لم تكن جائحة كورونا هي العامل الوحيد الذي يضيق عودة الطلاب في لبنان إلى مدارسهم بعد تأجيل افتتاحها إلى منتصف شهر تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، إنما الارتفاع الجنوني في أسعار القرطاسية في المكتبات بعامة ما زاد الطين بلة.

  تأثرت الأسعار بتدهور قيمة الليرة اللبنانية مقابل سعر الصرف بالدولار اللبناني،فعلى سبيل المثال، قلم الحبر كان سعره سابقاً يبدأ من 250 ليرة لبنانية، بات اليوم لا يقل عن 2000 ليرة لبنانية.

أما المبراة التي اعتاد الطلاب على شرائها بـ 500 ليرة لبنانية باتت اليوم لا يقل سعرها عن 7000 ليرة لبنانية، في حين أن ممحاة جذابة الشكل والألوان بالنسبة للأطفال يبلغ سعرها 25 ألف على الأقل.

بطبيعة الحال، تنعكس الأزمات اللبنانية على اللاجئين الفلسطينيين داخل المخيمات الشتات، لكن تجلياتها تظهر أكثر بين أزقة اللاجئين الفلسطينيين، كونها مثقلة بتفشي البطالة وعدم تفشي فرص العمل لدى سكانها.

تداعيات أزمة عامة

قبل الأزمة الاقتصادية في لبنان، كان اللاجئ الفلسطيني داخل هذا البلد بالكاد يقوى على تأمين قوت يومه الذي يكفيه من عوز الناس، إلا أن العسر الاجتماعي اشتد بعد الأزمة، وما تبعها من تفشي جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية والصحية، والتدهور الجنوني لقيمة الليرة اللبنانية مقابل سعر صرف الدولار الأمريكي، وكارثة انفجار مرفأ بيروت التجاري التي قلبت البلاد رأساً على عقب.

كل هذا ألقى بتداعياته على أوضاع اللاجئين الفلسطينيين أكثر، وبات رب الأسرة بالكاد يستطيع تأمين المتطلبات المدرسية لطفل واحد، فكيف هو الحال لدى الأسرة التي لديها أكثر من طفل؟

فريق "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" قصد إحدى المكتبات داخل مخيم عين الحلوة بصيدا، جنوبي لبنان للاطلاع على أسعار القرطاسية في العام الدراسي 2020 – 2021.

يقول اللاجئ نزار قبلاوي، صاحب مكتبة "حمدان" في مخيم عين الحلوة: "إذا قمنا بمقارنة موسم السنة الماضية وهذا العام، نلاحظ أن هناك فروقات كبيرة في الأسعار، وذلك نتيجة لارتفاع سعر صرف الدولار، حين كان الدولار الواحد يساوي 1500 ليرة لبنانية كانت أسعار القرطاسية مقبولة، كانت الزبائن تشتري أغراض عدة، أي دزينة دفاتر ودزينة أقلام ودزينة مبراة".

يضيف: "بالنسبة للموسم 2019-2020 تراجعت كثيراً القدرة الشرائية للناس بعد جائجة كورونا وبعدما هبط سعر الليرة اللبنانية مقابل سعر صرف الدولار، أدى هذا لفروقات بأسعار القرطاسية بشكل كبير".

ارتفاع مضاعف لمرات بالأسعار

على سبيل المثال: "أقلام الرصاص كان سعرها 250 ليرة وكان ربّ الأسرة يستطيع شراءها  بكميات كبيرة أي دزينة اثنين أو ثلاثة، أما الآن يأتي الولد ويشتري قلم الرصاص الواحد بـ 1000 أو 750 ليرة. أي يعتبر السعر مرتفع فهو ثلاثة أضعاف السعر القديم. أما أقلام الحبر كانت بـ 250 ليرة أصبحت الآن بـ 1250 أو 1500 ليرة. ما أثر على تدني المبيعات بشكل كبير هذا الموسم".

ويشير إلى أن "الغلاء الفادح في الأسعار منعه من شراء حقائب مدرسية هذا الموسم"، قائلاً: "كنت أبيع الحقيبة الكبيرة بـ  35000 ليرة لبنانية. الآن أقل حقيبة سعرها يتراوح ما بين 120 ألف إلى 200 ألف ليرة لبنانية. أصبحت الأسعار مرتفعة كثيراً واضطررت إلى عدم شراء الحقائب هذا الموسم".

وحول أسعار مستلزمات القرطاسية للطفل الواحد بين الماضي والحاضر، يقول: "كان طالب الروضة يدخل ويشتري كل مستلزماته بما يقارب 12000 ليرة أو 15000 ليرة، أما هذه السنة يحتاج على الأقل لـ 100 ألف ليرة لبنانية ليشتري جميع مستلزماته ضمن أرخص الأسعار"، خاتماً: "كان الله بعونهم وبعوننا ليس هناك مبيعات".

بدورها، اشتكت اللاجئة نعمة حجازي من الأسعار المرتفعة بشكل كبير وملحوظ، قائلة: "كنت أشتري بـ 50 ألف ليرة لبنانية الكثير من المستلزمات للأولاد، أما الآن لم يعد لهذا المبلغ قيمة أصبحنا نشتري به كتاب أو كتابين. كان الله في عون من لديه عائلة فمن لديه فرد او اثنين يستطيع أن يحل أموره ولكن من لديه عائلة من أربعة أو خمسة أولاد من أين سيشتري؟".

وتضيف: "تحاول العائلات قدر المستطاع تأمين احتياجات أولادهم، ولكن لا ننسى انه ليس هناك عمل، والأوضاع الاقتصادية في تراجع كبير في سوق الخضار حيث كنت اشتري بـ 50 ألف ليرة لبنانية كل ما احتاجه لبيتي من طعام، أما الآن هذا المبلغ لا يشتري الا القليل، كرتونة البطاطا لوحدها يبلغ سعرها 45 ألف ليرة لبنانية".

من ناحيتها، تفاجأت الطفلة هيام عبدالله من أسعار القرطاسية المرتفعة، فهي بالسابق كانت تشتري ما تريد من مستلزمات بأسعار مقبولة، أما اليوم فإنها مجبرة على اختيار أغراض معينة ضمن ما تحمله في جيبتها من مبلغ مالي زهيد.

وتقول: "أتيت الى المكتبة لشراء دفتر 12 لون كان سعره سابقاً 12000 ليرة، أما الآن فقد أصبح سعره 45 ألف ليرة لبنانية. ذهلت بالأسعار ولا يتوفر معي المبلغ أصلاً".

" من طلب العلا سهر الليالي" .. هذا هو حال الأهالي في لبنان لا سيما اللاجئين الفلسطينيين، الذين باتوا مجبرين على العمل ليلاً نهاراً لتأمين ثمن قرطاسية أولادهم التي تجاوزت الحد المقبول. ما ينذر بتوقع مرتقب لارتفاع معدلات التسرب المدرسي بشكل كبير.

شاهد الفيديو