تقرير الوليد يحيى
 

ينقضي عام 2019 ومخيّم اليرموك على حاله، وكأنّه محميّة للدمار والأطلال، يحصّن عناصر أمن النظام السوري و جيشه ومخابراته والفصائل الفلسطينية التابعة له، مداخلها ومخارجها، أمّا ولوجها فلا يصح إلّا بتصريح أمني مسبق، يتيح لابن المخيّم تفقّد ركام منزله وحارته، والوقوف على أطلال ذكرياته لمدّة ساعة من الوقت، بالكاد تمكّنه من استرجاع ملامح محتها القذائف والصواريخ التي انهالت على المخيّم في معركة " تحريره" وأحالته سابع أكبر منطقة دمار في سوريا وفق مسح أجرته وكالة الأمم المتحدة للتدريب والبحث (UNITAR)في مارس/ آذار من ذات العام الذي شارف على نهايته.

عام يقضي ساعاته الأخيرة، والمخيّم أمام احتمالات عدة، يبدو تأويلها أوضح من نصوصها، في مفارقة يضيع بين تفاصيلها أبناء اليرموك، ومن بين تلك التفاصيل جملة من التصريحات الرسميّة وغير الرسميّة، ما انفكّت عن الظهور منذ تاريخ استعادة قوات النظام السوري للمخيّم من قبضة تنظيم "داعش" في تسوية شهيرة أبرمت على وقع الصواريخ التدميريّة في أيّار/ مايو 2018، أخرِجَ على إثرها عناصر التنظيم من المخيّم، لتشرّع أبوابه أمام العراضات السياسيّة، حول مستقبل اليرموك العمراني والإداري، والحديث عن مخططات تنظيمية للمخيّم، المرتبط بمصير أكثر من 160 ألف لاجئ فلسطيني باتوا مهجرين.
 

عراضات رسميّة لبيع الأوهام

وما أن أعلن المخيّم منطقة "محررة" في أيار/ مايو 2018، حتى خرجت قيادات فلسطينية رسميّة وذات حظوة لدى النظام الحاكم، لتبشّر أبناء مخيّم اليرموك بمناسبات عدّة، بقرب الإعمار والعودة، وكان  أمين سر تحالف القوى الفلسطينية خالد عبد المجيد قد أشار في تصريح له في حزيران/ يونيو 2018، إلى أنّ العمل على إعادة تأهيل منازل المخيّم وإعادة الخدمات والأهالي إليه، سيبدأ خلال أشهر، بالتعاون بين الأطراف المعنية في الدولة السوريّة، والهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب، ووكالة " أونروا" داحضاً أيّ حديث عن مخططات تنظيميّة للمخيّم قد تطوي حالته الجغرافيّة والديمغرافيّة.

كلام، نثر حفنة من الأمل لعشرات الآلاف من المشردّين من أبناء المخيم، إلا أنّ ما حدث خلال  "الأشهر القادمة" التي تلت تصريحات تحالف القوى، من عمليات سلب ونهب طالت إلى جانب ممتلكات ومقتنيات الأهالي، أساسات البنى الخدميّة كمواسير المياه وكابلات الكهرباء، من قبل قطاعات الجيش والأمن والموالين، أحال الأمل وهماً، حتّى صارت عراضات بيع الأوهام للاجئين ممجوجة وغير قابلة للتصديق، ولو صدرت على لسان أعلى سلطة سياسية في "الدولة" السوريّة.

وبين حزيران/ يونيو وهو شهر التبشير بالعودة، وتشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2018، خمسة أشهر، أُطلقت بعدها جرعة مكثّفة من الأوهام، ولكن هذه المرّة على لسان رئيس النظام السوري بشّار الأسد، الذي "وجّه بعودة أهالي مخيّم اليرموك"، كما نقل مسؤول الإعلام المركزي في تنظيم الجبهة الشعبيّة_ القيادة العامة الموالي للنظام، عن نائب وزير الخارجيّة السوريّة فيصل المقداد، الذي نقل بدوره عن رئيس الجمهوريّة العربيّة السورية قراره بإعادة أبناء المخيّم، مُستتبعاً أنّ " الأيّام المقبلة ستشهد مزيداً من النتائج الإيجابية حول عودة أهالي مخيم اليرموك عقب قرار السلطات بعودتهم إليه".

"قرار" منقول عن ناقل، ومن المعروف أنّ " العنعنة" تُضعف القول، ومن هنا بدأت جوقة من الإعلاميين والحقوقيين، إعادة إنتاج ما صدر على أنّه مرسوم رئاسي، يلوّحون به في وجه " المغرضين" الذين بدؤوا يشككون في نوايا النظام السوري حول الحفاظ على المخيّم، وإعادة إعماره وفق حالته الأصيلة كمخيّم للاجئين، بمعزل عن مخططات تنظيمية تقضم خصوصيته وممتلكات أهله، إلّا أنّ المرسوم الرئاسي، يصدر عادةً ضمن سياقات أصوليّة دستوريّة برقم وتاريخ، وينشر بالجريدة الرسميّة، ولا ينقل بالخفاء وعبر وسطاء كما هو معلوم، ووفق ما يدركه المُتابع سواء بالدراسة أو المُلاحظة.
 

مخطط تنظيمي ضبابي يحسم الجدل

وفي سياق جدل استمر قرابة العام ونصف العام، منذ " تحرير" مخيّم اليرموك، حتّى الساعات الأخيرة من العام 2019، خرجت إلى العلن العديد من الأقاويل حول مخططات تنظيمية لمخيّم اليرموك، تنهي حالته كمخيّم، بقيت تراوح في دائرة من النفي والتأكيد، حتّى جاء القول الفصل على لسان رئيس مجلس الوزراء السوري عماد خميس الذي قال خلال اجتماع للمجلس في تشرين الأوّل/ أكتوبر 2019، إنّ المخطط التنظيمي لمنطقتي اليرموك والقابون سيعلن عنهما في الثاني من كانون الثاني/ يناير العام 2020 المقبل.

 غير أنّ ملامح هذا المخطط ما تزال مبهمة، وتدور ضمن محددات أوليّة تقدم بها مقترح لمخطط تنظيمي تقدمت به الشركة العامة للدراسات الهندسية السوريّة إلى محافظة دمشق، يقضي بإعادة إعمار مخيّم اليرموك على مراحل، ولمدّة زمنيّة تبلغ 15 عاماً.

ويقضي المقترح الذي كشفت عنه وسائل إعلام سوريّة شبه رسميّة يوم 28 تشرين الأوّل/ أكتوبر، بتقسيم مخيّم اليرموك إلى ثلاث مناطق إعادة إعمار، يجري العمل بها على ثلاث مراحل، تبدأ الأولى من المنطقة  ذات الأضرار العالية، والثانية للأضرار المتوسطة، أمّا المنطقة ذات الأضرار المنخفضة سيجري العمل عليها في المرحلة الثالثة للمشروع الذي ستستغرق تنفيذ كافة مراحلة 15 عاماً.

ورغم اعتبار هذا المخطط الذي أثار جدلاً بين أوساط اللاجئين، نظراً لطول مدّة تنفيذه، وغموض ملامحه من حيث الحفاظ على المخيّم وممتلكات الأهالي، مجرد مقترح لم يجر  إقراره بعد، الّا أنّه ثمّة وجهة اختصاصيّة لا تفصل المخطط المرتقب إعلانُه مطلع العام 2020 عن المُقترح المُقدّم، الذي بقيت تفاصيله في إطار تأويلات واستنتاجات، وهو ما ذهب إليه المُهندس السوري المُقيم في السويد عبد القادر الزعبي، الذي رجّح أن يكون المقترح المُشار إليه هو الذي سيجري إقراره مطلع العام المقبل.

وعزز الزعبي ما ذهب إليه، من خلال رؤية زمنيّة، للمدة التي تفصل تقديم المقترح عن تاريخ إقرار المخطط كما ورد على لسان رئيس مجلس الوزراء، قائلاً في حديث لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، إنّ "وضع المخططات الهندسيّة لمناطق ذات تعقيد قانوني، نظراً لكونها مناطق مخالفة عشوائيّة بالأساس ومتشابكة، أمر في غاية التعقيد، ولا يمكن إنجازه خلال شهرين.

وأوضح الزعبي، أنّ المقترح الذي جرى الكشف عنه في تشرين أوّل/ أكتوبر، هو نتاج عمل امتدّ لسنوات، نظراً لكون تنظيم تلك المنطقة التي يستهدفها وهي مخيم اليرموك، أمراً متشابكاً مع العملية التنظيمية الأوسع لمناطق الجوار وعموم المناطق الخاضعة للمخططات التنظيمية، ومتشابكة معها في دراسات الجدوى الاقتصادية والتكاليف، وما يتعلّق بالجهات المنفّذة والمقاولات وإلى ما هنالك من متعلّقات، وبالتالي وفق الزعبي لا يمكن تغيير ما أُعدّ خلال سنوات في شهرين، بل يمكن إجراء بعض التعديلات غير الجوهريّة على محتواه الذي ما يزال حتى الآن غير واضح بانتظار الإعلان عنه في الموعد المحدد.

 

تأويلات منطقيّة أثارت الجدل مجدداً.

مهندس عمارة من أبناء مخيّم اليرموك، عمل في وزارة الإسكان السوريّة منذ أكثر من 25 عاماً، فجّر مؤخرّاً حالة من الجدل وضعت الكثيرين - ممن ساهموا في طمأنة أهالي المخيّم،حول مصير مخيّمهم وبُعده عن مخططات تنظيمية قد تُطيح بخصوصيته كمخيّم للاجئين-  أمام حالة من التفكّر والاعتكاف.

المهندس خالد حمدان المقيم في ألمانيا، نشر عبر صفحته في "فيسبوك" منشوراً مرفقاً بصورة توضيحيّة استند إليها، متسائلاً " مخيّم اليرموك إلى أين.. أبراج وسكان بلا مأوى وعودة.. إلى متى تستمر هذه المُعاناة ؟".
 


أثار ما نشره حمدان، جدلاً واسعاً بين من اعتبر ما ذهب إليه، معلومات توضّح مصير المخيّم، وبين من فضّل الانتظار لحين خروج المخطط المزمع إعلانه إلى النور، مع الاستمرار في المراهنة على وعود أطلقها مسؤولون سوريّون وفلسطينيون بالحفاظ على وضع المخيّم الراهن كما أقرّ في مخطط تنظيمي مصدّق أصولاً عام 2004.

وهو ما ذهب إليه المحامي الفلسطيني وأحد المُشتغلين في ملف إعادة إعمار اليرموك نور الدين سلمان، الذي طالب المسؤولين السوريين بالشفافية وتكذيب كل الشائعات القائلة بأن التنظيم سيشمل كل مخيم اليرموك بما فيه اراضي الهيئة العامة للاجئين.

ودعا سلمان عبر منشور في صفحته على "فيسبوك" محافظة دمشق "للشفافية كما عودتنا مع أهالي دمشق والمخيم وتكذيب كل الشائعات والتأكيد على وعودها السابقة بأنه لا تنظيم لمخيم اليرموك وإنه تعديل طفيف،  ببيان ولو على مواقعها الإلكترونية" وفق ما كتب.
 

تخوفات من بنية تغيّر الواقع الديمغرافي

 من جانبه، أوضح المهندس خالد حمدان في حديث مع " بوابة اللاجئين الفلسطينيين" إنّ ما ذهب إليه ليس معلومات، إنّما استنتاجات بناء على قراءته للمعطيات التي وفرّتها الأخبار الصادرة عن وزارة الإسكان فيما يخص الاقتراحات حول إعادة إعمار مخيّم اليرموك.

واعتبر حمدان، أنّ قرار إلغاء دور بلدية مخيّم اليرموك من قبل محافظة دمشق، ودمجه ضمن صلاحياتها باعتباره حيّاً من أحيائها، يضم بين طيّاته "سوء نيّة تجاه المخيّم"، مشيراً إلى أنّ مخيّم اليرموك هو الوحيد من بين مخيّمات سوريا الذي يوجد به بلدية ومخطط تنظيمي أنشئ بقرار سياسي عن طريق الحزب والدولة، على خلاف بقيّة المخيّمات في سوريا التي ليس لها بلديات، وتتبع لوكالة " أونروا" ومؤسسة اللاجئين".

وتطرّق حمدان إلى مثال واقعي من جنوب دمشق، وهو حي التضامن المحاذي لمخيّم اليرموك، الذي يعتبر منطقة مخالفات، حيث يجري التحضير الآن لعودة سكانه إليه على مراحل دون أي مخطط تنظيمي، بينما اليرموك شوارعه منظمة والابنية مرخصة، وبالرغم من ذلك منع اهاليه من العودة، وفق قوله، مضيفاً "أنّ ما يجري التخطيط له ليس قراراً سياسياً، لأنّ محافظة دمشق تنوي تجميل المدينة عبر بنية تنظيمية جديدة، إلا أنّ الأبراج ستغيّر التركيبة الديمغرافيّة للمخيّم" نظراً لكونها ستكون مسكناً للميسورين، وليست لأبناء المخيّم.

وبناء على ذلك، وفق حمدان فإنّ المُحافظة لا يحق لها إلغاء قرار سياسي طالما ثبّت حالة مخيّم اليرموك، معتبراً أنّه "طالما هناك قرار من الرئيس بعودة الأهالي فإنّه يجب أن ينفّذ على الفور."

وعبّر حمدان عن تخوفاته، من تهميش أبناء مخيّم اليرموك في عمليّة إقرار المخطط، موضحاً أنّه في السياقات الطبيعية، لا بد أن يجري إرسال المخطط إلى بلديّة اليرموك ليجتمع المجلس البلدي ويناقش المخطط، وفي حال رفضه يجري طويه وإسقاط الصفة القانونية عنه، معتبراً أن إلغاء بلديّة اليرموك ودمج صلاحياتها ضمن محافظة دمشق، هو لتمرير المخطط من قبل المحافظة، التي أسقطت صفة المخيّم عن اليرموك وصارت تعتبره حيّاً من أحيائها، معززاً ما ذهب إليه، بأنّ المحافظة لم تجر أي عمليّة إعادة إعمار لأي مكان في المخيّم منذ ان تولّت صلاحيّاته البلديّة، ولم يقم مسؤولوها بالإدلاء باي تصريح يشرح ما يجري للمخيم من مخططات، بل اكتفوا بنشر أخبار تقول: إن ّ شركة الدراسات تقوم بوضع مخطط للمخيم فقط، بدون أي توضيح  وسيصدر في بداية العام القادم.

وتساءل المهندس الفلسطيني في ختام حديثه، عن دور وكالة " أونروا" ومؤسسة اللاجئين، ومنظمة التحرير الفلسطينية وكافة الفصائل واللجان الفلسطينية وجيش التحرير الفلسطيني، الذي شارك في عمليّة " تحرير المخيّم" وفق تعبيره.

وعلى أعتاب العام الجديد، تستمر تساؤلات اللاجئين الفلسطينيين، حول مصير ممتلكاتهم ومخيّمهم، في ظل غياب الوضوح الرسمي السوري والفلسطيني، لمستقبل المخيّم العمراني والإداري، المرتبط بمصير أكثر من 160 الف لاجئ فلسطيني، معظمهم يعيشون حياة النزوح الداخلي، واللجوء في دول الجوار والمنفى الأوروبيّ، وأعينهم تترقّب إعلانات إمّا تطمئنهم، أو تذهب بمخيّمهم إلى غير رجعة، وفق ما يتساءل أبناء المخيّم.

خاص

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد