مخيم اليرموك: المشهد الثقافي اغتالته الكارثة السورية

الثلاثاء 03 ابريل 2018
كتاب ذكريات من مخيم اليرموك للكاتب خليل الصمادي
كتاب ذكريات من مخيم اليرموك للكاتب خليل الصمادي

سوريا - بوابة اللاجئين الفلسطينيين

أوس يعقوب

شكل مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين رافداً هاماً للحياة الفلسطينية في الشتات على كل الأصعدة الوطنية والسياسية والاجتماعية والإقتصادية والثقافية، ومنذ عام 1954 تاريخ تشييده، عمل اللاجئون الفلسطينيون على بناء الإنسان كما العمران على حدّ سواء، فصار المخيم مع مرور الأيام (عاصمة الشتات الفلسطيني)، وكان جيل النكبة ممن عاش ونشأ وولد في اليرموك العمود الفقري للعمل الوطني الفلسطيني منذ انطلاقة ثورة الـ 1965.

ومنذ ذلك العام بدأ حراك ثقافي امتد حضوره وإشعاعه في أصقاع الأرض، وهذه ليست مبالغة من كاتب هذه السطور، وإنما هي حقيقة تؤكدها المعطيات التاريخية وجملة من الأحداث سأسعى لتوثيق بعضها في هذه المقالة.

إنّ قسوة التهجير القسري والاقتلاع من أرض الآباء والأجداد، ومعاناة اللجوء والتشرد وآلام الغربة لم تُثن الإنسان الفلسطيني عن سعيه للخلاص من هذا الذل، والعمل الجاد على بناء مشروعه الوطني التحرري، وذلك بحمل السلاح في يد والقلم والكتاب باليد الثانية، فكانت الصحوة الوطنية المعاصرة منذ منتصف ستينات القرن الفائت.

واستميح القرّاء عذراً لاقتصاري هنا على تسليط الأضواء على الحراك الثقافي الوطني في مخيم اليرموك، الذي كان الرافد الرئيس للثورة بالفدائيين والمثقفين من كتّاب وفنانين وإعلاميين وأكاديميين.. ذلك أنّ الاحاطة بكل تفاصيل العطاء الإنساني والوطني والثوري للاجئين الفلسطينيين في أيّ مخيم من مخيمات الشتات الفلسطيني تحتاج لأسفار ومجلدات، وهو ما حدث في أحيان كثيرة حيث صدرت العديد من البحوث والدراسات والكتب حول تاريخ وواقع المخيمات، وكان لليرموك في هذا السياق نصيب الأسد، فعلى سبيل الذكر لا الحصر، صدر لابن المخيم الأستاذ حمد سعيد الموعد كتاب بعنوان (مخيم اليرموك مقاربات في سيسيولوجية المخيم الفلسطيني)، وصدر أيضاً كتاب (مخيم اليرموك "عاصمة الشتات الفلسطيني") للكاتبة مجد يعقوب، ومؤخراً صدر للكاتب الأديب خليل الصمادي كتاب (ذكريات من مخيم اليرموك)، ولا ننسى كتاب الناقد الراحل بشار إبراهيم وهو بعنوان (المخيم في الرواية الفلسطينية)، وغير ذلك من الكتب التي وثقت لجوانب متعددة من الحياة في مخيم اليرموك.

وجوه ثقافية أشعت عربياً..

تؤكد روايات الآباء الشفوية أنّ أول من أطلق اسم (اليرموك) على المخيم هو مفتي فلسطين الحاج محمد أمين الحسيني، أثناء زيارة قام بها للمخيم في بداية تشييده، وأن هذه التسمية جاءت نسبة لمعركة اليرموك الشهيرة، على أمل أن يكون للمكان المؤقت نصيب من اسمه، وتكون العودة منه لأرض فلسطين في أقرب أجل.

ومنذ وُضعت اللبنات الأولى لإعمار المخيم، تزامناً مع مرحلة تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، وبدايات تشكيل الفصائل الفلسطينية المسلحة، برزت أسماء كثيرة لمبدعين توزعوا على كافة ميادين الفكر والثقافة والإبداع والآداب والفنون (المسرح، السينما، التلفزيون، الرسم، الموسيقى، والرقص)، وكان أن حققوا نتاجات رائعة ستظلُ في وجداننا على مدى الأزمان، منهم الأكاديميون والشعراء وكتّاب الرواية والقصة والمقالة، والمذيعون والفنانون والمسرحيون والموسيقيون وغيرهم من المبدعين ممّن كان لهم تأثيراً بارزاً في الحياة الثقافية الفلسطينية والسورية والعربية والعالمية أيضاً.

وفي هذا السياق وجب التأكيد أنه من المحال في هذه المساحة المحدودة، ذكر كل أصحاب الإسهامات الإبداعية من أبناء مخيم اليرموك لكثرتهم، وما ذكر بعض الأسماء إلا من باب الوفاء للجميع أحياء وأموات.

من الأحياء نذكر كلاً من: فيصل دراج، أحمد برقاوي، يوسف سلامة، خليل العيلبوني، يحيى يخلف، هاني السعدي، عبد الرحمن أبو القاسم، تيسير إدريس، طالب يعقوب وشقيقه فجر، أحمد سرساوي، حسن سامي اليوسف، حسين عمر حمادة، عبد المعطي أبو زيد، يوسف الحطيني، علي بدوان، غسان السعدي، محمد الهباش، جهاد المفلح، وعارف الآغا..

ونذكر من الراحلين: داوود يعقوب، حسن الباش، محمود موعد، يوسف سامي اليوسف، أبو سعيد الحطيني، غسان الشهابي، طلعت سقيرق، ماجد أبو ماضي، أحمد مفلح، جمال جنيد، ومحمد الوهيبي..

حراك متعدد الأوجه والأشكال..

شهد المخيم منذ مطلع ستينات القرن العشرين وحتى السنة الثانية من عمر الأزمة السورية المشتعلة، حراكاً ثقافياً ميزه عن غيره من مخيمات الشتات والتجمعات السكنية المجاورة له، نتيجة الكتلة البشرية الكبيرة من اللاجئين الفلسطينيين، حيث بلغ عدد اللاجئين من الفلسطينيين القاطنين فيه نحو 220 ألف نسمة، وذلك قبل تغريبتهم الثانية إثر اجتياحه من قبل مجموعات المعارضة المسلحة وقصفه بعد ذلك في 16/12/2012 بطيران الميغ الحربي السوري، ما أسفر في اليومين التاليين عن خروج عشرات الآلاف من الفلسطينيين، ومعهم معظم ساكنيه من السوريين الذين بدأوا بالتدفق إلى المخيم في الفترة ما بين عامي 1967 و1973.

وكان أن شهد اليرموك على مدار العقود الأربعة الماضية وحتى تدهور الأوضاع الأمنية فيه نشاطات ثقافية عالية المستوى، ولعبت النوادي والمنتديات الثقافية التابعة لفصائل الثورة الفلسطينية دوراً رئيسياً في هذا المجال، ومن أهم النوادي والمنتديات الثقافية في اليرموك، نذكر:

نادي الشهيد غسان كنفاني، تأسس عام 1979 وهو عبارة عن نادي ثقافي، رياضي، اجتماعي، وكان له الدور الأبرز في إنعاش الحياة الثقافية في المخيم.
- المنتدى الثقافي الديمقراطي الفلسطيني، الذي عقد مؤتمره التأسيسي عام 1996 بحضور عدد من المثقفين الفلسطينيين والعرب ومارس منذ ذلك التاريخ نشاطات متعددة في المجال الثقافي.
- المنتدى الثقافي التقدمي الفلسطيني، الذي تأسس عام 1983 ومقره مجمع الخالصة.

  • منتدى القدس الثقافي، تأسس عام 2000 وساهم في عدد الفعاليات الثقافية.
  • النادي الفلسطيني للسينما، الذي تأسس عام 2000 وكان من أهدافه نشر الثقافة السينمائية بين أعضاء النادي خصوصاً والجمهور عموماً من خلال عرض الأفلام الهادفة واللملتزمة بما فيها الأفلام العلمية وأفلام الأطفال.
  • نادي جنين الثقافي: أنشئ عام 2006 كنادي رياضي وثقافي واجتماعي، ومن أهم انجازاته في المجال الثقافي تأسيس مكتبة تعنى بأدب الأطفال وثقافة العودة.

هذا طبعاً بالإضافة إلى المركز الثقافي التابع لوزارة الثقافة السورية، والذي يقع بالقرب من المدينة الرياضية، وقد ساهم كثيراً في تعزيز الحياة الثقافية في المخيم، إذ كانت تقام فيه الكثير من الأمسيات الأدبية والفنية والندوات والمحاضرات وعروض الأفلام الوثائقية والثقافية.

وقد تميز المركز الثقافي بإقامة مهرجانات سنوية منها: "مهرجان رسوم الأطفال السنوي"، و"مهرجان ربيع الأدب للشعر والقصة للشباب".

كذلك توجد في المخيم مجموعة من القاعات كانت مخصصة لعقد الندوات الثقافية وإلقاء المحاضرات، من تلك القاعات:
- قاعة الشهيدة حلوة زيدان، وهي تابعة لجيش التحرير الفلسطيني، وتعد من أقدم القاعات الثقافية في المخيم.

  • قاعة الشهيد غسان كنفاني.
  • قاعة الشهيد خالد نزال.
  • قاعة الشهيد عبد الكريم حمد أبو عدنان.
  • قاعة الشهيد سمير درويش .
  • قاعة 16 تشرين، وهي تابعة لحزب البعث العربي الاشتراكي.

ومن المكتبات الثقافية العامة في المخيم، ومعظمها مكتبات تحتوي على قاعات مطالعة، وتتبع لفصائل العمل الوطني الفلسطيني، نذكر:

  • مكتبة الشهيد عز الدين القسام في مجمع الخالصة.
  • المكتبة الثقافية الوطنية الفلسطينية، وهي تحتوي على مايزيد عن سبعة آلاف كتاب و1300 دورية، بالاضافة إلى مكتبة سمعية بصرية هامة.
  • مكتبة الجيل الجديد، وتشمل قاعة للمطالعة والألعاب والشطرنج.
  • مكتبة الأقصى التابعة لشببية الثورة الفلسطينية.
     

إضافة إلى هذا كله وُجد في المخيم عدّة دور نشر، كان لها مساهمات رائدة في رفد الحياة الثقافية لا باليرموك فقط وإنما في عموم المخيمات الفلسطينية، وأيضاً في العاصمة دمشق وفي عدد من المحافظات السورية، ومن تلك الدور نذكر: دار الشجرة، دار صفحات للدراسات والنشر، دار المسبار، دار الأقصى، دار الكرمل، دار الموعد، دار أفكار، دار القدس للعلوم، دار جفرا، وغيرها.

كما أسس عدد من المثقفين والكتّاب مؤسسات ومنابر إعلامية أدبية وثقافية مثل: مؤسسة الشهيد ماجد أبو شرار، ومؤسسة فلسطين للثقافة، ومؤسسة القدس للثقافة والتراث، وبيت فلسطين للشعر، والمركز الفلسطيني للثقافة والفنون، ومركز جفرا، الذي كان يقدّم خدمات ثقافية وتنموية واجتماعية لشريحة الشباب اللاجئ في المخيم، ومركز إبداع، الذي كان عمل ضمن جمعيات اتحاد الكتّاب والصحفيين الفلسطينيين، وتجمع العودة الفلسطيني (واجب) ذو الدور النشط والفاعل في مجال نشر ثقافة العودة بين أبناء وبنات اليرموك من مختلف الأعمار.

وعلى الصعيد الإعلامي، ونظراً لعدّة عوامل لا مجال لذكرها هنا، نقلت بعض الفصائل الفلسطينية مقرات مجلاتها إلى اليرموك. ومن أشهر تلك المجلات:

  • مجلة "الهدف"، التي افتتحت مقرها في المخيم منذ بدايات التسعينات، وهي تابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
  • مجلة "الحرية"، التي انتقل مقرها في أواسط التسعينات إلى المخيم، وهي تابعة للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.
  • كذلك افتتحت بعض المجلات مكاتب لها في المخيم، كمجلتي "فلسطين المسلمة"، و"العودة".

اغتيال الثقافة في المخيم..

لقد عاش الفلسطينيون السوريون خلال العقود السبعة الماضية حياة المواطنة الكاملة مع مضيفيهم من السوريين، مضيفين للمشهد السوري خصوصيات قضيتهم وكفاحهم الطويل والمضني من أجل العودة إلى وطنهم. وقد شهدت حياتهم خلال تلك العقود في مخيماتهم وتجمعات  وجودهم سلسلة طويلة ومتتابعة من النشاطات الثقافية والفنية المتنوعة التي استهدفت منذ البدايات الأولى استعادة وجودهم وكيانيتهم من خلال مؤسسات تعبر عنهم، وتنطق باسمهم، كما كانوا شركاء حقيقيين في إثراء المشهد الفكري والأكاديمي والإبداعي الثقافي والفني السوري.
أما عن الحراك الثقافي على اختلاف أنواعه وصنوفه في مخيم اليرموك منذ منتصف الستينات، فلا يخفى على المتابع أنّه كان خاضعاً دوماً في حيّزهم الجغرافي لظاهرة المد والجزر، ومرتهناً للحالة الوطنية والسياسية الفلسطينية التي يتأثر بها أبناء المخيمات من اللاجئين. وكذلك كان مرتهناً لما تشهده سوريا عموماً من أحداث في السلم والحرب، لذا لا يمكن الحديث الآن عن مآلات هذا الحراك الثقافي دون الأخذ بعين الاعتبار ما آلت إليه الأحداث منذ سبع سنوات في عموم المدن السورية خاصة في العاصمة، وعلى وجه الخصوص جنوبي دمشق حيث يقع المخيم المحاصر منذ أكثر من 1710 أيام على التوالي، والمستباح منذ نيسان/ابريل 2015 من قبل تنظيم (داعش) الإرهابي، والذي يشهد منذ فترة طويلة قصفاً بشتى أنواع الأسلحة واشتباكات مسلحة عنيفة بين قوات المعارضة والنظام.

خلاصة القول: يعيش المثقفون الفلسطينيون في سوريا، خاصة أبناء مخيم اليرموك، اليوم حالة قلق عميقة جراء ما لحق بمؤسساتهم الثقافية من نهب وسلب، وحرق طال مقرات العمل الثقافي والإعلامي للفصائل الفلسطينية بما فيها المكتبات والأرشيفات وقواعد البيانات، وكذلك لغياب أيّ معلومات عن مصير المكتبات الخاصة لعدد كبير من المثقفين والأكاديميين، وهي مكتبات تميز بعضها بغناها بالمخطوطات والكتب والصحف والمجلات الدورية والوثائق التاريخية.

وإلى أن تنتهي فصول الكارثة السورية، بات من الواقعي الآن عدم إمكانية الحديث عن حركة ثقافية فلسطينية في سوريا بعد اغتيالها بدم بارد، وتوقف كافة النشاطات الفكرية والثقافية والأدبية والفنية جراء التهجير القسري من معظم المخيمات واشتعال المعارك فيها.

خاص - بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد