كشفت الرقابة العسكرية للاحتلال الصهيوني، عن بروتوكولات سرية لتفاصيل مذبحة كفر قاسم التي ارتكبتها عصابات صهيونية عام 1956، وارتقى فيها أكثر من 50 فلسطينياً.
ونقلت صحيفة "هآرتس" العبرية عن شهادة أحد قادة فصيل ما يسمى "حرس الحدود" الذي نفذ جنوده المذبحة، إنّ القائد قال لجنوده بأنه "يفضل أكبر عدد من القتلى في صفوف فلسطينيي القرية"، وقال قائد الفصيل "حاييم ليفي" أمام المحكمة العسكرية المخصصة بالتحقيق في المذبحة عام 1957 إن مسئوله المباشر ألح عليه بضرورة قتل أكبر عدد من الفلسطينيين بذلك اليوم.
وأشار إلى أنه جرى فرض حظر التجول على القرية الذي بدأ سريانه بساعة محددة دون علم عديد السكان، إذ عادوا من حقولهم مساء لتنتظرهم بنادق الجنود، فيما قال "ليفي" في شهادته إنه سمع قائده المباشر يقول "مصيرهم كمصير البقية"، في إشارة للفلسطينيين العائدين من حقولهم ما يعني إعدامهم كما البقية.
وفي حين وجه سؤال للضابط على يد المحكمة بما نصه: "هل من المنطق استهداف شخص بالرصاص وهو لا يعلم بوجود منع تجول؟، من طلب منك استهداف أشخاص لا يعلمون بوجود حظر للتجول؟"، بينما رد الضابط قائلاً: "لأنني تلقيت أمراً كهذا واليوم أرى بانه كان غير منطقي لكنني اعتقدت في حينها بأنه منطقي".
كما وجهت المحكمة سؤالاً آخر لليفي ونصه: "كيف خطر ببالك أن مصير من يخرق حظر التجول هو القتل؟، فأجاب: فهمت حينها أن هذا ما يتوجب فعله، وأن هذه هي السياسة المتبعة عندما قيل لنا أن من يتم رؤيته فيتوجب علينا قتله وهكذا فهمت الأمور، وهكذا صدرت الأوامر مع كل العواطف البشرية فالحرب هي الحرب".
كما وجهت المحكمة سؤالاً آخر للضابط: "هل فهمت من السياسة المتبعة حينها أن الهدف هو التخلص من العرب؟ فأجاب: أن هكذا أوامر لم تكن مكتوبة ولكن نبلغ بها شفهياً، فقد قال لنا قائد الكتيبة: علينا فتح الجانب الشرقي ومن يحاول الهرب فليهرب، وقد فهمت بأنه لن تقع كارثة حال التخلص منهم بهذه المناسبة"، بينما تم سؤال "ليفي": ما العلاقة بين هرب العرب للأمر الخاص بإطلاق النار تجاه من يخالف حظر التجول؟ فرد: السياق هو أن جزء منهم سيصابون بالخوف والهلع وسيقررون الهرب من المنطقة إلى الجانب الآخر، وهكذا فسرت الأمور، إذ كانت هناك علاقة وثيقة بين حظر التجول ومحاولة تهجير السكان تجاه المنطقة الشرقية نحو الضفة الغربية".
جندي آخر شارك في المجزرة، جاء على لسانه أنّه فهم حينها أن الهدف هو تحويل الفلسطينيين لـ"خراف في منازلها"، إذ وجه له سؤال نصه: "هل أوضحت للجنود بمجموعتك أن هناك توجهاً لقتل عدد من الفلسطينيين بكل قرية؟، فرد الجندي بالإيجاب: قال لنا قائد الكتيبة أنه يفضل وجود أكبر عدد من القتلى"، فيما عزا ذلك لأنه "سيسهم بخلق حالة ردع تترجم على شكل هدوء الفترة القادمة والهدف كان إخافة العرب وسيقوم جزء منهم بالهرب ومن سيبقى منهم سيدينون بالولاء للدولة وسيعيشون بهدوء".
كما شملت البروتوكولات التي جرى الكشف عنها جزءاً من شهادة قائد المنطقة "شدمي"، الذي كان أكبر ضابط رتبة من بين الضباط المستجوبين لدورهم في المذبحة وتمت تبرئته في النهاية، وقال خلال الاستجواب: "من المعروف أن العرب يشكلون مشكلة مزعجة جداً لنا وربما عائق أمامنا قبل كل عملية في المثلث، ولا أعتقد أنني أذيع سراً إذا ما قلت أنه كان يفضل هرب العرب من هنا".
وأضاف: "قتل المزيد من العرب كوسيلة رعب من شأنها دفع البقية بالهرب شرقاً، إذ جرى ترك الجهة الشرقية مفتوحة للهرب"، كما تشمل البروتوكولات شهادة قائد كتيبة في "حرس الحدود"، الذي حكم بالسجن لفترة بسيطة لدوره في الجريمة، حيث أفاد بأنّه سأل "شدمي" عن كيفية التعامل مع سكان القرية العائدين إليها مساء دون علمهم بحظر تجوال فرد عليه: "لا أريد أن أرى اعتقالات.. الله يرحمهم"، ولفظ الكلمة باللغة العربية.
وفي السياق، قال ضابط تواجد بكفر قاسم يومها يدعى "جفريئيل دهان" بأنه تلقى تعليمات بإطلاق النار نحو العائدين إلى منازلهم وعندما تم سؤاله من جندي لديه حول مصير العائدين قال: "يفضل أن يكون هناك أكبر عدد من القتلى حتى نحقق الهدوء في المنطقة"، فيما أضاف: "وجدت بعدها حوالي 30 جثة للعرب وعندما سألت الجندي بجوارهم: من قتلهم؟، فقال إنهم كانوا على متن مركبة وعندما نزلوا شرعوا بالهروب وعندها فتح عليهم النار فقتلهم جميعاً".
وتحدث "دهان" عن عملية قتل ثلاثة فلسطينيين من سكان القرية بذلك المساء، قائلاً: "رأيت 3 رجال وأردت معرفة من أين جاؤوا فشرعوا بالصراخ وقالوا لماذا أوقفتمونا واتركونا بحال سبيلنا فاستداروا وحاولوا الهرب وعندها طلبت من جنودي إطلاق النار عليهم وأنا أيضًا أطلقت النار فقتلناهم الثلاثة"، فيما ذكرت الصحيفة أنه جرى إدانة 8 جنود بالاشتراك في المذبحة وحكم عليهم بالسجن الفعلي إلا أنه تم الإفراج عنهم بعد فترة قصيرة كما تم تبرئة بعضهم.
ووقعت مذبحة قاسم في اليوم الأوّل للعدوان الثلاثي على مصر بأكتوبر 1956، إذ كانت المناطق الفلسطينيّة في الداخل خاضعة للحكم العسكري، حيث كان جيش الاحتلال الصهيوني في حينها يخشى من أن تمتد المعركة مع مصر في الجنوب إلى المناطق الداخلية، ففرض حظر منع التجول على الفلسطينيين إلا أن بعضهم لم يعلم به كونهم كانوا يعملون بحقولهم يومها.
وأعدمت العصابات الصهيونيّة العشرات من الفلسطينيين عقب عودتهم من عملهم، وبينهم الرجال والأطفال والنساء.
ويُحيى أبناء الشعب الفلسطيني يوم 29 أكتوبر من كل عام، ذكرى مجزرة كفر قاسم التي ارتكبتها العصابات الصهيونية ضد الفلسطينيين العُزَّل في قرية كفر قاسم، إذ كان من بين شهداء المذبحة تسعة عشر رجلًا وستة نساء وثلاثة وعشرين طفلًا من عمر 8 إلى 17 عاماً، عام 1956، وفي حينه، حاولت حكومة الاحتلال بقيادة ديفيد بن غوريون التستّر على المجزرة ومنع نشرها، وتعرّض المتهمون لمحاكمات صورية وأُطلق سراحهم فيما بعد، ولم تعترف أي من حكومات الكيان الصهيوني بمسؤوليتها عن المجزرة إلى يومنا هذا.