صابر حليمة
 

يدرك العدو الإسرائيلي، ومن يقف خلفه، مدى خطورة اللاجئين الفلسطينيين تجاه المشروع الاستعماري في فلسطين. فاللاجئون، بأجيالهم المتعاقبة، هم الشاهد الحي على الاحتلال والتهجير وسرقة الأرض، وهم ذخر الفلسطينيين في الداخل وسندهم، كما أنهم هاجس ديمغرافي يعجز الاحتلال حتى عن التفكير به.

لهذه الأسباب، وغيرها، حاول القادة الصهاينة، ولا يزالون، إنهاء هذا الملف، ووضعوا، ولا يزالون، خططاً ومشاريع وصفقات على مر سبعة عقود، لم تفلح أي منها في إلغاء حق العودة أو نزع تمسك الفلسطينيين في وطنهم.

يعرض هذا التقرير، أبرز مخططات التوطين التي حيكت في كيان الاحتلال والولايات المتحدة والقارة الأوروبية مرات ومرات، بل وإن بعضاً منها حيك في العالم العربي.

تجدر الإشارة بداية، إلى أن أول رئيس وزراء للاحتلال، المجرم، ديفيد بن غوريون، شكّل إبان أحداث النكبة وتهجير الفلسطينيين، في شهر آب/أغسطس 1948، لجنة كانت مهمتها الرئيسية تقضي بمنع عودة الفلسطينيين.

وتضمنت توصيات اللجنة، توطين اللاجئين الفلسطينيين في البلدان المضيفة، بمساعدة الأمم المتحدة حديثة العهد حينها.
 

ماك غي.. الرأس المدبر لأقدم مخططات التوطين

يعود أقدم مخطط للتوطين إلى عام 1949، حينما توجه، مستشار وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط،  جورج ماك غي، إلى بيروت بهدف الترويج لخطته القاضية  بإعادة مائة ألف لاجئ إلى الأراضي المحتلة وتوطين باقي اللاجئين في عدد من البلدان.

(جورج ماك غي، مستشار وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط 1949-1951)


كما نصت الخطة على إنشاء وكالة مشكلة من أعضاء أمريكيين وبريطانيين وفرنسيين، تهتم بتقديم المساعدات الكفيلة بإنشاء مشاريع تنموية لاحتواء اللاجئين في الدول التي يمكنها القيام بذلك.

لكن الخطة فشلت جراء اشتراط الاحتلال الصهيوني حينها على "الاعتراف الكامل به وتوطين اللاجئين حيث يختار هو".

 

مشروع "الجزيرة".. مخطط عربي للتوطين!

مضت أشهر معدودات، قبل أن يقترح الرئيس السوري، حسني الزعيم، خلال مفاوضات سرية مع الاحتلال، معاهدة "سلام" تشمل توطين ثلاثمائة ألف لاجئ في منطقة الجزيرة في شمال سوريا وتحديد الحدود "الإسرائيلية-السورية" في وسط بحيرة حولا وبحر الجليل (بحيرة طبريا) .

(قائد أول انقلاب عسكري في سوريا عام 1949، حسني الزعيم)

لم ينفذ المقترح إطلاقاً، إذ رفض بن غوريون هذا المشروع لأن الزعيم ربط ذلك بالمطالبة بتعويض اللاجئين وتقديم مساعدة لهم.

وفي شهر آب/أغسطس 1949، تمت إقالة الزعيم وإعدامه.

 

بعثة "غوردن كلاب"

في شهر آب/أغسطس من السنة نفسها، أرسلت الأمم المتحدة بعثة للأبحاث لدراسة الحالة الاقتصادية لعدد من البلدان العربية وقدرتهاعلى استيعاب اللاجئين الفلسطينيين. وقدمت اللجنة التي سميت بإسم رئيسها، غوردن كلاب (Gordon Clapp)، تقريرها للأمم المتحدة وأوصت فيه الجمعية العامة بإيجاد برنامج للأشغال العامة مثل الري وبناء السدود وشق الطرق وحرف أخرى للاجئين.

كما شرعت بتأسيس صندوق لدمجهم بكلفة وصلت 49 مليون دولار، تساهم فيها الولايات المتحدة بنسبة 70% لإقامة مشاريع تنموية.

(صورة من أحد اللقاءات التي عقدها كلاب في العاصمة المصرية القاهرة في تشرين الأول/أكتوبر عام 1949)

ويعتبر عدد من المؤرخين، أنه مع "مشروع كلاب" تحوّل موضوع "عودة اللاجئين" بشكل فعلي إلى موضوع "توطينهم"، خصوصاً وأن ذكر "عودة اللاجئين إلى وطنهم" كان عرضياً، فيما تركزت توصيات اللجنة حول التوطين والدمج الاقتصادي.

 

مخطط للتوطين من رئاسة "أونروا"!

بعد عامين، جاءت المبادرة من المفوض العام الأسبق لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، جون بلاندفورد، الذي  تقدم في عام 1951 بمشروع لدمج اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية.

(المفوض العام الاسبق لـ "أونروا"، جون بلاندفورد)

وشملت مبادرة بلاندفورد تخصيص ميزانية قوامها 250 مليون دولار لدمج اللاجئين في الدول العربية.

 

مشروع مصري للتوطين 1951-1953

ومنذ ذلك العام، إلى عام 1953، برزت موافقة حكومية مصرية على مشروع توطين قسم من اللاجئين الفلسطينيين الموجودين في قطاع غزة في سيناء في الفترة بين 1951-1953. بل وعقدت الحكومة المصرية اتفاقاً مع "أونروا" يمنحها إمكانية إجراء اختبارات على 250 ألف فدان تقام عليها عدد من المشاريع.

لكن الحكومة واجهت  مقاومة شعبية للمشروع، لتصدر بياناً في 1953 تتراجع فيه عن موضوع التوطين، وتعتبره غير ذي جدوى.

 

مشروع دالاس 1953 – 1955

أتى الدور بعد ذلك إلى وزير الخارجية الأمريكي، جون فوستر دالاس، الذي اعتبر خلال جولة في الشرق الأوسط، أن إنهاء مشلكة اللاجئين يتم بعودتهم إلى وطنهم "إلى الحد الذي يكون ممكناً، وبتوطينهم في المناطق العربية التي هم فيها".

)وزير الخارجية الأمريكي، جون فوستر دالاس1953-1959 (

وطرح، ضمن عرض للرؤية الأمريكية للشرق الأوسط، إعادة بعض اللاجئين إلى فلسطين بشرط "إمكانية ذلك"، وقيام الاحتلال بتعويض البعض الآخر، وتوطين العدد المتبقي في البلدان العربية في أراضي مستصلحة عن طريق مشاريع تمولها الولايات المتحدة.
 

مشروع جونستون

تبع مشروع دالاس، مشروع أمريكي آخر في 1955، هو مشروع المبعوث الأمريكي، إيريك جونستون. فتحت اسم "مشروع الإنماء الموحد لموارد مياه نهر الأردن"، نادى جونستون بـ "السلام الاقتصادي"  واقترح تشغيل اللاجئين وتوطينهم في الضفة الشرقية للأردن.

 

مشروع توطين يطرحه الأمين العام للامم المتحدة!

بعد 4 أعوام، قدم الأمين العام للأمم المتحدة، داغ همرشولد، ورقة إلى الجمعية العامة في دورتها الـ 14 سنة 1959، واقترح فيها الاستغناء عن المساعدات التي تقدمها "أونروا" وتوطين اللاجئين الفلسطينيين في الأماكن التي يوجدون فيها.

)الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، داغ همرشولد1953-1961(

مشروع ليفي أشكول

في عام 1965، تقدم رئيس حكومة الاحتلال، ليفي أشكول، بمشروع نص على توجيه جزء من الموارد الكبيرة للمنطقة باتجاه إعادة توطين اللاجئين ودمجهم في الدول العربية واستعداد الاحتلال للمساهمة المالية إلى جانب الدول الكبرى في عملية إعادة توطين.

(رئيس حكومة الاحتلال، ليفي أشكول1963-1969)


مشروع مارك بيرون 1993

في العقد الأخير من القرن العشرين، طرح الدبلوماسي الكندي، مارك بيرون، لدى ترؤسه الاجتماع الخامس في تونس لمجموعة عمل اللاجئين، رؤية كندا لحل أزمة اللاجئين في الشرق الأوسط.

وطرح، ضمن هذه الرؤية، ما أسماه "شرق أوسط جديداً من دون لاجئين" وذلك من خلال توطين الفلسطينيين في دول اللجوء الحالية.

 

وثيقة أبو مازن – بيلين 1995

عقب التوقيع على اتفاقات أوسلو، بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة الاحتلال، جرت مباحثات جرت بين كل من رئيس السلطة الفلسطينية الحالي، محمود عباس، ويوسي بيلين، وزير العدل في حكومة إسحاق رابين، في عام 1995.

 


تضمنت المباحثات اعتراف الاحتلال بأن العودة "حق مبدئي" لكن بشرط اعتراف الجانب الفلسطيني أن العودة كما نص عليها القرار 194 "صارت أمراً غير عملي".

كما تمت الإشارة إلى تشكيل لجنة دولية للإشراف على  تأهيل اللاجئين وإدماجهم حيث يوجدون.

وكان من المفترض أن يكشف رابين عن تلك المباحثات ضمن البرنامج الانتخابي لحزب العمل المقرر في انتخابات الكنيست سنة 1996، لكن اغتياله سنة 1995 ساهم في إبقاء الاتفاق قيد الكتمان.

 

رؤية بيل كلينتون 2000

في مطلع القرن الواحد والعشرين، طرح الرئيس الأمريكي الأسبق، بيل كلينتون، فكرة لتوطين الفلسطينيين، تتضمن:

  • توطينهم في دولة فلسطينية جديدة
  • توطينهم في الأراضي التي ستنقل من الاحتلال إلى الفلسطينيين
  • توطينهم في الدول المضيفة لهم
  • توطين قسم آخر في دولة ثالثة تقبل بذلك
     

 

(الرئيس الأمريكي الأسبق، بيل كلينتون1993-2001)


وثيقة "إكس آن بروفانس"

بعدها بسبعة أعوام، كشفت صحيفة "هآرتس" في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2007 عن وثيقة إسرائيلية-فلسطينية تحت اسم "إكس آن بروفانس".

الوثيقة اقترحت إسقاط حق العودة في مقابل التعويض، أي توطين نسبة من اللاجئين في الأماكن التي يوجدون بها مع تلقيهم تعويضات مالية.

كما ذكرت أن حل مسألة العودة يتراوح بين 55 و85 مليار دولار.

 

"صفقة القرن" 2020

في أواخر شهر كانون الثاني/يناير من العام الحالي، أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عن فحوى الشق السياسي من خطته لـ "السلام"، والمعروفة باسم "صفقة القرن".

اعتبرت "الصفقة" عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم أو تقديم تعويضات عمّا حل بهم "غير واقعية".

 

 

كما وضعت  3 خيارات للاجئين الفلسطينيين:

أ) الاستيعاب في "دولة فلسطين" بشروط معقدة جداً.

ب) الاندماج في البلدان المضيفة الحالية، بشرط موافقة تلك البلدان.

ج) قبول 5 آلاف لاجئ كل عام على مدار 10 سنوات في كل دولة من أعضاء منظمة التعاون الإسلامي بشرط الموافقة الفردية لتلك الدول.

وعلى الرغم من الإقرار بأهمية  التعويضات للاجئين الفلسطينيين لكن "الخطة" تقترح استثمار تلك الأموال  في خطة "ترامب الاقتصادية" التي تتضمن تفكيك جميع مخيمات اللاجئين الفلسطينيين وبناء مساكن دائمة.

 

شاهد الفيديو

 

خاص

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد