بقلم: يوسي بيلين

في تاريخ 9 ايلول 1946 افتتح مؤتمر لندن الذي أراد فيه البريطانيون أن يعرضوا على اليهود والفلسطينيين ودول هامة في العالم اقتراحهم بعلاج المواجهة المستمرة في ارض اسرائيل – فلسطينة. من الذي غاب؟ اليهود، الذين رفضوا المشاركة لأن عدد من رؤساء الوكالة اليهودية كانوا معتقلين في سجن اللطرون (“منذ السبت الاسود”)، والفلسطينيون الذين لم يوافقوا على المجيء، لأن البريطانيين رفضوا دعوة المفتي الحاج أمين الحسيني بسبب تعاونه مع النازيين. في المقابل، ممثلو الدول العربية وصلوا الى لندن رغم عدم دعوتهم.

 

هذا المؤتمر يُذكر باجتماع وزراء الخارجية الذي تم في باريس في بداية حزيران هذا العام، والذي حدث ايضا بدون وفد اسرائيلي أو فلسطيني. وكما حدث في لندن قبل 70 سنة بالضبط، لم يتم اتخاذ أي قرار باستثناء استئناف النقاشات في موعد آخر. ومع ذلك وبنظرة الى الوراء، فان مؤتمر لندن كانت له أهمية لأن جلسته التاريخية الثانية في كانون الثاني 1947 أدت الى نقل الحسم الى جمعية الامم المتحدة التي قررت في تشرين الثاني من ذلك العام التقسيم التاريخي لارض اسرائيل – بين دولة يهودية ودولة عربية.

 

الحرب العالمية الثانية ومحرقة اليهود التي حدثت خلالها، عملتا على تغيير طابع الصراع الشرق اوسطي كليا، وكذلك حلوله المحتملة، مقارنة مع الوضع اثناء نقاشات لجنة “بيل” (التي اقترحت لاول مرة حل التقسيم بشكل رسمي في 1937).

 

بريطانيا تحت حكم الليبر تسلمت دولة كانت مصابة بشكل كبير من الحرب، ووضع اقتصادي صعب، حولها الى معتمدة على المساعدات الامريكية. كان واضحا للبريطانيين أن عليهم الانفصال عن المناطق التابعة للمملكة، وكان القرار الاكثر دراماتيكية هو الانفصال عن الهند. بعد هذا القرار تحول الشرق الاوسط الذي كان هاما بسبب موقعه على طريق الهند، الى مكان له أهمية ثانوية بالنسبة لبريطانيا. الهدف الاساسي كان الخروج منه وضمان العلاقات الجيدة مع الدول العربية (بسبب أهمية النفط). لذلك، عارضت المملكة، بتأثير وزير الخارجية آرنست بافين، اقامة دولة يهودية، مع الرغبة في استمرار الانتداب بضع سنوات اخرى الى أن تتضح الصورة.

مؤتمر عقيم آخر

الولايات المتحدة كانت على ابواب الانتخابات في تلك الفترة. الرئيس الديمقراطي هاري ترومان لم يحب السلوك البريطاني. في الصراع في الشرق الاوسط كان يميل الى اليهود، لأنه فهم ضرورة السيادة اليهودية، خصوصا بعد الكارثة. وايضا لأنه كان هاما حسب رأيه ضمان الصوت اليهودي. وشدد ترومان على الاستيعاب الفوري بدون شروط لـ 100 ألف لاجيء يهودي في ارض اسرائيل وأيد تقسيم البلاد الى دولتين. ولكنه اصطدم بمعارضة وزارة الخارجية التي كانت أقرب الى موقف بافين.

 

قيادة الوكالة اليهودية ايضا (حاييم وايزمن ودافيد بن غوريون وناحوم غولدمان) كانت على قناعة أن تقسيم البلاد هو أمر ضروري لضمان السيادة اليهودية في أسرع وقت ممكن. فرصة انشاء اغلبية يهودية على المدى القريب بعد ابادة 6 ملايين يهودي، كانت خيالية. وكانت حاجة الى “احضار لاجئي الكارثة الى البلاد”. ومن عارض هذه الفكرة بشكل قاطع كان اليمين الاصلاحي برئاسة بيغن، واليسار الفاعل برئاسة اسحق تبنكين، اللذان فضلا انتظار الاغلبية اليهودية في جميع البلاد.

 

العرب، الذين خافوا من تحمل نتائج الكارثة، عبروا عن معارضتهم الشديدة لفكرة قدوم اليهود وتقسيم البلاد، الامر الذي سيُمكن الاقلية اليهودية من السيطرة على ارض اسرائيل – فلسطينة، كان موقفهم لا يقبل التهاون، واعتبروا “قانون الاراضي” من العام 1949 الذي منع اليهود من شراء الاراضي في البلاد، بمثابة الغاء لوعد بلفور.

 

في ذلك الوقت حاول البريطانيون التوصل الى تفاهمات مع الامريكيين حول مستقبل ارض اسرائيل. مؤتمر بريطاني – امريكي عقد وقدم توصياته في نهاية نيسان 1946، التي كان أهمها نقل السيطرة في البلاد الى الامم المتحدة. وحتى حدوث ذلك كانت التوصية باستمرار الانتداب البريطاني. وقد تقرر ايضا استيعاب 100 ألف يهودي من اوروبا في ارض اسرائيل بدون شروط، ورفع القيود عن شراء الاراضي من قبل اليهود ونزع سلاح الخلايا السرية.

 

المؤتمر لم يقنع وزارة الخارجية البريطانية، وتنصلت من توصياته. وتم الاتفاق مع وزارة الخارجية الامريكية على اقامة لجنة موريسون غرايدي، للتوصل الى تفاهم مشترك آخر بين القوتين العظميين. الحديث في هذه المرة تم عن تقسيم البلاد الى حكم ذاتي يهودي وعربي، برعاية بريطانية. وتم اقتراح 17 في المئة على اليهود من ارض اسرائيل الغربية بدون أفق سيادي، ومع نشر الخطة في تموز 1946، غضب الجميع تقريبا. فقد رفضها العرب لأنه خافوا من أن يتحول الحكم الذاتي لليهود الى دولة. والوكالة اليهودية اعتبرت الخطة تنازل عن السيادة وعبرت عن خشيتها من أن أذونات الهجرة ستكون مرتبطة بالآخرين. ترومان ايضا رفض اقتراح موريسون غرايدي وعاد وأكد طلباته السابقة.

خضوع بافين

الكونغرس الصهيوني الذي اجتمع بعد الجلس الاولى لمؤتمر لندن، كان متقدا. طلب وايزمن المشاركة في الجلسة الثانية بدون شروط وهدد بأنه اذا اتخذ قرار آخر، فلن يرشح نفسه لولاية ثانية كرئيس للحركة الصهيونية. ولكن تم وضع شروط: الموافقة على المشاركة في المؤتمر فقط اذا تغيرت سياسة بريطانيا من الهجرة الى البلاد. وقد نفذ وايزمن اقواله (تم استبداله ببن غوريون). ورغم أن بريطانيا لم توافق على شرط الحركة الصهيونية، تقرر المشاركة في المؤتمر.

 

على أعتاب الجلسة الثانية قرر البريطانيون اعطاء تسهيلات للطرفين. تم اطلاق سراح قادة الحاضرة اليهودية من سجن اللطرون، على خلفية تنصل الوكالة اليهودية من استخدام الارهاب. أما ممثلو اللجنة العربية العليا فقد سمح لهم المشاركة في المؤتمر شريطة أن لا يكون ذلك المفتي. وبدلا منه شارك جمال الحسيني، المتطرف والرافض.

 

وزير الخارجية البريطاني، بافين، فهم أنه لا يمكن التوصل الى اتفاق حتى لو بصيغة تكون أكثر قربا للفلسطينيين من صيغة موريسون غرايدي. لذلك قام بتمرير قرار في الكابنت البريطاني حول نقل صلاحية حسم مستقبل ارض اسرائيل الى الامم المتحدة، وحتى ذلك الحين يستمر الانتداب.

 

يبدو أن بافين اعتقد بأن الامم المتحدة لن تنجح في حسم الموضوع، والانتداب سيبقى في أيدي بريطانيا. ولكن خلافا لرغبته، فقد كان قراره بمثابة المساهمة الأكبر في اقامة دولة اسرائيل.

"اسرائيل" اليوم   9/9/2016

صحيفة رأي اليوم

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد