خرج إلى العلن في 25 من حزيران/ يونيو الفائت، المخطط التنظيمي لمخيّم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، بعد أن تسلّمته محافظة دمشق، من قبل الشركة العامة للدراسات الهندسية السوريّة، ونَشرت الصحف الرسميّة الدمشقيّة مصّوراته البدائيّة، التي تُظهر مسح مساحات واسعة من المخيّم، تعتبر الأكثر كثافة من الناحتين العمرانية والسكّانية، واستبدالها بمشاريع سكنيّة تُجانب بعض البقايا القديمة، التي ستشكّل بمجملها "منطقة اليرموك" أو "حيّ اليرموك" حيث ستسقط عن التعريف أيّاً يكن صفة "مخيّم".

مخطط، جاء كصفعة على وجوه عشرات الآلاف من مهجّري مخيّم اليرموك، سواء داخل سوريا أم خارجها، الذين عاشوا طوال سنوات على خبز الأمل بـ"العودة القريبة" وفق التعبير الذي ما انفكت تطلقه شخصيات رسميّة سوريّة وفصائلية فلسطينيّة، منذ نيسان/ إبريل 2018 وهو تاريخ استعادة النظام السوري سيطرته على المخيّم.

ويُتاح وفق المخطط، عودة 40% من الأهالي الذين تقع منازلهم ضمن المناطق الأقل ضرراً حيث من الممكن ترميمها، بينما سيحصل 60% من الذين تقع ممتلكاتهم ضمن المناطق الأكثر ضرراً وستطالها إعادة التنظيم، على أسهم تنظيمية فقط بموجب المرسوم التشريعي رقم 5 لعام 1982 حسبما بيّنت تصريحات مدير الدراسات الفنية في محافظة دمشق معمر الدكاك، ما يعني حرمانهم من الحصول على سكن بديل.

صفعة لم يبرّد من حرارة وقعها، منح الأهالي مدّة 30 يوماً لتقديم اعتراضاتهم على المخطط، و التي بدأت محافظة دمشق باستقبالها فعليّاً، ويندفع العشرات يومياً من أبناء مخيّم اليرموك المهجّرين لتقديمها، منذ الإعلان عن ذلك، رغم تقليل كثيرون من أهميتها ولا سيما اللاجئون الفلسطينيون.

ويبدو أن اليأس من عودة المخيّم والعودة إليه، حالة سهلة الرصد في أوساط أبناء المخيّم، "فالإعتراضات إن أثمرت لن تغيّر الكثير، فلم تجر العادة أن يُستفتى الناس فيما يخص رسم السياسات العمرانيّة وسواها في سوريا، وإنّما ما يجري فقط لذر الرماد في العيون وكسب المال" حسب تعليق اللاجئ الفلسطيني المهجّر من مخيّم اليرموك أبو أحمد شهابي لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين".

شهابي وصف عملية تقديم الاعتراضات من قبل الأهالي، التي تجري على أمل أن يتم دراستها من قبل لجنة مختصّة، بأنّها "عملية جمع رواتب لموظفي المُحافظة" حيث يتوجّب على كل معترض من سكّان المخيّم دفع رسوم اعتراضه 700 ليرة سوريّة، مشيراً إلى أنّ المحافظة ستجمع ملايين الليرات من سكّان المخيّم، الذي يقدّر عدد ساكنيه قبل العام 2011 بأكثر من مليون نسمة، من ضمنهم 220 ألف لاجئ  فلسطيني، في وقت تعيش فيه سوريا أزمة اقتصاديّة خانقة، أوصلت شرائح مجتمعيّة واسعة إلى مادون خطّ الفقر بدرجات، ولا سيّما مهجّري اليرموك.

لا خصوصية سياسية ووطنية للفلسطينيين في سوريا

لطالما وضع الخطاب الرسمي السوري والفصائلي الفلسطيني تحديداً الصادر من سوريا، مسألة الوجود الفلسطيني في البلاد، موضعَ المسائل القومية الأكثر أهميّة وحساسيّة بالنسبة للنظام السوري، وبناء على ذلك، حسمت بعض القوى والفصائل الفلسطينية اصطفافاتها إلى جانب النظام حدّ التماهي معه أمنياً وعسكريّاً، حيث تؤكّد في كلّ مناسبة "وقوفه إلى جانب اللاجئين في حفظ قضيتهم حتّى العودة إلى فلسطين" ، وتصديه لـ"صفقة القرن" وإلى ما هنالك من مخططات تستهدف تسويف مسألة اللاجئين وإنهائها.

وهو ذات الخطاب الذي خُرّجت بموجبه بروباغندا حرب "تحرير" مخيّم اليرموك من العناصر الإرهابيّة التخريبيّة، التي يضعها النظام والموالون له، في خانة "الأدوات التنفيذيّة للمشروع الصهيو- أمريكي" بغرض إنهاء وجود المخيم وتهجير سكّانه، تنفيذاً لمقولة رئيس وزراء العدو الصهيوني الأسبق أرئيل شارون " لك يوم يا يرموك".

وبعد الانتصار من قبل النظام على هذه العناصر، وإفشال المخطط الصهيوني، وفق رؤية ذلك الخطاب للأحداث التي حلّت في المخيّم طوال الحرب السوريّة، توسّم البعض بالنظام السوري ربّما عن حسن نيّة، في أن يقوم بكل ما يحول دون تحقيق حلم شارون، في حين لا يَسقُط عن آخرين عار التواطؤ مع التدمير الممنهج للمخيّم، باعتباره وفق نظرهم ليس إلّا منطقة "إزالة عشوائيّة" تابعة للنظام السوري، يحق له التصرّف فيها بناء على السياسات العمرانية التي يراها مناسبة لبلده.

وهذا يعني أنه ينفي عن اليرموك رمزيّته كعاصمة للشتات الفلسطيني وأحد رموز اللاجئين الثابتة وطنياً ووجدنيّاً و موئلاً وحيداً لأكثر من 250 ألف لاجئ، 166 الف منهم مسجّلين لدى "أونروا" بنوا جلّ حيواتهم الماديّة والمعنوية فيه، إلى حين العودة لفلسطين.

ويأتي المخطط، كخطوة إكماليّة جليّة، لما قد بدأ بالفعل في نيسان/ أبريل عام 2018، حين شرع جيش النظام بالتعامل مع مخيّم اليرموك خلال معركة " تحريره" وكأنه يخوض ورشة هدم متعمّدة، لغرض إعادة تركيب جغرافيا اليرموك والأحياء المجاورة له كالحجر الأسود والتضامن، وأحياء طرفيّة أخرى ذات طابع عشوائي تعامل معها بذات الطريقة كحي القابون وجوبر غرب العاصمة.

هكذا سيكون "حي اليرموك" بعد إنجاز مهمّة تدميره من خلال آلة الحرب، التي وفّرت سرعة إنجازيّة لا توفّرها أدوات الهدم التقليدية في أوقات السلم، حيّاً حديثاً على أنقاض ممتلكات سكّانه، لا سكن بديلاً لأهله فيه، بل أسهماً تعويضيّة، وهو ما سيُحدث انقلاباً ليس فقط في جغرافيته العمرانية، بل في تركيبته السكّانية والطبقيّة.

وحول هذه النقطة، يشير المحامي السوري عبد القادر الزعبي، أنّ مميزات العيش في الحي الحديث والمنظم، ستكون مُتاحة للشرائح القادرة على شراء شقّة سكنية في المشروع الجديد، حيث لم تجرِ العادة في سوريا أن تكون المشاريع السكنيّة الحديثة مُتاحة لجميع الناس حتى من سكنوا فوق الأرض ذاتها قبل البناء، وهو ما سارت عليه الأمور في تجارب تنظيمية عدّة، ومنها مشروع تنظيم حي كفرسوسة الدمشقي عامي 2004 و 2005، حيث جرى اقتلاع السكّان مع منازلهم العشوائيّة التي نصبوها في أراضيهم الزراعية، واستعيض عنها بأبنية حديثة بشقق فاخرة، يشكّل السكن فيها حلماً للطبقات الوسطى والفقيرة في سوريا.

الزعبي أضاف في حديث لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، أنّ العمل وفق المرسوم التشريعي رقم 5 لعام 1982، الذي يقضي بمنح أسهم تنظيمية للسكان، لا يتيح لهم تملّك شقة في المشروع، حيث أنّ الحصول على الأسهم يجري وفق تخمين قيمة الأرض التي سيشيّد عليها العقار.

وأوضح الزعبي، أنّ الأسهم التنظيمة يجري منحها بناء على تخمين ثمن العقار الذي سيشيّد عليه البناء الجديد، بمعنى أنّه من كان يمتلك شقّة في بناء مهدّم، عليه أن يثبت ملكيته للشقّة، وبعد ذلك تخمّن قيمة قطعة الأرض الخاصة بالمبنى التي هي مشتركة بين جميع المالكين، وبناء على ذلك سيجري منحهم أسهماً من قيمة العقار الجديد، والتي من الممكن ألّا تساوي كلّ الأسهم مجتمعة للمالكين ثمن شقّة واحدة في المبنى الجديد المنظّم، حسبما أضاف.

والحال هذه، يمكن القول: إنّ مخيّم اليرموك، كتجمّع للاجئين الفلسطينيين سينتهي من حيث الشكل والتركيبة السكّانية، من عاصمة شتات للاجئين الفلسطينيين، وخزّان للتفاعل الوطني والسياسي الفلسطيني وحفظ الهويّة إلى حيّ جديد، يمثّل قطيعة مع كل ما احتواه من عناصر سابقة، ولم تنقذه خصوصيته السياسية والوطنية الفلسطينية.

 إلّا أنّ الأمر لا يتوقّف عند هذا الحد، فماذا عن آلاف اللاجئين الفلسطينيين من أبنائه المهجّرين داخل سوريا وخارجها، وإلامَ يمكن أن يدفعهم تجسيد المخطط واقعاً فعليّاً على الأرض؟

تأكيد التهجير الفلسطيني من سوريا

عشرات الآلاف من أبناء مخيّم اليرموك، يتوزعون على امتداد جغرافيا التهجير، سواء داخل سوريا أم خارجها، حوّلهم تدمير مخيّمهم إلى مهجّرين، لن تنتهي حالة تهجيرهم إلّا بإعادة إعمار مخيّمهم وإعادتهم إليه، وهو ما انتظروه طوال سنوات، ولا سيّما من يعيشون في دول الجوار ( لبنان- تركيا – الأردن) في ظل أوضاع قانونية ومعيشيّة هشّة ومعقدّة، سلبهم المخطط التنظيمي الجديد مبرر العودة إلى سوريا.

الناشط الفلسطيني المهجّر من مخيّم اليرموك إلى لبنان إبراهيم مدني، ربط المخطط التنظيمي بمخططات تهجير الفلسطينيين وإنهاء وجودهم، واضعاً ما حدث ضمن مخطط سياسي من عناصره تقاعس وخذلان منظمة التحرير الفلسطينية عن الدفاع عن وجود اللاجئين الفلسطينيين وممتلكاتهم، وتقليص وكالة "أونروا" لخدماتها وتراجعها عن العديد من مهامها الوظيفيّة تجاه اللاجئين.

وقال مدني في حديث مع "بوابة اللاجئين الفلسطينيين": إنّ تدمير مخيّم اليرموك كان فعلاً متعمّداً وكذلك تدمير منشآت وكالة "أونروا"، الذي يتناغم مع صدور المخطط التنظيمي الذي يكرّس حالة التهجير.

وأضاف الناشط المهجّر، أنّ العديد من اللاجئين الفلسطينيين المهجّرين من سوريا وخصوصاً أبناء اليرموك، فقدوا أيّ أمل بالعودة إلى سوريا، حيث كان ذلك مرهوناً بعودتهم إلى المخيّم الذي يشكّل بالنسبة إليهم وطناً وموئلاً لذكرياتهم ومثوى شهدائهم وكل ما أسسوه طوال عقود لجوئهم في سوريا، ذلك لم يعد لديهم ما يعودون إليه حسبما أضاف.

البحث عن إعادة توطين

ولعلّ شريحة المهجّرين من أبناء مخيّم اليرموك في لبنان، عيّنة مجتمعية شديدة الوضوح لرؤية اللاجئين المهجّرين لاوضاعهم ومستقبلهم، والتي يمكن تقسيمها إلى 3 مراحل، وفق اللاجئ الفلسطيني والناشط في رابطة الفلسطينيين المهجّرين من سوريا إلى لبنان طالب حسن، الذي أوضح لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين" تلك المراحل بحسب المتغيرات التي تزامنت مع كل حركة.

وقال حسن، إنّ المرحة الأولى التي تمتد بين أعوام 2013 حتّى 2017، يمكن وصفها بالمرحلة الضبابية، حيث كان أهالي مخيّم اليرموك يجهلون إلى صالح أي طرف سينحسم الصراع، وكيف سينعكس هذا الشيء على مستقبل عودتهم إلى أملاكهم.

وأضاف، أنّ المرحلة الثانية جاءت بعد انتهاء العمليات العسكرية في 2018، وحسم الصراع لصالح الحكومة السوريّة، وهو ما أعاد الأمل للمهجرين بإمكانية العودة ولكن دمار المخيم حال دون ذلك، فعاش اللاجئون على اعتقاد بأنّ وكالة " أونروا" ستعيد بناء المخيّم.

أمّا المرحلة الثالثة وفق حسن، هي السائدة حاليا بعد صدور المخطط التنظيمي، وتتسم بفقدان المهجّرين أملهم بالعودة بعد أن أيقنوا أن ممتلكاتهم قد صوردت، وبدؤوا يبحثون عن حلّ جذري لمشكلتهم.

وأشار حسن، إلى أنّ الميل العام لدى اللاجئين الفلسطينيين المهجّرين وخصوصاً أبناء اليرموك، بات ينحو باتجاه طلب الهجرة وإعادة توطينهم في بلد ثالث يحترم انسانيتهم إلى حين العودة إلى فلسطين، بعد أن فقدوا وطنهم الثاني المتمثّل بالمخيّم، وبالتالي ليس لديهم ما يعودون من أجله في سوريا، معتبراً ما جرى، صفعة للاجئين الفلسطينيين والقضيّة الفلسطينية بشكل عام.

وطالب حسن، وكالة " أونروا" والسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير بتحمّل مسؤولياتها، لافتاً إلى أنّ الوكالة قد تبنّت إغاثة فلسطينيي سوريا المهجّرين في لبنان وسواها إلى حين عودتهم إلى مخيّماتهم، متسائلاً:" ماذا ستفعل الوكالة الآن ولماذا لم تصدر بياناً حول المخطط التنظيمي ومستقبل اللاجئين المهجّرين؟".

وقارب حسن ما حصل بمخيّم اليرموك بما حلّ بمخيّم نهر البارد عام 2007، الّا أن الفرق الأساسي يكمن في أنّ وكالة "أونروا" تبنّت عملية إعادة إعمار نهر البارد، إضافة إلى مجموعة من الدول المانحة وجرى إعماره على أساس أنّه مخيم للاجئين الفلسطينيين، لكن بالنسبة لليرموك الأمر يبدو مختلفاً، حيث هناك استحالة بعد القرارات الأخيرة بأن نعود إلى بيوتنا وأهلنا حسبما أضاف.

خرج المخطط التنظيمي لمخيّم اليرموك، بعد عامين من التطمينات والوعود، بأنّه لا مخطط ينهي عاصمة الشتات، ولا استمرار لتهجير سكّان المخيّم، الّا أنّ مشهديّة ما تعرّضت له مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، والحقائق دائمة التجدد، تصبّ باتجاه حقيقة باتت اليوم جليّة للكثيرين ومفادها: "لا حصانة للفلسطينيين في سوريا، ولا خصوصية لهم" على عكس ما أشاعه الرسميّون من أوهام فقدت صلاحيتها بشكل مطلق.

 

خاص/ بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد