الجدة أم زهير، أم لأسرة بيروتية مثقفة وأم لشهيد، لعذاباتها بسبب الانسلاخ عن الوطن والحروب والتحديات التي عايشتها ترجمة أخرى عندها، فهي تقتنع أن ذلك هو جهاد النفس.

 لماذا أعجبت بشخصية زوجها، لأنه بحسب تعبيرها مجاهدٌ في سبيل الله بقلمه، "فالكلمة أقوى من السلاح يا تيتا".

وهذه هي قصتها:

كان صلاح الدين المختار ابن طرابلس قد عاش مطارداً من عصابات إنكليزية على أثر مقالات كان ينشرها في الصحف الغربية، كشف فيها عن أسرار وعد بلفور والتقسيم القادم على المنطقة (اتفاقية سايكس بيكو) وبعد أن تهددت حياة صلاح وصار يبدل أماكن سكنه وحاولت إحدى العصابات دهسه تحت قطار، ساعده صديق ألماني في أن وضعه على متن باخرة نقل بضائع سوف تصل إلى ميناء حيفا، حين وصل صلاح الميناء مزّق جواز سفره الألماني تحسباً للاحتلال البريطاني، كان صديق دراسته في ألمانيا الرئيس السوري السابق "شكري القوتلي" ساعده في النفاذ.

يعرفُ صلاح الدين أن له أولاد عمومة في حيفا، كانوا قد غادروا طرابلس بحثاً عن العمل ولقمة العيش، ولكن عندما دخل بيتهم لم تعرفه الأسرة، فعرّف عن نفسه ونزل عند بيت عمه وأحبّ خديجة (ام زهير) وتزوجها وانتقلا إلى دمشق، حيث انتظره صديقه شكري القوتلي عند ميناء اللاذقية وزوّده بجواز سفر سوري.

 شغل بعدها منصب سكرتير القصر الجمهوري إلى أن اعتقل مع القوتلي بعد انقلاب حسني الزعيم وأُفرج عنه بعد انقلاب آخر على حسني الزعيم، وهنا عاد مع عائلته الى بيروت ليمارس العمل الصحفي مع كامل مروة ومجموعة من رواد نهضة الصحافة اللبنانية.

بقيت لدى الجدة أم زهير فلسطين التي تعيش معها بكل حواسها، وتبكي بحرقة وتروي لاولادها وأحفادها عنها، وعن عز الدين القسام الذي قدم من سوريا مع خالها محمد عبد الوهاب كيلو، واصطحب القسام زوجته وأولاده فشغلوا غرفة في بيت أهلها.

تتذكر الجدة أم زهير الشهيد القسّام، قامته ولحيته، جلساته مع خالها يكتبان محاضر اجتماعات سرية كانت تتم في المسجد، إذ "كان في خوَنة كتير يا تيتا" ، وابنة عز الدين ميمنة كانت تدرّس خديجة وباقي الطلبة مادتيّ القرآن والتاريخ.

ثم أتى استشهاده وبكت خديجة عليه وظلت تردد الأغاني التي رددها الفلسطينيون له...

عز الدين يا خسارتك

رحت فدى لأمتك

مين بينكر شهامتك

يا شهيد فلسطين

سألت الجدة عن حياتها في حيفا وعن جيرانها فقالت، كان جيراننا الباب بالباب فلسطينيون ويهود الديانة، اذكر شوشانا ولوغا وحنّة وكنّ تعزفن العود والكمان فنجلس نضحك ونغني ونصيغ النكات، وفي أيام السبت كانوا يجلبون لنا "المصّة" وهو نوع من البسكويت يوزعونه حسب تقاليدهم، كانت النسوة تنادينني أنا أو اختي حليمة لنطفيء النور ليلة السبت قبل النوم، أو تطلب مني أن انتبه لطبختها على النار ريثما تحضر حاجيات من الخارج.

هل كان هؤلاء اليهود الفلسطينيون يقبلون بالاحتلال الصهيوني إذ أخذ ذريعة دينية؟ تجيب الجدة أنه مطلقاً لم يتقبلوا هذا الاحتلال، وتذكر أن حالة الفوضى التي مهدت للاحتلال خلقت تغيراً ديمغرافياً، وتقول: " كنا نحضر النراجيل ونذهب إلى مقام الخضر، وهناك التقينا بجارتنا اليهودية وكانت موجودة شوشانا ولوغا، فقالت الجارة،الله يلعن اللي جاب هالاغراب يحتلونا ويلعن ساعتهم، قصدها عالمستوطنين"

تضيف، " كنا أطفالاً نرتعب حين يرفسُ الجنود الإنكليز ببسطاراتهم أبواب بيوتنا بحثاً عن سلاح"، ولا تكف عن ترديد الأغنية الموجهة لجنرالات الإنكليز والتي الّفها الفنان فيلمون وهبي في ثورة عام 1936 وقام الناس بتركيب ردات لها..

دبّرها يا مستر بلّ

لا تظن الأمة بتمل

لكن أنت سايرها

يمكن عن يدك بتحل

لكن خدها بالحكمة

نفّذ شروط الأمة

من عربية الاستقلال

صحيح أن الجدة أم زهير تبكي بحرقة، عذاباتها، فرقتها القسرية عن حيفا وأولاد إخوتها.." حيفا أمدن بلد بالعالم ولو عدت سأقبّل الجدران" ، لكن تعود وتقول أن من يناضل سيكون سعيداً، وبيعيش أحلى عيشة، وتفخر أن قائد الجيش في سوريا في عهد القوتلي قال لها ذات مرة: "إن قلم زوجك يساوي قوة جييش".

سألتها أخيراً إن كانت سمعت بصفقة القرن، فلم تكترث وماذا يعني لها استسلام البعض لـ"إسرائيل"، قالت: "من يستسلم لهم مثلهم لا دين له ولا ضمير".

وماذا تقول الجدة للشباب

"العودة يمكن بعيدة، لكن النصر أكيد"

ما الذي يؤكد؟

الله وعدنا

كيف؟

في سورة الإسراء

خاص - بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد