس النوّاب العراقي وفق قوله.

وأكّد السفير كذلك، على أنّ السفارة الفلسطينية جعلت قضيّة المعتقلين الفلسطينيين على سلّم أولوياتها، مشيراً إلى أنّ القضيّة لم تغب عن بال المسؤولين الفلسطينيين، ويتطرّقون لها في كل محفل.

وأرجع السفير عقل، عدم التوصّل إلى نتيجة مع المسؤولين العراقيين حول ملف المعتقلين الفلسطينيين لدى السلطات العراقيّة، إلى المشاكل الداخليّة والصراعات داخل المؤسسات العراقيّة، التي تبقي ملف المعتقلين الفلسطينيين مركوناً على الرفّ.

وقال عقل: "لقد صرحنا بأكثر من مناسبة، وطالبت بالإفراج الفوري عن كافة المعتقلين الفلسطينيين، ونحن نعرف كل الحالات على انفراد، ولا يوجد من بين المتهمين، فلسطيني واحد له علاقة بالأعمال غير الإنسانية التي  ترتكب في العراق،  وأكدت أنني أثق بالقضاء العراقي".
 

 

وعود لم تنفذ!

وأشار السفير، إلى أنّه خلال زيارة رئيس السلطة محمود عباس إلى العراق للمشاركة في أعمال القمة العربية التي عقدت في بغداد عام 2012، جرى الاتفاق مع رئيس الوزراء العراقي آنذاك نوري المالكي، على تسليم 40 معتقلاً فلسطينياً في السجون العراقية.

وأضاف، أنّ المالكي قدّم وعداً لعبّاس بالإفراج عنهم لكنّ ذلك لم يحصل، علماً أنّ العراق قد أصدر مؤخرا قراراً بالعفو عن الأبرياء العراقيين الذين أمضوا سنوات في السجن، وأشار إلى جهود السلطة الفسلطينية من أجل أن يشمل القرار المعتقلين الفلسطينيين لكونهم مقيمين بصورة دائمة في العراق، و لكن مع الأسف تم إزاحة هذا القرار في اللحظات الاخيرة ولم يطلق سراحهم، وفق السفير الفلسطيني في بغداد.
 

مصير مجهول في ظل الفوضى العراقيّة

وحول مصير المعتقلين الفلسطينيين، ولتكوين صورة أوضح حول ذلك، التقى "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" بأحد المحامين والمختصين بقضايا الدفاع عن المعتقلين الذين يمضون فترات طويلة من دون محاكمة وقال: إنّ "هناك أكثر من500 معتقل من دول عربية مختلفة في السجون العراقية، ومن ضمنهم الفلسطينيون الذين تنطبق عليهم القوانين ذاتها المطبقة على أي معتقل عربي رغم أن أكثر الفلسطينيين هم من مواليد العراق".

وأضاف: "لقد حاولنا استثناء الفلسطينيين من أي قرار يصدر من المحكمة العليا، وهناك بالفعل أبرياء إن كانوا من الفلسطينيين أم من الجنسيات العربية الأخرى ومنهم من لم توجه لهم اتهامات رسمية، فيما نفذت السلطات العراقية حكم الإعدام بحق بعضهم بتهمة الإرهاب".

وأشار المحامي، إلى الانتقادات المتتالية التي يواجهها العراق من قبل منظمات حقوقية وإنسانية دولية، بسبب سجّله في التعامل مع المعتقلين ومن بينهم الفلسطينون، إذ جاء في آخر تقرير حول حقوق الإنسان في العراق، أنّ التعذيب وإساءة معاملة المعتقلين العرب، كان واحداً من أكثر القضايا التي جعلت العراق بموقف مخجل ومنفرد وغير موثوق بتعامله العادل.

وأوضح المحامي، أنّ القرارات التنفيذية في العراق ينتابها الفوضى، حيث تتخذ من قبل جهات عدة، ومن دون تنسيق وبالتالي تجمّد قضايا عديدة بسبب ذلك، مشيراً إلى أنّ المعتقلين الفلسطينيين الذين تمّت محاكمتهم، بغض النظر إن جرت إدانتهم أم تبرئتهم، لا يمكن لأيّة جهة التدخّل في الأحكام الصادرة بحقّهم.

ولفت، إلى أنّ هناك جهات ومنظمات إنسانيّة وأطباء بدؤوا بزيارة جميع المعتقلين العرب، وخاصّة بعد انتشار وباء " كورونا" إلّا أنّ جميع تلك القضايا ستحل تدريجيّاً ولكنّ بعد انتهاء حالة الفراغ في السلطة التنفيذيّة التي يعيشها العراق.

خاص

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد