زينب زيون- مخيم برج البراجنة

 

لماذا مخيّم برج البراجنة؟ سؤال طرحتُهُ على نفسي بعدما قررت رصد أبرز معاناة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. ربّما اخترت هذا المخيّم لأنّه أكبر رموز المُعاناة الفلسطينية، حسبما وصفه لي أبناؤه، لدى سؤالهم عن المخيّم والحياة فيه. ويُعتبر مخيّم برج البراجنة الكائن في العاصمة اللبنانية بيروت، من أكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان، والذي أنشأته جمعيات الصليب الأحمر في عام 1948 بعد النكبة الفلسطينية بغية إقامة اللاجئين الذين اضطرتهم الحرب إلى ترك منازلهم واللجوء إلى لبنان.

يُعاني أهالي مخيّم برج البراجنة، كسواهم من اللاجئين الفلسطينيين في مخيّمات لبنان، مشاكل عدّةٍ، فمن ازدحام سكاني رهيب، إلى طرقات ضيقة ونظام صرف صحي قديم وانقطاع الكهرباء وعشوائية إمداد الأسلاك الكهربائية وتشابكها مع مواسير المياه، وسواها من المشاكل التي لا تُعد ولا تُحصى.


أسلاك الكهرباء تُعانق مواسير المياه
 

وصلتُ مخيّم برج البراجنة، فكانت باستقبالي صور الضحايا الذين قضوا جراء صعقة كهربائية، ناتجة عن سوء تنظيم شبكتي الكهرباء والمياه. فتشابك أسلاك الكهرباء مع مواسير المياه، صورة تتكرر رؤيتها في كافة أنحاء المخيّم، ويُحمّل الأهالي اللجان الشعبية مسؤولية الفوضى في تمديدها، فاللجان هي المسؤول الأول، برأيهم، عن معالجة كافة الأمور التي من شأنها إلحاق الخطر بحياة الأهالي، ورفع الخطر المحدّق بهم.

فريق "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" التقى إحدى نساء المخيّم، سُنيّة سمير حريري، التي وصفت تشابك أسلاك الكهرباء مع مواسير المياه بالمصيبة التي وقعت على رؤوس أبناء المخيّم، وتذكّرت سُميّة الحادث التي تعرّض له جارها محمد ياسين عسيلي، عام 2006، الذي قضى جرّاء صعقة كهربائية أدّت إلى وفاته.

وقالت سُنيّة: "منذ العام 2006 وحتى يومنا هذا، لم يعمل المعنيون في مخيّمنا على إيجاد حل لهذه المصيبة، علماً أن الخطر يُحدّق بشبابنا، والصعقات الكهربائية تقتلهم واحداً تلو الآخر"، وكان آخرهم الطفل عدنان ريحان، الذي توفي في شهر أيار/مايو الماضي، بسبب شريط كهرباء "مزلّط وواطي" لامس جسده فقتله على الفور".

لم تُحلّ مشاكل الكهرباء والمياه في المخيم، فاللجان الشعبية تتذرّع أنّ التكلفة المادية عالية، بحسب ما أشار عدد من أهالي المخيّم.

يُذكر أن أهالي مخيّم برج البراجنة يعانون من سوء في الملفات الخدماتية، وعلى رأسها أزمة الكهرباء والمياه، حيث سبق أن نفّذ أهالي المخيّم عدّة وقفات احتجاجية، طالبوا خلالها المعنيين بـ "تشكيل لجنة أمنية تخلّصهم من الفلتان الأمني الموجود داخل المخيّم، بالإضافة إلى لجنة شعبية موحّدة، كفيلة بحل القضايا العالقة.

لجأ أبناء المخيم لاتباع خطوات تصعيدية، تجسّدت بوقف دفع مستحقات بدلات الخدمة والصيانة للكهرباء، مما دفع باللجنة الشعبية إلى إصدار بيان في 29 حزيران/يونيو المنصرم، طالبت فيه أبناء المخيّم بالتراجع عن قرارهم هذا، متذرّعة أنها عاجزة عن دفع تكاليف الصيانة المتكررة، مشيرة إلى أنّ " عدم إلتزام الأهالي في دفع المستحقات لن يؤدي إلا إلى المزيد من العجز".

 


التوسع السكني العامودي يضاعف معاناة اللاجئ
 
 
يعيش في مخيم برج البراجنة، الذي تبلغ مساحته كيلومتر مربع واحد، حوالي 45 ألف نسمة بحسب آخر إحصاء صدر عن وكالة "الأونروا". مساحة ضيقة دفعت بالأهالي للتوسّع بشكل عامودي، غير مطابق للمواصفات.

هذا التوسّع ضاعف معاناة الأهالي، وحجب وصول أشعة الشمس إلى داخل المنازل، أو حتى إلى زواريب المخيّم غير المعبّدة، والمليئة بالمياه الآسنة.

 

منازل آيلة للسقوط في ظل تقاعس المعنيين عن القيام بمهامهم
 

"منازل آيلة للسقوط... وما أكثرها في مخيّمنا"، جملة قالها ابن مخيم برج البراجنة أحمد عبيد، متعجباّ.

 يعيش عبيد وزوجته وأولاده الأربعة في منزلهم الكائن بجورة التراشحة داخل المخيّم، يقول:  "إنّ منزله عبارة عن بناء قديم، وهو آيل للسقوط، يُعاني كالعديد من منازل المخيّم، من تشققات في جدرانه وأسقفه".

 تقدّم عبيد منذ حوالي خمس سنوات بالعلم والخبر لوكالة "الأونروا"، لكنّه لم يلقَ رداً، فعاود وتقدّم بطلب آخر هذه السنة.

يروي عبيد أنّ مهندسين تابعين للجنة الإعمار التابعة لوكالة "الأونروا"، زاروا المنزل كاشفين على الأضرار فيه، وأخبروه أنّ المنزل بحاجة إلى إعادة إعمار من جديد، وأنّه آيل للسقوط في أيّة لحظة.

وحمّل عبيد مسؤولية الخطر الذي يُهدد عائلته إلى اللجان الشعبية، التي من شأنها رصد معاناة اللاجئ الفلسطيني، ونقلها إلى وكالة "الأونروا"، محاولة رفع الخطر عن أبناء الشعب.

 


غياب مساحات اللعب للأطفال داخل المخيم 
 
 

يحب الطفل محمد حسين، اللعب بالكرة "football" مع أصدقاء له بالحي، لكنّه خيارٌ صعب المنال بحسب ما قال ابن الثمانية سنوات، فالدراجات الهوائية تُنغّص عليهم فرحتهم، تروح وتجيء داخل زواريب وشوارع المخيّم الضيقة، فلا يستطيع هؤلاء الأطفال الاستمتاع بممارسة الرياضة التي يحبّونها.

ويتابع محمد: "أبي لا يسمح لي باللعب بالقرب من منزلنا، يخاف عليّ من كابلات الكهرباء المتدليّة على الأرض، ومواسير المياه المجاورة لها". لذا سجّل محمد في مركز نادي الجليل، تاركاً حبّه لكرة القدم جانباً.

 يذهب يومياً إلى المركز، ليلعب "البليار" والألعاب الإلكترونية، بالإضافة إلى ارتياده مكتبة المركز لقراءة القصص عن الطفل الفلسطيني.

 

الفلسطيني ممنوع من مزاولة أكثر من 70 مهنة في لبنان
 

 

يشكو الشباب الفلسطيني من غلاء الأقساط الجامعية في لبنان، يتفوّقون في مدارس "الأونروا" محرزين درجات تقدير عالية، حالمين بالحصول على منح تساعدهم على إكمال التعليم الجامعي.

إلا أنّ المشكلة تبرز بعد التخرّج، فالفلسطيني محروم من ممارسة أكثر من 70 مهنة في لبنان.

سالم أحمد، ابن الـ28 عاماً، تخرّج من الجامعة العربية في العاصمة اللبنانية بيروت، بتخصص هندسة ميكانيك.

 فقد سالم الأمل بالبحث عن عمل، يقول لـ "بوابة اللاجين الفلسطينيين" إنه تقدّم بطلبات عمل للعديد من المؤسسات، إلا أنّه لم يتلقَ جواباً من أيّة واحدة منها.

 في فرنٍ افتتحه والده في جورة التراشحة بمخيم برج البراجنة يعمل هذا الخريج، مشيراً إلى أنّ البطالة منتشرة في صفوف الشباب في المخيم بشكل كبير، بعضهم من تأقلم مع الواقع، فتراهم جالسين في المقاهي من الفجر إلى النجر، والبعض من يبحث عن عمل لقاء أجر بسيط بغية تأمين لقمة عيش، والبعض الآخر يتمنى لو يستطيع السفر والعمل خارج لبنان.

سالم واحد من الشبان الذين يحلمون بالسفر إلى بلد يحترم حقوق الإنسان، على حد وصفه، تلك الحقوق المتجسّدة بحق العمل وبناء عائلة، حق العيش بكرامة وراحة بال.

وبحسب تقرير أعدّته وكالة "الأونروا"، بلغ معدّل البطالة 23.2% في العام 2015، في صفوف اللاجئين بلبنان، مشيرة إلى أنّ الفلسطيني يتقاضى أجراً أقل من نظيره اللبناني.

يضحك سالم ويتابع: "شبابنا يُعانون من البطالة وحالة البؤس، فيلجأ بعضهم لتعاطي المخدرات أو للسرقة، لكن اللوم لا يقع على هؤلاء الشباب، يجب أن نُحاسب المعنيين الذين لم يوفّروا لهم أدنى سبل للحياة".

 

المخدرات آفة منتشرة في صفوف أبناء المخيم
 

في ظل الواقع الإنساني الصعب في مخيّمات لبنان (فقر وبطالة وحرمان من أدنى الحقوق...)، تتنامى الآفات الاجتماعية وتنتشر في صفوف اللاجئين خصوصاً الشباب منهم.

شباب كثر، كانوا ضحية الإدمان، لجأوا لتعاطي المخدرات لعلّهم ينسون الواقع المرير الذي يعيشونه داخل المخيّم، بحسب وصف كثيرين منهم، لكنّهم لم يعلموا أن الإدمان سيوصلهم للهلاك في آخر المطاف.

وكان فريق "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" قد زار مركز "إنسان" في المخيّم والذي أخذ على عاتقه إنقاذ هؤلاء الشباب الذين سقطوا في فخ هذه الآفة، حيث التقى عدداً من المتعافين، الذين تحدّثوا عن أسباب لجوئهم للمخدرات، وكيفية وصولهم إلى المركز لتلقي العلاج.

وروى أحد المتعافين من الإدمان جهاد ش. (26 عاماً)، أنّ "المخدرات تُفسد حياة الإنسان، وهي منتشرة في المخيّم. كان يعمل جهاد في حرفة "الموبيليا"، لكنّه عندما لجأ للمخدرات، أهمل عمله، وساءت علاقته بأهله وأصدقائه، وبعدما اكتشف أنه سيأخذ بنفسه إلى التهلكة، قرر اللجوء إلى مركز يقدّم له العلاج، بغية العودة متعافياً إلى منزله وعمله.

 

إطلاق النار في الهواء ابتهاجاً
 

"بالأفراح نسمع إطلاق نار في الهواء، وبالأتراح صوت الرصاص يملأ المخيم"، هذا هو الحال في مخيّم برج البراجنة، حسبما وصفته أم محمد القاطنة بالقرب من مجمّع الفرقان على مدخل المخيّم، لتتابع "ظاهرة تفلّت السلاح انتشرت كثيراً داخل المخيم، ولطالما نفّذ اهالي المخيّم وقفات احتجاجية طالبوا فيها المعنيين بتوحيد جهودهم للتخلص من هذه الآفة، لكن لا حياة لمن تُنادي"، والنتيجة واحدة: إصابات جراء الرصاص الطائش.

 

المقبرة لا تتسع للموتى
 

حتى المقابر لم تعد تتّسع لدفن الموتى، جملة أجمع عليها عدد من سكان المخيم الذين التقاهم فريق "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، مشيرين إلى ضيق مساحة المقبرة في المخيم وعدم إمكانية دفن موتى جدد فيها.

موضحين أنّه "هناك صعوبة كبيرة في إيجاد مساحة لدفن الموتى، ونلحظ بأن الكثير يضطر إلى حفر قبور جديدة، بين الممرات للدفن، ولا يمكن توسيع المقبرة، لأنها محاطة بمبانٍ سكنية من كل الجهات".

وتساءل الأهالي: "إذا كانت حياة اللاجئ متعسرة في لبنان، ألا يحق له بمترين لستره في قبر بعد موته؟".

خاص - بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد