مخيم العروب – خاص
 

"اطلع يا قمرنا وهِل، ضوّي ع المُخيّمات، ما خلقنا تنعيش بذُل، خلقنا نعيش بحريّة"، لطالما صدحت أصوات اللاجئين الفلسطينيين بهذا الهتاف في معركتهم المُمتدة طويلاً مع النكبة والتهجير والاحتلال وكل ما أفرزه من أشكال القتل اليومي في مُجتمعاتهم المؤقّتة التي ما تزال موجودة منذ واحد و سبعين عاماً.

هذه المرة هتف أهل مُخيّم العرّوب من أجل حياة أطفالهم، من أجل هذا المُحيط الهش الذي يقبعون فيه طيلة هذه العقود، والموت اليومي البطيء الذي يدفعهم إليه الاحتلال تارة والمسؤولين عن المُخيّم من كافة الجهات تارة أخرى، والأوضاع التي تؤول إلى الأسوأ مع مرور الوقت من كافة الجوانب الصحيّة والمعيشيّة والاقتصاديّة وغيرها.

خرج أهالي مُخيّم العرّوب الواقع شمالي الخليل بالضفة المُحتلّة، مساء الأحد 10 تشرين الثاني/نوفمبر، للتظاهر من أجل التخلّص من المكرهة الصحيّة التي تتربص بحياتهم وحياة أطفالهم في ظل ما وصفوه تقاعساً من قبل اللجان الشعبيّة لخدمات المُخيّم ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، وهي الجهات المسؤولة عن المُخيّم.

 


في مظاهرة غلب عليها طابع الغضب، هتف شبّان وأطفال المُخيّم من أجل إنقاذهم "يا لجنتنا الشعبيّة بدنا عيشة هنيّة.. مجاري بتقتل بالأطفال وين راح كل المال"، "لا ما بدنا تصريحات ولا مال ومهرجانات، بدنا عيشة هنيّة"، ورفعوا شعارات "مُخيّم العرّوب يحتضر، فالموت يسير مع سيل المياه العادمة وسيل التقاعس واللامبالاة"، فيما قام عدد من الفتية بإشعال الإطارات في شوارع المُخيّم احتجاجاً على استمرار الأزمة وتصاعد أخطارها.

 

أطفال في خطر .. وذووهم غاضبون

فالمياه العادمة التي تسير بمحاذاة البيوت والمحال االتجارية جمعت معها أشكلاً مختلفة من الحشرات والقوارض والبكتيريا، ما يهدد فعلاً صحة اللاجئين الفلسطينيين في المخيم.

نبيل القيق من سكّان مُخيّم العرّوب يؤكد لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" خلال مُشاركته في التظاهرة: "الوضع في المُخيّم دائماً مأساوي، لكننا لم نشهد أوضاعاً مأساويّة أكثر من هذه اللحظات والسنة الأخيرة."

يضيف القيق أن المكرهة الصحيّة في المُخيّم "تسبب مجاري فائضة على البيوت وروائح كريهة وإيذاء لأطفالنا من الأمراض التي انتشرت، وآخرهم ابني، وصلت كريات الدم البيضاء عنده عشرين ألف، ابني يبلغ من العمر 8 سنوات، ولولا لطف رب العالمين وإدراكنا أنه أصبح بحالة خطرة وحرارته مرتفعة جداً وتوجّهنا به إلى المستشفى، كان الطفل قد راح."

في هذا السياق، طالب القيق اللجنة الشعبيّة لخدمات مُخيّم العرّوب ووكالة "أونروا" بتحمّل مسؤوليتها، لافتاً إلى أنهم قد توجّهوا لهم لكن كل منهم يرمي المسؤولية على الآخر، قائلاً "توجّهت لأعضاء اللجنة الشعبيّة من رئيسها لنائب الرئيس للأعضاء الذين كانوا موجودين، قالوا: إنّ هذه مسؤوليّة مُدير المُخيّم، فتوجّهت له وأخبرني أنّ هذه ليست مسؤوليّة الوكالة فهذا الخط خارج حدود المُخيّم وعليك الرجوع للجنة الشعبيّة، فأصبحنا بين حانا ومانا."

في نهاية الأمر اقترح اللاجئ القيق أن يقوموا بردم المكرهة الصحيّة على الأقل وإخفائها، إلا أنهم قالوا أنّ مالك الأرض لم يقبل بدخول أرضه، فقام أهالي المُخيّم بالحصول على مُوافقة منه بالفعل لدخول أرضه وردم المكرهة، لكنّ الجهات المسؤولة لم تتحرّك حتى اللحظة، ولا تزال الكارثة البيئية مُنتشرة في المُخيّم،  ويُعاني جراءها عدد من الأطفال والأهالي من الإسهال ودرجة حرارة عالية وألم في الرأس، رغم توجّههم بالشكوى للجهات المسؤولة والإيذاء الذي لحق بالأطفال حتى تم تحويل أحدهم إلى المستشفى، إلا أنّ الأزمة لا زالت تُراوح مكانها.

 

 

أين المال العام؟

من جانبه، أوضح محمد بنات من الحراك الشبابي في مُخيّم العرّوب قائلاً "رسالتنا واضحة، من أجل كُل المال العام الذي يُصرف في المُخيّم، المياه العادمة تفتك بأطفالنا، واليوم نُوجّه رسالتنا إلى كل المؤسسات ذات الضمير الحي، أن تُشكّل لجنة تحقيق من أجل النهوض بالمال العام في المُخيّم وإصلاح البُنية التحتيّة، وسنستمر في هذا الحراك حتى ننال مطالبنا الشرعيّة وهي مطلب شرعي لكافّة أطفال مُخيّم العرّوب حتى نُنقذهم من الموت البطيء."
 


 


وعن احتماليّة عدم استجابة الجهات المسؤولة واستمرار الأزمة، قال "وجّهنا اليوم رسالة واضحة إلى اللجنة الشعبيّة ومُمثل "أونروا"، إنه إذا لم تُحل المشكلة خلال الأيام القادمة، وقد أمهلناهم ثلاثة أيام، إنّنا سنلجأ إلى التصعيد حيث سنُغلق مكاتب المُخيّم، مكاتب وكالة "أونروا" ومكاتب المؤسسات الموجودة بالمُخيّم، وربما سيكون هناك تصعيد آخر من نوع آخر."

هذا ما أكّده أيضاً الناشط الشبابي سلمان قنام قائلاً: "التظاهرة كانت رسالة احتجاج بأنّ وضع المُخيّم يسوء كل يوم عن الآخر، وكل من يعيش فيه يتضرّر ويتعرّض للأذى جراء هذه المكرهة الصحيّة المُنتشرة فيه بشكلٍ كبير."

وأوضح في حديثه لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" أنّ هذا الحراك هو خطوة من سلسلة خطوات تصعيديّة في حال لم يكن هناك حل جذري للأزمة، وهذه الرسالة جاءت بعد حالة من التغيّب من قِبل المسؤولين في المُخيّم "ويجب أن تصل هذه الرسالة للجميع، أنّ هناك صوت شبابي في المُخيّم وهو قادر على تشكيل حالة قادرة أن تجني النتائج المطلوبة."

عن الخطوات التصعيديّة يقول قنام، إنّ هناك خطوات كبيرة قادمة ومن المُمكن إغلاق مكتب مُدير المُخيّم أو عدم السماح له بالدخول للقيام بمهامه "لأنه فعلياً ليس له أي دور يُذكر، وفي ظل تقليص الخدمات الكبير في العرّوب أصبح موضوع هذه الخدمات ينحصر بشكلٍ أساسي في الجانب الصحي، وعلى الرغم من ذلك إلا أنّ هناك تقصير كبير، وأي شخص كان له دور مُباشر في إحداث هذه الكارثة سوف يتعرّض للمُحاسبة والمسؤوليّة، أيّا كان هذا الشخص."

يُعاني أهالي مُخيّم العرّوب للاجئين الفلسطينيين شمالي الخليل المحتلة، من مشكلةٍ صحيّة ناجمة عنّ مجمع الصرف الصحي بالقرب من منازلهم، حيث أصيب عشرات الأطفال مؤخراً بأمراض ناتجة عن هذه المكرهة الصحيّة، بالإضافة لمشاكل أخرى يُعاني منها الأهالي جراء ذلك.

وحسب مُراسل "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" فإن الأهالي الذين يُعانون من هذه المكرهة الصحيّة، يقطنون خلف السوق الرئيسي، وهم عائلة إبراهيم السباتين، وتوفيق محيسن، وحسين الجابري "أبو هيكل."

ويقول المُراسل إنّه وخلال تجواله اليومي في المُخيّم، يلحظ الرائحة الكريهة التي تُلازم السائر من أول المُخيّم إلى آخره، بالإضافة إلى عرقلة حركة السكّان بشكلٍ مُستمر بفعل مجمع الصرف الصحي، وتتخوّف العائلات، مع بدء فصل الشتاء بعد نحو شهرين، من تكرار السيناريو المُعتاد خلال الشتاء، فخلال العام الماضي غرقت منازل العائلات المذكورة بمياه المجاري واضطرارهم إلى تجديد أثاث منازلهم في كل مرة.

ورغم كل ما تُعاني منه العائلات اللاجئة في العرّوب بتلك المنطقة، إلّا أنّ وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، تتنصّل من مسؤوليّتها تجاه هذه العائلات بحجّة أنّ المنطقة خارج نطاق المُخيّم، على حد قولها.

ويعيش أكثر من (10400) لاجئ مُسجّل لدى "أونروا" في مُخيّم العرّوب المُحاط بمستوطنة "افرات" من الجهةِ الشماليّة، ومستوطنة "عتصيون" من الجهةِ الغربيّة، فيما أقام الاحتلال حاجزاً عسكريّاً دائماً عند مدخل المُخيّم، بالإضافة للحواجز الطيّارة التي يُعاني منها الأهالي حيث تحد من حريّة تنقّلهم، بالإضافة لصعوبة استجابة الإسعاف وتحرّك الحالات الطبيّة بسببها.

فيما تستمر مُعاناتهم اليوميّة أيضاً في ظل تنصّل كافة الجهات المسؤولة وتخلّيها عن مسؤولياتها ومهامها تجاه المُخيّم، رغم انتشار مقرّاتها ومكاتبها على أرض المُخيّم كحال مُخيّمات اللاجئين الأخرى، وانتفاعها بميزانيّات ومُرتبات تحت مظلّة وعنوان المُخيّمات واللاجئين الذين لا يلقون مُجيباً لنداءاتهم المُستمرة منذ نكبتهم وتهجيرهم من بيوتهم.

خاص

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد