لبنان
زينب زيّون


"استهداف مخيّم عين الحلوة، وتوتير الأوضاع الأمنية"، عبارة تختصر ما يحدث اليوم داخل المخيّم الواقع في مدينة صيدا جنوبي لبنان، فمواقع التواصل الاجتماعي باتت، في الآونة الأخيرة، منطلقاً لبثّ مشاعر الإحباط في نفوس الأهالي، ونشر الأكاذيب والأخبار المُضخّمة، التي لا تصبّ إلا في مصلحة هؤلاء الذين يسعون للنيل من المخيّم والاخلال بأمنه واستقراره.
 
 لذا عمد عدد من الشخصيات والمؤسسات لعقد اجتماع، بهدف وضع خطة كفيلة بضبط مواقع التواصل الاجتماعي،  فما هي أهميّة هذه الجهود؟ وإلى أي حدّ يمكن ضبط تفلّت استخدام هذه الوسائل؟ وما هي أبرز انعكاسات سوء استخدام هذه المواقع على أمن واستقرار مخيّم عين الحلوة؟

استخدام وسائل التواصل الاجتماعي جزء من النظام اليومي للفرد
قال رئيس الهيئة الإدارية لجمعية ناشط الثقافية والاجتماعية ظافر الخطيب:  "إنّ وسائل التواصل الاجتماعي صارت جزءاً من النظام اليومي للفرد، غير أنّ هذا الاستخدام جاء في ظل ظروف اجتماعية ونفسية تتّسمُ بالضعف والتّهتك، وعليه فإنّ استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كان استخداماً غرائزياً لا واعياً، ويستجيب لحاجة ملء الوقت والترفيه عن الذات، وإشباع حاجات عاطفية وربّما نفسية".

 
رئيس الهيئة الإدارية لجمعية ناشط الثقافية والاجتماعية ظافر الخطيب


متابعاً لموقع بوابة اللاجئين الفلسطينيين: "أمّا على المستوى الفلسطيني، يبدو الأمر أكثر تعقيداً، صحيح أنّ الفلسطيني إنسان كباقي البش، لكنّ اللجوء في لبنان أثقل كاهله بظروف غاية في الغموض والتشابك، خصوصاً في ظلّ حرمانه من التحرّك في حيّز ضيق على مستوى الخيارات والحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وهذا ما ضاعف من السلبيات بحيث بات من الضروري وضعها في خانة الإشكاليات التي تحتاج إلى عمليات علاجية".

سلبيات كثيرة تنتج عن سوء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي
وعن الانعكاسات السلبية، قال الخطيب إنّ "السلبيات يمكن اختصارها على الشكل التالي: "أولاً: هدر الوقت وضرب قيمة العمل والإنتاج، حيث كشفت دراسة أجرتها جمعية ناشط، حول الشباب والهوية الفردية والوطنية، وتناولت 300 شاب وشابة (17-20 سنة)، عن أنّ الشباب الفلسطيني يستهلك كمية من الوقت تصل حتى معدل سبع ساعات يومياً، أي ما يُعادل 2520 ساعة في السنة، وكشفت الدراسة أنّ الوقت المُستهلك غالباً ما يتركّز على المُحادثات والألعاب، ثانياً: تراجع في الحيوية النشاطية على المستوى الجمعي واختصار التعبير عن القناعات والمواقف من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما حرم المجتمع الفلسطيني من مبادرات شبابية تجاه قضايا المجتمع. ثالثاً:  استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في شيطنة الآخر، أي الإساءة إليه وانتهاك خصوصياته، رابعاً: المساهمة في التفكك الاجتماعي، حيث أسهمت مواقع التواصل الاجتماعي في إحلال عادات بديلة عن التواصل اليومي بين الأفراد".

وعن مخيّم عين الحلوة تحديداً، تحدّث الخطيب شارحاً أنّ "السلبيات السابق ذكرُها تُعتبر أساسية، لكن يُمكن إضافة الانعكاسات السلبية التالية عليها: كمثل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في معرض التشهير وانتهاك الخصوصيات،  تعميق الإنقسام السياسي من خلال بث أخبار ملفقة في بعض الأحيان، أو أخبار مبالغ فيها، زيادة الإحتقان من خلال التحريض ضد الأفراد والجماعات،  تهديد أمن السكان من خلال تضخيم المعلومات خاصة في حالات التوتر الشديد،  خلق بيئة غير آمنة للأفراد وتنقلاتهم داخل المخيم ومن المخيم إلى الخارج، تهديد الأمن التربوي من خلال إثارة أجواء من التوتر تُخالف حقيقة ما يحصل (وهذا كان يؤدي إلى التعطيل" .

التعامل مع مسألة الحلول يجب أن تكون منخفضة التوقعات
الخطيب أوضح أنّنا "حتى نكون واقعيين، فإن المشكلة كبيرة لا سيّما أنّ الأجهزة المُستخدمة (laptop، I pad، mobile) صارت مُتاحة لجميع الأفراد تقريباً، وبالتالي فإن التعامل مع مسالة الحلول يجب أن تكون منخفضة التوقعات، لا سيما في ظلّ غياب المرجعيات السياسية، الأمنية، الاجتماعية، التربوية، فأي علاج يجب أن يستند إلى عملية تنسيق على مستوى الأدوار والصلاحيات في إطار استراتيجية وطنية جامعة، وعليه فإنّ ما هو مطلوب أوّلاً: التعامل الجدّي مع المخاطر التي يسببها الاستخدام الخاطئ لوسائل التواصل الاجتماعي، ثانياً: محوريّة دور الوالدَين في إرشاد وتوعية الأولاد، ثالثاً: إعادة الاعتبار للأنشطة الثقافية، الفنية والرياضية، وتخفيف استخدام الوسائل المتاحة في المنزل، رابعاً: أن تلعب الأطر المجتمعية دورها في زيادة مستوى الوعي بأهميّة الوسائل المُتاحة.

وأشار الخطيب إلى أنّه من الضروري "صياغة وثيقة شرف بين المجموعات، بإشراف المرجعيات السياسية وبمراقبة القوى الأمنية، تلحظ هذه الوثيقة الضوابط والممنوعات، على أن يكون هناك إجراءات عقابية بحق أي انتهاك يصدُر عن أيّة مجموعة. 

من جهتهم، اشتكى أهالي المخيّم من تزايد مجموعات الأخبار على تطبيق "الواتس آب"، حيث أخبروا فريق "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، أنّ "هذه التقنيات من شأنها أن تُشعل نار المشاكل بين أهالي المخيّم، لأنّ أشخاصاً يعمدون نشرها لإثارة النعرات وافتعال المشاكل". كيف لا وبعض الأهالي يُصدّقون كل ما يُنشر عبر تلك المجموعات، دونما البحث عن مصدر الخبر ومدى صحّته.

وفي هذا السياق، التقى فريق "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، بالشابة الفلسطينية ناهدة حليمة، التي أخبرتنا أنّها عمدت على إلغاء مشاركتها بكافة المجموعات الإخبارية الموجودة على "الواتس آب"، مشيرةً إلى أنّها تتلقى عدداً من أخبار المخيّم، من أصدقاء لها، لكنّها سُرعان ما تبحث عن مدى مصداقية هذا الخبر قبل الشروع بنشره.

وفي ذات السياق، قالت الشابة الفلسطينية نورهان الرفاعي، إنّها لا تتبنّى أي خبر يصلها عبر أيّة مجموعة إخبارية، إلا إذا كان مصدر هذا الخبر معروفاً ومشهوداً بأمانته  ودقّته في نقل الأخبار، أو إذا كان الخبر مرفقاً بمصدر رسمي معروف.

تطبيقات الكترونية قد تدفع اللاجئين نحو الهلاك!!
من جهته، صرّح مسؤول الجبهة الديمقراطية في مخيّم عين الحلوة فؤاد عثمان، الذي شارك بالاجتماع الذي عُقد بمركز ألوان داخل المخيّم، بدعوة من المركز الثقافي الفلسطيني ومنتدى الإعلاميين الفلسطينيين (قلم)، أنّ "وسائل التواصل الاجتماعي في مخيمات لبنان عموماً ومخيّم عين الحلوة خصوصاً بات موجّهاً وفقاً لمصالح تخدُم فئات أو جهات سياسية، ومادة تحريضية على كافة المستويات، بدءاً من بثّ الشائعات الأمنية والاجتماعية". مُتابعاً أنّ "الهدف من ذلك هو خلق بلبلة  لدفع اللاجئين نحو الهلاك".

 
مسؤول الجبهة الديمقراطية في مخيّم عين الحلوة فؤاد عثمان


وأوضح عثمان أنّه "من هنا جاء عقد الاجتماع، وهي مبادرة هدفت إلى ترشيد وتوجيه المجموعات الإخبارية، للالتزام بخطّة نشر معيّنة والابتعاد عن تناقل الأكاذيب، في وقت تبنّت فيه القيادة السياسية في صيدا فكرة طرح برنامج متكامل، تُشرف عليه لجنة منبثقة عن القيادة السياسية، وبمتابعة من القوة المشتركة الفلسطينية". 

وعن أسباب انعقاد هذا الاجتماع، أشار عثمان إلى أنّه "وبعد أن تحوّلت الشائعات على وسائل التواصل الاجتماعي إلى مادة تحريضية داخل المخيم، برزت مساعٍ تبغي إيجاد حل ووضع أسس عمل لتلك المجموعات، حيث تمّ مناقشة موضوعات عدّة خلال الاجتماع، أبرزها سبل توحيد الجهد في وقف استخدام الوسائل المتاحة بغية ترويج الشائعات، بل نقل الخبر السليم والصحيح، عدم المشاركة في مجموعات تديرها أرقام وهمية".

عثمان أكّد على أنّه "نتيجة الأوضاع الأمنية المتوترة داخل المخيم، يتناقل الأهالي أي خبر قد يصلهم، ويتصرّفون على أساس أنّه صحيح فيتم نسخ الخبر دون التأكّد السابق عن صحة هذا المادة المكتوبة، وهذه الشائعات تنعكس سلباً على المخيّم وأهله، فسرعان ما تغلق أبواب المحلات التجارية، وتشلّ الحياة الاقتصادية، حتى المدارس والمؤسسات الأهلية تتأثّر بذلك".
وعن الحل المناسب، رأى عثمان أنّ "سُبل المعالجة تكمن في إقناع مديري المجموعات بتحمل مسؤولياتهم، بعدم المساهمة في بث الشائعات وتناقلها، بالإضافة إلى حلّ كافة المجموعات الوهمية، وحذف كل من ينقل أخباراً مشبوهة أو كفيلة بتوتير الوضع، فالأجواء المشحونة تدفع بالناس للتفاعل مع الخبر بشكل سريع)".
خاص - بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد