انقسام اللجان الشعبية في المخيّمات ينعكس على الخدمات المقدمة للأهالي

الخميس 08 فبراير 2018
صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

لبنان - بوابة اللاجئين الفلسطينيين

نشوى حمّاد

أصبحت اللجان الشعبيّة، المرجعيّة المحلية في المخيّمات، بعد اتفاق القاهرة عام 1969، الذي نظم الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان بين منظمة التحرير والسلطات اللبنانية برعاية مصرية.

حصلت منظمة التحرير بهذا الاتفاق على حق تشكيل لجان محلية وإنشاء نقاط للكفاح المسلح داخل المخيّمات الفلسطينيّة فجاء تشكيل اللجان الشعبية بتمثيل من الفصائل، إضافة إلى الإتحادات واللجان الشعبية والفعاليات المستقلة لإدراة شؤون المخيّمات المعيشية والخدماتيّة، من كهرباء وماء ومعالجة البنى التحتية، وذلك بالتنسيق مع الجهات المعنية في الدولة اللبنانية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين"الأونروا"، والمؤسسات الإجتماعية والسياسية الأخرى.

ولكن هذه الحالة لم تدوم، اذ خرجت منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان عقب الإجتياح الصهيوني عام 1982، وفي حزيران 1987، وقع الرئيس اللبناني حينها، أمين الجميّل، على قانون يلغي اتفاق القاهرة، وعاشت المخيّمات عندها حالة من عدم الإستقرار بسبب غياب المرجعيات المحليّة والسياسية التي تمثلها.

وبسبب كل الأزمات التي مرّت بها منظمة التحرير خلال تلك السنوات، كان لا بد من تأثر عمل اللجان الشعبيّة بالمخيّمات، فالانقسام السياسي الفلسطيني بين مكونات منظمة التحرير وتحديداً في العام  1983بعد انشقاق حركة فتح الانتفاضة وبسط نفوذها  لاحقاً مع حلفائها على مخيمات نهر البارد والبداوي وبرج البراجنة وشاتيلا ومار الياس اخضع اللجان الشعبية لها، باستثناء مخيمات الجنوب التي بقيت اللجان الشعبية تعمل تحت مظلة منظمة التحرير.

سنة 2000، اعتبرت نقطة تحوّل للمخيّمات الفلسطينية، بعد انقسام اللجنة الشعبية داخل المخيّمات إلى لجنتين، لجنة تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية وهي التي تأخذ الطابع الرسمي ويرتكز عملها بشكل رئيسي على التنسيق مع الجهات المعنية في الدولة اللبنانية، و وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، ، بما يخصّ أوضاع اللاجئين في المخيّمات، بالاضافة لصلاحياتها في ملف التربية، ومتابعة المشاريع التنموية ومشاكل البناء العشوائي والسعي لادخال مواد الإعمار إلى المخيّمات، وصيانة الوحدات السكنية الآيلة للسقوط، وتحسين البيئة من خلال التفاعل مع البلديات، ومن واجباتها أيضاً العمل في الملف الصحي للاجئين الفلسطينيين، وذلك بالتعاون مع المؤسسات الصحية سواء التابعة للـ"الأونروا" أوالهلال الأحمر الفلسطيني، أما لجنة التحالف التابعة للفصائل، فهي تتولى شؤون ملف الخدمات في المخيّم من تأمين مياه وكهرباء، وتحصيل الرسوم الشهريّة أو الجباية السنويّة من الأهالي.

هذا الانقسام والتضارب بعمل اللجان، انعكس بشكل سلبي على الأوضاع  المعيشيّة والخدماتيّة لأهالي المخيّمات، بسبب عدّة اعتبارات، سياسية منها وأخرى شخصيّة، ومن أبرز تلك المشاكل، أزمة الكهرباء والمياه.

أزمة الكهرباء في مخيّم برج البراجنة

كل هذه الصراعات والإنقسامات بين لجنة المنظمة ولجنة التحالف كانت كفيلة بإحلال الظلام في العديد من الأحياء في مخيّم برج البراجنة بالعاصمة اللبنانيّة بيروت، بعد انقطاع شبه كامل لساعات التغذيّة الكهربائية في المخيّم ، وأصوات الأهالي تعلو مناشدةً  اللجان التحرك واتخاذ أيّة مبادرة، تكون كفيلة بمساعدتهم، خاصة بعد ازدياد رسوم الإشتراك الكهربائي، لنحو 200 ألف ليرة لبنانيّة شهرياً، مما يزيد الضيق والخناق على سكان تلك الأحياء.

مشاكل الشبكة الكهربائية لا تنحصر ضمن نطاق عدد ساعات التغذيّة، أو انقطاعها التام ، بل تتشعب وتتداخل في مشاكلها لتصب في مكاتب اللجان الشعبيّة لعلها تجد الحل، الذي سينقذ أرواح بريئة من خطر الموت في أزقة المخيّم.

بدأت الأزمة بالتفاقم مع تراكم الديون على المخيّم لصالح شركة كهرباء لبنان،  والتي بدأت منذ عام 2006، بعد ما بدأ جباة اللجان باستلام الرسوم من الأهالي، على أساس تسليمها إلى شركة كهرباء لبنان، ولكن الواقع كان مخالفاً لما قيل، وفي هذا الصدد، أكّد عدد من النشطاء لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، أنّ الرسوم كانت تذهب إلى أمور آخرى لصالح اللجان، منها شخصيّة ومنها خدماتية للمخيّم، كل تلك المخالافات أدّت الى توريط اللجنة الشعبية بديون باهظة ، لصالح شركة كهرباء لبنان، وهي مجمل تراكمات منذ العام 2006.

المشكلة لم تنتهِ هنا، فبعد ازدياد عدد السكان في المخيّم، بدأت الشبكات الكهربائية تأخد شكل الشبكات العنكوبتية، بتشعباتها وتداخلها مع بعضها البعض، ومتشابكة مع مواسير المياه،  بعدما عمد بعض الناس إلى التعدي ومد أسلاك إضافية تفوق قدرة المحطات، وذلك لتأمين تيار كهربائي يساعدهم في تأمين حاجاتهم، بسبب انخفاض علوّها، نتيجة لإهمال المراقبين، وعدم محاسبة المتعديين، وبعد الحمولة الزائدة هذه على المحطات الكهربائية، تعطلت بعضها وانقطعت الكهرباء عن العديد من الأحياء.

لم تاخذ هذه الشبكات، لقب العنكبوتية فقط، بل عُرفت بالقاتلة أيضاً، فالأسلاك الممتدة على علو منخفض في أزقة المخيّم، والمتشابكة مع مواسير المياه، أزهقت العديد من الأرواح على مرّ الأعوام.

صرخة شعب

منذ نحو عام، ضاقت السبل بأهالي مخيّم برج البراجنة، بعدما تفاقمت الأزمة والمعاناة وزادت نسبة الوفيات بسبب الأسلاك العشوائية، فاندفعوا بمسيرة غضب جماهيريّة، ما استدعى خروج مسؤول اللجنة الشعبية وأمين سرها، إضافة لمسؤول ملف الكهرباء فيها، خارج المخيّم، واقفلت اللجنة أبوابها لمدة 3 أيام، تحت ضغط من الأهالي، وفق ما قال الناشط وائل فتح الله لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين".

وأضاف فتح الله : "لكن بروز بعض الأحداث الأمنية في المخيّم حالت دون توقف هذه التحركات الاعتراضية ، مما استدعى الشباب والنشطاء إلى الإتحاد معاً، وعقد لقاء أطلق عليه إسم "اللقاء الموسع"، بهدف تحسين الأوضاع على كافة أصعدتها في المخيّم، لمساعدة الأهالي، وشهد هذا اللقاء توسعاً، بعد أن انضمّت إليّه عدد من المؤسسات والجمعيات الأهلية الفلسطينيّة".

أبرز وأول الأمور التي ناقشها النشطاء والأهالي خلال "اللقاء الموسع"، هي مشكلة الكهرباء، وتحديداً مشكلة حي الوزان، الذي ما زال إلى الحين يعاني من انقطاع تام في التيار الكهربائي، ويستمد سكّانه الانارة من مولدات الإشتراك، التي أصبحت أسعارها باهظة جداً، وتصل في بعض المناطق إلى 200 ألف كإشتراك شهري، مطالبين المعنين بإيجاد حل بأسرع وقت.

وبعد مرور أشهر، ما لبث وإن عاد ملف الكهرباء وفُتح، بعد إعلان شركة كهرباء لبنان، عن نيّتها بإعلان مخيّم برج البراجنة، مخيّم نموذجي بشبكات الكهرباء، عبّر بناء 3 محطات كهربائية إضافية للمخيم، لزيادة التغذية فيه وفق بعض الشروط ومنها تسديد اللجان الشعبية للديون، وإيجاد  مساحات في المخيّم لهذه المحطات.

بدأ النقاش في هذا المشروع، بحضور وإشراف من الصليب الأحمر الدولي، والذي بدوره لعب دور الوسيط بين اللجان الفلسطينية وشركة كهرباء لبنان، وبعد كل الوعود والإجتماعات التي عقدت في مقر شركة الكهرباء، أوصدت كل أبواب الحلول، وأصبحت الكرة في ملعب اللجنة الشعبية، فالشرط الأساسي لم يقدر المعنيين على تحقيقه، ودفع كل الديون.

تلك الآمال التي هدمت، أشعلت شرارة غضب جديدة عند أهالي المخيّم، فخرج العشرات في مسيرات ومظاهرات تنديداً بذلك، مطالبين اللجان الشعبيّة بإيجاد حل لهذه الأزمة.

لجنة شعبية موحدة

شهد مخيّم برج البراجنة، مسيرات عدة أخذت طابع الغضب في الآونة الأخيرة، للمطالبة بإيجاد حل لأزمة الكهرباء، عبر التعاون مع شركة كهرباء لبنان، وتأمين شروطها، هذه التحركات وضعت اللجنة الشعبية تحت عدّة ضغوطات، وكان من نتائجها وفق ما ورد من معلومات خاصة لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، إعلان اللجنة عن نيتها تشكيل لجنة شعبية جديدة موحدة، يشترك فيها كل من أعضاء منظمة التحرير والتحالف، إضافة لمشاركة عدد من أهالي المخيّم فيها أيضاً، حسبما ما أوردت المصادر، بهدف التخفيف من حدّة الحراك الشعبي المناهض لها والمندد بسوء خدماتها.

 وفعلاً تم الإجتماع لمناقشة هذا القرار والبت في بنوده، ولكن تقاعص عدد من الفصائل خلال الإجتماع أدى إلى تأجيل إعلان اللجنة، تحت ذرائع مختلفة، منها إشتباكات مخيّم عين الحلوة الأخيرة، والمناسبات الدينية التي جاءت خلال فترة الإجتماعات، كلها أمور تذرّع بها المسؤولون  للتهرب من إعلان تشكيل اللجنة الجديدة.

الأهالي والنشطاء، لم ينجروا وراء السيناريو المرسوم، بل عمّدوا إلى تشكيل حراك شعبي جديد، وأصدروا بياناً هددوا فيه بالتصعيد في حال لم تتحقق مطالبهم بتشكيل لجنة جديدة، وعلى هذا الأساس عاد  الإجتماع من جديد ، وما تزال اللجنة حتى الآن غير معلنة رسمياً، بسبب الاعتراض على الأشخاص المرشحين من قبل الأهالي في اللجنة الموحّدة.

وأكد فتح الله للبوابة، أنّ الحل الوحيد لعلاج أزمة الكهرباء في المخيّم، يكمن في إنشاء اللجنة الشعبية الموحدة، لإن من ضمن بنودها مسك زمام أمور كل المشاريع الخدماتية في المخيّم وتحسينها، إضافة للمراقبة والمحاسبة بحال حدوث تعدي أو مخالفة، كما وستكون الممثل الرسمي أمام شركة الكهرباء، للإتفاق حول صيغة رسمية لضمان وصول الرسوم للشركة.

لجنة قاطع الصيانة .... شعاع داخل الظلام

"لا حياة لمن تنادي"، كانت المحفّز الأول عند الأهالي والنشطاء في حي التراشحة وحي الصيانة، بمخيّم برج البراجنة، لخلق مبادرات أهلية، وإنقاذ الأرواح داخل المخيّم، عبّر فصل مواسير المياه عن الأسلاك الكهربائية وتنظيمها، معرضين حياتهم للخطر، حيث سجلت هذه الأعمال عدد من الإصابات في صفوف المتطوعين، ولم تقتصر أعمال المتطوعين على الكهرباء، بل عمدوا أيضاً إلى تنظيم البنى التحتيّة، ومبادرات لتنظيف الأحياء.

زيادة رسوم الإشتركات الكهربائية

بعد زيادة نسبة التقنين الكهربائي داخل أحياء المخيّم، عمدوا أصحاب المولدات الكهربائيّة إلى زيادة الأسعار، حيث وصلت الرسوم إلى أكثر من 200 ألف ليرة لبنانية شهرياً، أدى إلى احتشاد  الأهالي في اعتصامات ليطالبوا بخفض تلك التسعيرات التي تزيد من أعباء وضعهم الإقتصادي، وطالبوا المعنيين بايجاد حل، خاصّة أنّ أغلب أهالي المخيّم غير قادرين على تحمّل كل تلك المصاريف الماديّة.

الانقسام السياسي الفلسطيني الذي انعكس على عمل اللجان الشعبية المناط بها تقديم الخدمات لأهالي المخيمات وتمثيلهم، زاد على اللاجئ مرارة اللجوء والحرمان، فما بين الرؤية الأمنية والسياسية للدولة اللبنانية لقضية اللاجئين الفلسطينيين والمخيمات، وفساد وانقسام اللجان الشعبية والخلل في آليات عملها، بات الأهالي ينتظرون  انتخاب اللجان الشعبية من قبلهم أو أي شكل يسمح لهم بالمشاركة بتحسين واقعهم المتردي ولو على صعيد الخدمات والحياة اليومية.

خاص - بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد