أحمد حسين – غزّة
 

تجمَّع العشرات من الموظفين المفصولين من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" منذ ساعات الصباح الباكر، أمس الأربعاء 26 شباط/ فبراير، أمام البوابة الغربيّة للمقر الرئيسي للوكالة الأمميّة في قطاع غزة، رفضًا واحتجاجًا وتنديدًا بما وصفوه بـ "تعنّت" مدير عمليات الوكالة في غزة ماتياس شمالي تجاه حل هذا الملف.
 

يلاحقونني بسبب الديون المتراكمة

"ملف المظلومين" هكذا أطلق عليه سلامة علي الشرقاوي، الموظّف المفصول من "أونروا" كبقيّة زملائه بتاريخ 25/7/2018، وأكَّد لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، أن هذا "القرار غير صائبٍ بالمطلق بحق الموظفين في غزة الذي صدّعنا ماتياس شمالي بالحديث عنها كمنطقةٍ منكوبة وبحاجةٍ إلى دعمٍ متواصل".

وأضاف الشرقاوي "بفعل هذا الفصل تكدّست علينا هموم الحياة، وتصادف قرار فصلي مع فرحتي الأولى بابنتي التي ستدخل الجامعة بعد أن كان حلمها دراسة تخصّص الصيدلة أو طب الأسنان، لكن بعد فصلي من عملي والأزمة المالية التي نعاني منها الآن انعكست على الحالة النفسية والدراسية لابنتي التي تدرس الآن تخصصًا آخر غير الذي حلمت به".

وأشار الشرقاوي الذي يُعيل والده ووالدته المرضية إلى أنه أصبح إنسانًا عاجزًا عن "تحقيق أحلام أبنائي وأطفالي وأدنى متطلبات الأسرة، لديّ تراكمات مالية عديدة، وأصبحت اليوم مُلاحقًا من الشرطة التي تأتي لبيتي بشكلٍ شهري لحبسي بسبب الديون المتراكمة، مع الأسف أصبح يتعامل معي المجتمع كـ(نصّاب) بسبب عدم مقدرتي على سداد الديون".

"أنا أيضًا مريضٌ بالقلب، كنت أعيش بكرامة وعزّ واستقرار اجتماعي"، يُضيف الشرقاوي الذي طالب "بالعودة الفورية لكافة المفصولين إلى وظائفهم لأنها حق، والإدارة ما زالت متعنّتة تجاه هذا الحق"، خاتمًا حديثه بالقول "المكان الذي تربينا فيه على القانون ومعرفة الحقوق، اليوم نعجز عن أخذ حقنا منه، وهي مؤسّسة دوليّة لها احترامها في العالم، إذن أعيدونا إلى يافا وإلى البلاد إذا كنَّا نمثل عبئًا عليكم".
 

"شمالي حطّم حُلمي"

بوابة اللاجئين الفلسطينيين تواصل مع ياسمين الشرقاوي ابنة سلامة التي لطالما حلُمت بدراسة تخصصٍ "رائع" كما تصفه، تقول "للأسف أنا اليوم طالبة جامعية في تخصصٍ لم أحلم به، ولكن ماتياس شمالي حطّم حلمي الذي تمنيت تحقيقه، أنا اليوم ابنة موظف خدم في الوكالة 15 عامًا، وبدلاً من تكريمه على هذا العطاء كرَّمه شمالي بالفصل من عمله".

"الظروف الماليّة اليوم صعبة للغاية، ونُطالب شمالي بأن يُعيد لنا حياتنا الكريمة، لماذا تم الفصل فقط في إقليم غزّة المُحاصرة"، تتابع ياسمين وتستذكر في ذات الوقت "كنّا كعائلةٍ في السابق نتفسّح بين الحين والآخر، اليوم كل هذا انتهى، حتى صديقاتي عندما يهاتفونني من أجل الخروج للتنزّه أصبحت أعتذر منهم، انقلبت حياتنا رأسًا على عقب".
 

"غزّة تدفع ثمن أزمةٍ مزعومة"

الموظّف المفصول حسام أحمد الكحلوت يخدم في وكالة الغوث منذ عام 1999، قال لـ بوابة اللاجئين الفلسطينيين، إنه عمل بكل جدٍ خلال سنوات عمله في "أونروا" ولم "نرتكب أي خطأ أخلاقي أو إداري ليتم فصلنا بهذه الطريقة المُهينة، والحديث عن الأزمة الماليّة هو لذر الرماد في العيون"، مُتسائلاً: "الأزمة المالية ستُحل بعد فصل بضع العشرات من الموظّفين؟، نحن اليوم ندفع ثمن هذه الأزمة المالية المزعومة".

وتابع الكحلوت "نحن فقط 116 موظفًا، فُصلنا من قطاع غزة من أجل حل أزمة الوكالة الماليّة، ما يطرح علامات استفهام كبيرة (لماذا غزّة؟) التي تعاني الأمرين اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا، لم نرتكب أي ذنب كي يتم فصلنا"، مُشيرًا إلى أن "هذا الفصل أرهقنا على كافة النواحي، لا أحد يتصوّر كيف يعيش أطفالنا اليوم، لديّ 10 أفراد في أسرتي من ضمنهم أربعة فتيات لم يستطعن إكمال الدراسة الجامعية حتى اليوم، لا أقدر على دفع الرسوم".
 

"ثلاثة دولارات فقط"

وأكَّد الكحلوت "إذا كان هناك أزمة ماليّة فمن الواجب توزيعها على كافة الأطراف حتى لا يُحرم أحد من قوت أطفاله، هناك 30 ألف موظف في أونروا لو تم خصم ثلاثة دولارات فقط من رواتب هؤلاء الموظفين شهريًا لانتهت الأزمة بدل فصل أرباب أسر لديهم الكثير من الالتزامات"، مناشدًا المفوّض العام لأونروا "بإرجاع الموظفين لعملهم والنظر إليهم بعين الرحمة والانسانية".

واستنكر الكحلوت خلال حديثه "الوكالة تقول أنها تعاني من أزمةٍ مالية، إذن كيف زادوا الموظفين 100 دولار قبل فترة وتم صرف الكاف، ما يبيّن أن الأزمة الماليّة مزعومة ووهميّة"، خاتمًا حديثه بالقول "يجب أن تلتزم إدارة الوكالة بتنفيذ الاتفاقيّة الموقّعة مع اتحاد الموظفين".

"أعمل في وكالةٍ الغوث من 15 عامًا، وأخبرونا في حينه أنه سيتم تجديد عقودنا كل ثلاث سنوات، ما وضعنا في قلقٍ دائم حتى أكملنا 10 سنوات من العمل فهاتفونا للتوقيع على عقود الـ(NA) التي أخبرونا أنه لو جرى ما جرى داخل الوكالة من أزمات سنظل على رأس عملنا، أي أصحاب عقود مُثبّتة ودائمة"، بهذه الكلمات بدأت الموظّفة المفصولة من "أونروا" أمل يعقوب زملط حديثها مع "بوابة اللاجئين".
 

"كذبة الأزمة"

تتابع زملط: "الذي يموت فجأة يصدم الجميع، ولكن الشخص المريض يهيئ الجميع نفسه أن قد يموت في أي وقت، ونحن صُدمنا عند فصلنا بعد التأكيدات العديدة التي حصلنا عليها بأنّنا عقودٌ دائمة لا يمكن المساسُ بها، اليوم نعيش أزمة نفسيّة فالأموال ليست كل شيء".

وأكَّدت أنها مهما وصفت حالة أسرتها النفسيّة اليوم بفعل قرار الفصل لن تستطيع أن توصل الصورة الحقيقية، تُضيف: "تحطّمنا نفسيًا، حتى نظرة الناس تغيّرت تجاهنا، ابني في الجامعة لا يستطيع أن يُكمل تعليمه، كيف تخص أونروا الأزمة المالية ببعض الموظفين فقط، لماذا جرى كل ذلك؟".  

موظفةٌ أخرى فُصلت من عملها في "أونروا" بعد أن خدمت فيها أكثر من 16 عامًا، تقول أسماء بشير لـ بوابة اللاجئين الفلسطينيين: نحن "تأثرنا ماديًا، ولكن الجانب النفسي له الأثر الأكبر، نحن ظُلمنا، فمن حقنا أن نكمل فترة عملنا في الوكالة، ومن غير المعقول أن تأتيني درجة (A) بعد 16 عامًا من العمل ومن ثم يفصلونني بشكلٍ مفاجئ".

وأوضحت بشير "أجبرونا على التوقيع، ونحن اليوم لنا حقّ العودة مع أنهم يستقبلون وظائف جديدة على سلك التعليم وغيره، لماذا نحن لا نعود إلى عملنا؟، هذه الأزمة الماليّة التي يتحدّثون عنها عبارة عن كذبة كبيرة".

أمَّا الموظّف المفصول محمود خليل عودة، فأكَّد أنّ "حياته بعد قرار الفصل انقلبت رأسًا على عقب"، مُشيرًا لموقعنا، أنه فُصل من عمله قبل تقاعده بسنتين فقط، وكان من المفترض أن يخرج من هذه المؤسّسة بكرامة وتكريم بعد كل هذه السنين من العطاء والوفاء، وليس أن يرمى في الشارع، قائلاً:  "أجبرتنا إدارة الوكالة على توقيع قرار الفصل على باب المقر الرئيسي من الخارج في طريقةٍ مُذلةٍ ومُهينة، لن نسامحهم في قرشٍ واحد".
 

"رب الأسرة منهار نفسياً"

حالة الموظّف المفصول أنس دخّان لم تختلف عمَّا سبق ذكره من مأساة الأسر التي فُصل رب عملها من "الأونروا"، تقول سناء يوسف دخّان وهي زوجة الموظّف أنس لـ ـبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إن "حياتنا أصبحت سوداء بعد أن كنَّا نعيش بكرامة، اليوم زوجي لم يدخل البيت منذ ستّة أشهر، يبيتُ في أرضٍ بعيدة لأنه مُنهار نفسيًا، يقول لي دائمًا أنه لا يريد أن يأتي إلى البيت حتى لا يخرج عصبيته وتوتره بفعل الفصل على الأطفال ونقع في مشاكل وأزماتٍ جديدة".

وأضافت دخّان الزوجة التي تعاني من مرض القلب بعد أن تمالكت دموعها: "22 عامًا قضاها زوجي في خدمة اللاجئين، واليوم حالنا يرثى له، لا يستطيع تلبية احتياجات المنزل، لدينا اثنين من المرضى يحتاجون لأكثر من 300 شيكل شهريًا ونعاني من تراكم الديون في الصيدلية بسبب عدم مقدرة زوجي على دفع هذه الديون"، مُشيرةً أنّ "البيت لا يدخل عليه أي شيكل واحد. رب الأسرة تدمّر، والباقي عندكم".

وختمت دخّان حديثها "ماذا ينتظر ماتياس شمالي، أن ننتحر مثلاً؟، لن ننتحر يا شمالي، بل سنواصل الاعتصام حتى تُحل هذه الأزمة، أصبحنا لا ننام في فراشنا بأمان كبقيّة البشر".

وتحدّث سمير أحمد المفصول من عمله في "أونروا" بعد عملٍ استمر 15 عامًا، بأنّه "تم إرسال رسالة لنا تفيد بالفصل تحت عنون (سري وخاص) ومليئة بالتهديد والوعيد إذا لم نوقّع على رسالة الفصل، وأنهم سيحرموننا من حقوقنا المالية"، مُؤكدًا أن "هذه جريمة بحق الانسانية".

وأضاف خلال حديثه مع بوابة اللاجئين الفلسطينيين: لقد "وقف معنا الاتحاد بقدر ما يستطيع، ويُقال أن المفوّض السابق ثبت أنه فاسد إداريًا وهو الذي وقّع على قرار فصلنا، إذن ما بُني على باطل فهو باطل"، مُشيرًا أن "وضعنا بعض الفصل مزري جدًا وحدّث ولا حرج، علينا ديون كثيرة للجامعات، والبنوك، نحن اليوم بلا أي مصدر رزق"، مُطالبًا بعودتهم "فورًا إلى العمل".
 

"نتجه للتصعيد"

بوابة اللاجئين الفلسطينيين تحدّث أيضًا مع رئيس قطاع الخدمات في اتحاد الموظفين، د.مصطفى الغول، إذ أكَّد على أن "هؤلاء الموظفين فصلوا ظلمًا دون أي جرمٍ أو خطأ يُذكر، ونحن في الاتحاد ما زلنا نُصر على عودة هؤلاء الموظفين إلى عملهم والنظر إلى الجانب الإنساني لهذه الأسر"، مُشددًا على أن "الاتحاد يجدّد تأكيده على جاهزيته للتعاون مع إدارة الوكالة من أجل عودة هؤلاء بالطريقة التي تراها مناسبة دون تكليف الميزانية المالية أي قرش".

وبيّن أن "إدارة الوكالة ما زالت تتحجّج بحجج غير مقبولة لدينا على شاكلة الوضع المالي الصعب في الوقت الحالي"، مُؤكدًا أن "الاعتصام اليوم يحمل رسالة حضاريّة في محاولة لإيصال رسالة لإدارة الوكالة بأن هؤلاء الموظفين مظلومين ويجب إرجاعهم إلى المؤسّسة، والاتحاد يتجه للتصعيد لانتزاع حقوق زملائنا بالطريقة التي حفظها لنا القانون وضمنتها لنا قوانين الوكالة".  

تجدر الإشارة إلى أن المفصولين من عملهم في وكالة الغوث هم 116 موظفًا، ووعدت وكالة "أونروا" بإرجاع 68 موظفًا، أرجعت منهم بالفعل 27 موظفًا والمتبقي 41، وباقي الموظفين وهم 48 تتراوح أعمارهم بين (50-60 عامًا)، تم فصلهم دون موافقة "أونروا" على عودتهم حتى اليوم.

يُذكر أن المفوّض العام بالإنابة لوكالة "أونروا"، كريستيان ساوندرز، قال يوم أمس الثلاثاء 25 شباط/ فبراير، إنه "يبذل كل ما بوسعه من أجل إنهاء الأزمة المالية التي تعصف بوكالة الغوث".

وحول ملف المفصولين في إقليم غزة، أوضح ساوندرز إنه "عندما تتاح الفرصة سيكون لهم الأولوية بذلك، أما حاليًا فالأمور صعبة"، مُؤكدًا أنه "سيتم تطبيق فقط 90% من الموازنة العامة وذلك لمواجهة تحديات نقص التمويل".

خاص

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد