بسام سفر
يتموضع التطبيع الخليجي مع الكيان الصهيوني في زمن مفارق لمصالح الشعب العربي بسبب إعطائه البعد الرسمي للأنظمة العربية القائمة على التجزئة العربية بعيداً عن مصالح الشعب العربي المجزئ تحت حكم هذه الأنظمة, وعدم قدرته على لعب دور في كبح اندفاعة هذه الأنظمة لنقل علاقتها بهذا الكيان المغتصب من السِّر إلى العلن في زمن بات يلعب دوراً في استمرارية وشرعنه وجود هذه الأنظمة، مع دفعها ثمن حماية الولايات المتحدة الأمريكية لحدود هذه الكيانات أمام الاندفاعات الجديدة  للمشروع " الفارسي- الإيراني" في الهيمنة على المنطقة في مواجهة سياسات الاستعمار الجديدة التي تقودها الإدارة الأمريكية، عبر دفع تكاليف استعمار المنطقة من جيوب حكامها وشعوبها، عبر الحفاظ على استمرار هذه الأنظمة في نهب ثروات شعوبها, ومشاركة المستعمرين في رفع نسبتهم من النهب بسبب تكاليف الحماية والاستمرارية.

وتأتي زيارة رئيس وزراء كيان العدو بنيامين نتنياهو وزوجته لسلطنة عُمان ولقاؤه السلطان قابوس بن سعيد في مسقط لبحث سبل دفع عملية" السلام " في المنطقة قدماً، بما يخدم"إسرائيل" تطوراً جديداً في علانية التطبيع ونقل العلاقات السّرية مع دول الخليج إلى الإشهار.

 وكذالك استقبلت أبو ظبي العاصمة الإماراتية وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية "ميري ريغيف" برفقة وفد رياضي إسرائيلي للمشاركة في بطولة الجودو الذي قرر الاتحاد العالمي الجودو إعادة المباريات إليها على الاعتراف بالعلم الإسرائيلي، والرموز الإسرائيلية.

 وهذه المشاركة الثانية "لإسرائيل" حيث أقيمت مباراة في أيار/ مايو 2018 بين منتخب الإمارات ونظيره الإسرائيلي في بطولة أوروبا المفتوحة لـ" النت بول" أو كرة الشبكة.

 وأيضاً استقبلت الدوحة العاصمة القطرية وفداً رياضياً إسرائيلياً في ذات الأسبوع للمشاركة في بطولة العالم للجمباز الإيقاعي, وشارك فيه ثمانية لاعبين, منهم ضابط في جيش الاحتلال الصهيوني.

وتستعد البحرين لزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو, بالإضافة إلى العلاقات شبه المفتوحة بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والحكومة الصهيونية على كافة المستويات.

وتأتي الموجة الجديدة للتطبيع مع دول الخليج بهدف ربط وجود" التكامل الأمني الإقليمي" بالحفاظ على أمن الكيان الصهيوني ودول المنطقة خصيصاً دول الخليج, ومن جهة أخرى, وجاء انفتاح دول الخليج الواحدة تلو الأخرى على هذا الكيان أمام الهلع الخليجي من سعي النظام الإيراني للسيطرة على الخليج العربي من بوابة الحرب اليمنية ودعمه للحوثيين.

إن إعادة تكييف العرب جماعياً مع فكرة التطبيع مع الكيان يبدو هدفاً شكلياً ومحدوداً, لأن الهدف الاستراتيجي يرتكز على أن التطبيع مجرد مرحلة أولية وذات طابع انتقالي يهدف في النهاية إلى تأسيس أرضية الشراكة السياسية- الأمنية مع"إسرائيل".

أذ تظهر الزيارات والإعلانات حولها هدفاً تكتيكياً عابراً أقل أهمية من سائر الأهداف الأخرى المنشودة من استراتيجية بناء نموذج" لنظام التكامل الأمني"، فيما تظهر المخاطر الناتجة عن "تطبيع شكلي مع إسرائيل" في هذه المرحلة, بأنها مجرد مخاطر محدودة, قياساً إلى الأهداف الكبرى لإستراتيجية" نظام التكامل الأمني الإقليمي", والتي سوف يصبح فيها "أمن إسرائيل" جزءاً من " الأمن القومي العربي.

  وعليه، فالمطلوب أمريكياً وصهيونياً من العرب أن يتخطى التطبيع حدوده الشكلية (معاهدات سلام, إنشاء شبكة علاقات سياسية- اقتصادية- رياضية..الخ) وتطويره وتحويله إلى هدف استراتيجي قائم بذاته, ومن دون ربطه بمشاريع الحلول التسووية بين السلطة الفلسطينية والاحتلال, مستفيدين من انخراط هذه الأنظمة في عملية مقاومة النفوذ الإيراني في سوريا والعراق واليمن, وتهويل خطر"البرنامج النووي" الإيراني ذاته على المنطقة، والسير نحو تغيير أولويات ساسة النظام العربي, فبدلاً من مواجهة الكيان الصهيوني بمطالب"الانسحاب" من الأراضي العربية, تحل مطالبة عربية قوية "بانسحاب إيراني. ثنائي من سوريا, والعراق, ووقف الدعم في اليمن ولبنان.

 إن ما يجري في المنطقة دفع النظام الخليجي والعربي إلى تغيير أولوياته التقليدية وتركيز أنظاره صوب"عدو جديد" بدلاً من العدو القديم, إذ أن الوجود الإيراني في سوريا والعراق يساعد في تصعيد روح الحرب ضد إيران بوصفها الإقليمي الوحيد الذي يشجع على تقسيم العراق من خلال دعمها لمشروع الأقاليم الذي يبدو أنه نتاج" عقيدة مذهبية" ممزوجة بأطماع قومية, هو الوجه الآخر للصراع العربي/الفارسي المطلوب أمريكياً وإسرائيلياً, بل مادته العضوية التي يتشكل منها بوصفه صراعاً مركباً, فهو من جهة صراع مذهبي(شيعي-سني) ومن جهة أخرى هو صراع قومي(عربي-فارسي), وهذان هما العنصران الرئيسان في صراع يحل محل الصراع العربي(الصهيوني-الإسرائيلي).

 ويتزامن كل ذلك مع محاولة طي صفحة قضية اللاجئين الفلسطينيين من قبل الإدارة الأمريكية ووقف دعم وكالة غوث اللاجئين(الأونروا) وإسقاط حق العود واللاجئين, وإغلاق سفارة فلسطين في واشنطن, ووقف تمويل السلطة وغيرها من الإجراءات التي من شأنها أن تدمر المشروع الوطني الفلسطيني, كدعم حكومة نتنياهو في تهويد القدس, ومنطقة الغور ومدينة الخليل, وتوسيع عمليات الاعتقال الجماعي وتعطيل الحياة اليومية للفلسطينيين.

إن قرار أدارة ترامب نقل السفارة الأمريكية في فلسطين إلى القدس في 14(أيار,مايو) 2018, عشية ذكرى السبعين للنكبة الفلسطينية دلالة خطيرة على استهتار الإدارة بالعالم العربي, ومدى تماهي هذه الإدارة مع حكومة نتنياهو العنصرية الذي يتصرف وحكومته بأن هناك فرصة لتأبيد الاحتلال والاستيلاء على فلسطين كلها, وإعلان فرض نظام التمييز العنصري عليها, وقد حانت اللحظة بفضل الانهيار الشامل الذي تعيشه المنطقة العربية.

أخيراً إن الأنظمة العربية في حالة من الضعف الشديد، في مرحلة الفوضى التي تعيشها المنطقة وهي تحتاج إلى الشرعنة من الدول الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية وبقية الدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن بسبب عدم امتلاكها الشرعية من قبل شعوبها.

 ويعد الكيان الصهيوني مدخلاً مفضلاً عند هذه الأنظمة لحيازة هذه الشرعية، لذلك يأتي التطبيع  بمثابة إعادة إنتاج لهذه الشرعية.

أما على الصعيد الفلسطيني وعملية التسوية السياسية مع السلطة الفلسطينية، فالمطلوب تجاوز الرفض الشفهي لـ "صفقة القرن" وحسم الموقف لصالح الانتقال إلى مقاومة عملية وميدانية للسياستين الأمريكيه والصهيونية, عبر تنفيذ قرارات المجلسين المركزي(5/3/2015, 15/1/2018), والوطني(30/4/2018), بسحب الاعتراف بالكيان الصهيوني ووقف التنسيق الأمني مع الاحتلال, وفك الارتباط بالاقتصاد الإسرائيلي, واستنهاض الانتفاضة والمقاومة الشعبية ونقل القضية والحقوق الوطنية إلى الأمم المتحدة, بالدعوة إلى مؤتمر دولي بإشراف الأمم المتحدة ورعاية الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن, و السعي الجدي لحل قضية اللاجئين بموجب القرار 194 الذي كفل حق العودة لهم إلى الأراضي والممتلكات التي هجروا منها.
خاص - بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد