تقرير الوليد يحيى
 

لم يتجاوز اللاجئ الفلسطيني محمد ماهر عيّاش من مهجّري مخيّم السيدة زينب بريف دمشق، سنته الثانية عشرة، وهو عمر صغير ليمارس التدريب والتحكيم في لعبة رياضة الذكاء العقلية، الشطرنج، ولكنه يفعل ذلك في أحد أندية الشطرنج بالعاصمة القبرصيّة نيقوسيا، ويشرف على 25 متدرّب ومتدربّة من جنسيات مختلفة.

المدرّب والحكم الأصغر في تاريخ اللعبة في قبرص، نقل إلى عاصمة الجزيرة الصغيرة، خبرات اكتسبها خلال ارتياده الملتقى الفلسطيني للشطرنج في مخيّم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين بالعاصمة اللبنانية بيروت، والذي لجأ إليه مهجّراً من سوريا مع عائلته بفعل الحرب التي نكبت بتداعياتها مخيّم السيّدة زينب مسقط رأس محمد، فلم تجد العائلة أمامها سوى خيار الهجرة القسريّة.
 

تهجير قسري في عمر صغير

في عمر الخمس سنوات، هجّر محمد مع عائلته إلى لبنان، ورغم ظروف اللجوء اللبنانية الاستثنائيّة في سوئها، لم تستسلم العائلة للعيش تحت سوط القلّة والحرمان، والقيود القانونية والعراقيل الاجتماعيّة التي يتعرّض لها فلسطينيو سوريا المهجّرين إلى لبنان، ليأخذ الوالد ماهر عيّاش على عاتقه الدفع بأولاده نحو التعلّم واكتساب المعارف وزراعة ما يمكّن أولاده جني ثماره في ظروف لجوء أفضل سعى إليها طيلة أربع سنوات وأثمرت أخيراً في قبرص.

يقول الطفل محمد لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: "تعلّمت في مدارس وكالة أونروا في لبنان حتّى الصف الخامس الابتدائي، وانتقلت خلال سنوات دراستي بين مدرستي رأس العين التي تعلّمت فيها اللغة الفرنسيّة، ومدرسة يعبد التي أتقنت فيها اللغة الانجليزيّة".

وفي مخيّم شاتيلا، اكتسب محمّد مهارات لعبة الشطرنج في أحد المراكز الصغيرة التي تهتم باللعبة، وخاض أثناء دراسته الابتدائيّة، في هوايةٍ أتقن مهاراتها، حتّى حاز على بطولات عديدة يجريها الملتقى الفلسطيني للشطرنج ومركز الشباب في مخيّم شاتيلا، قبل أن تحين ساعة الهجرة إلى قبرص ويبدأ اللاجئ الصغير جني ثمار ما راكمه لنفسه خلال سنوات لجوئه اللبناني.
 

رحلة اللجوء الثانية

غادرت العائلة إلى قبرص منتصف العام 2017، فلا مستقبل يمكن أن يلقاه أطفالها في مخيّم شاتيلا في لبنان، حيث يعاني اللاجئون الفلسطينيون حرماناً كبيراً من حقوقهم المدنيّة والاجتماعيّة وعلى رأسها حقّ العمل، بينما تنعدم تلك الحقوق بشكل مطلق من حياة اللاجئين الفلسطينيين المهجّرين من سوريا، الذين يعتمدون في جل معيشتهم على ما تقدمه وكالة "أونروا" المتمثل بسبعة وعشرين دولار للفرد  و100 دولار للعائلة كبدل سكن شهرياً، بافضافة إلى مساعدات الجمعيات الخيرية في المخيمات، لذا فإن قبرص خياراً للعائلة التي جاهد ربّها والد محمد في تأمين تكاليف السفر حيث باع كل ما يملك ليتمكن من الوصول إلى تلك الجزيرة الأوروبية، لتواجهه عقبات قانونية تمكن من حلها عبر مساعدة أحد المحامين.
 

سرعة قياسية في إتقان اللغة اليونانية

"فور وصولنا إلى قبرص،  قام والدي بالعمل على تأمين دراستي مع إخوتي في مدرسة (إي لينيو) بالعاصمة نيقوسيا، وهناك أتقنت اللغة اليونانية وأنا الآن أتحدثها بطلاقة وحصلت على المرتبة 3 على مستوى مدرستي بكافة المواد وقامت إدارة المدرسة بتكريمي" يقول محمد لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين" الذي يشير إلى سعيه للاستمرار في تفوّقه حتّى بلوغه طموحه في أن يصبح عالماً في الفيزياء أو طبيباً يخدم الإنسانيّة. .

تفوّق قياسي، اعتبرته المدرسة إنجازاً  كبيراً وغير مسبوق لطالب، حققه خلال 6 أشهر فقط من التعليم لديها، وهوما دفع "مركز الكرامة" القبرصي للشطرنج، لقبوله مدرّباً متطوّعاً وحكماً لديه، يشرف على 25 متدرّب ومتدرّبة من مختلف الجنسيّات.
 

تفوّق وتطوّع في خدمة اللاجئين ورسالته الفلسطينية

ليس فقط في المدرسة، بل إن محمداً متطوع لخدمة اللاجئين أمثاله من جنسيات مختلفة في بلاد الهجرة والغربة.. يرافقهم ويترجم لهم في الدوائر الحكوميّة وغير الحكوميّة والمستشفيات، نظراً لإتقانه اللغة اليونانية المتداولة في نيقوسيا، وفي هذا الصدد يقول محمد لـ بوابة اللاجئين الفلسطينيين :" عدم وجود مترجمين في قبرص دفعني لخدمة اللاجئين دون أجر مادّي، ولا أفعل ذلك إلّا لله تعالى، ونشر رسالتي الفلسطينية".

ومفاد رسالة اللاجئ الطفل محمد ماهر عيّاش الذي تعود جذوره إلى قرية أبو زينة قضاء صفد- فلسطين المحتلّة، ويعمد على إيصالها خلال نشاطه في قبرص : " أنا ابن بلد اسمها فلسطين، وعاصمتها القدس، وهي محتلّة من قبل الكيان الإسرائيلي، ويجب أن ترجع بلدي وأعود إليها" حسبما ختم حديثه مع موقعنا، معبّراً عن إيمانه بحلمه وقضيّته.

 
خاص

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد