قطاع غزة 

شهدت الأيام الأخيرة تسليم اللجان الشعبيّة لخدمات اللاجئين في قطاع غزة، المُنبثقة عن منظمة التحرير الفلسطينية، وذلك في أعقاب قرار رئيس دائرة شؤون اللاجئين في المنظمة أحمد أبو هولي، بإعادة تشكيل اللجان وتشكيل لجان تحضيريّة لمدة مؤقتة.

القرار الذي نصّ على حل اللجان الشعبيّة في ثمانية مُخيّمات للاجئين بقطاع غزة، لاقى ترحيباً فصائليّاً، ودعماً للخطوة، لكنه لم يكن محل ترحاب أو قبول من حركة "فتح" في بدايته، إلا أنّ ضغوطات من قِبل "المقاطعة" أجبرتهم على القبول بالاتفاق.

دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير، أكّدت في بيانٍ صدر عنها، الجمعة 11 تموز/يوليو، أنّها "اتخذت قراراً بعد تفاهمات مُسبقة جرت مع فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، بتصويب أوضاع اللجان الشعبيّة في مُخيّمات قطاع غزة"، وبرّرت الدائرة التي يرأسها عضو اللجنة التنفيذيّة في المنظمة، أحمد أبو هولي، أنّ "هذه اللجان انتهت مدة دورتها القانونيّة لأكثر من 12 عاماً ومنها ما لم تعقد جمعيّاتها العموميّة منذ 23 عاماً."

المُبررات التي ذُكرت تبدو ظاهريّاً عن بُعد غير قابلة للتشكيك أو التناقض معها، لكن الأمر لم يقتصر على انتهاء مدة دورة هذه اللجان وما ذكرته الدائرة من أسباب، فحسب مصادر خاصة لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، الأمر ارتبط بفساد مالي كبير داخل اللجان منذ سنوات، كشفه رئيس الدائرة أبو هولي، ولديه أدلّة وبراهين على ذلك، إلّا أنّ الرجل حاول أن يتخطّى أي حرج للجان.

على سبيل المثال، نتحدث هنا عن ميزانيّة قرابة (9000 – 12000) شيكل تُصرف للجان الشعبيّة كل ثلاثة أشهر، وللمكتب التنفيذي (31000) شيكل، لا أحد يعلم عنها شيء، من حيث آلية الصرف والاستخدام وخلافه، وغير مُثبت فيها شيء، علماً بأنه من المُفترض أن تُصرف للاجئين الفلسطينيين من أجل مُساعدتهم للصمود أمام التحديات التي تُواجههم، إن كان بصرف مباشر كمساعدة أو مشاريع لتسهيل حياتهم وتخفيف الضغوطات التي يُعانون منها، خاصة في وضع قطاع غزة الذي يخضع لحصار مُشدد منذ نحو (13) عاماً وآثار كارثيّة للعدوان المُستمر من قِبل الاحتلال، والأزمات الداخليّة التي تتفاقم مع مرور الوقت.

ولم يقتصر الأمر على الميزانيّة فحسب، فالفساد المالي كان ينخر اللجان بطُرق صادمة وغير مُتوقّعة في أبسط التفاصيل.

ما لم ولن تذكره دائرة اللاجئين في بيانها، حول "تصويب أوضاع اللجان الشعبيّة"، أنّ القرار يأخذ في مجراه "تصويب" آخر -وهو المصطلح الذي استخدمته الدائرة في بيانها- يرتبط بإنهاء أي وجود أو ارتباط باللجان لمُناصرين يتبعون محمد دحلان النائب عن حركة "فتح" المفصول والمُستبعد عن ساحة الحركة منذ سنوات، حيث يترأس بعض اللجان مُناصرين له، وكذلك ينتشرون كأعضاء هيئات في معظم اللجان.

ومنذ أحداث الانقسام بين حركتي "فتح" و"حماس" التي جرت عام 2007، لم يعد هناك ملامح تُذكر لوجود رسمي لحركة "فتح" إلا بما تُمثّله في بعض المؤسسات، وأوضحها وأهمها اللجان الشعبية للاجئين في قطاع غزة، وهو ما تُحاول الحفاظ عليه حتى الرمق الأخير، وبالطبع يخضع الأمر لمعارك الاستحواذ المُستمرة بين "فتح دحلان" و"فتح عباس" في كافّة الساحات، وهنا يأتي دور أبو هولي الذي يرأس دائرة اللاجئين في منظمة التحرير التي يقف على رأسها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، فالرجل يسعى إلى تأسيس جيش جديد وحلفاء له في ساحة دائرة اللاجئين ولجانها.

وظهر جليّاً أمر "إنهاء الوجود الدحلاني في اللجان الشعبيّة" حين أصدرت دائرة اللاجئين قرار حل اللجان، حيث لاقى مُمانعة من حركة "فتح"، إلى أن تم الاتفاق بعد ضغط من رام الله، وقامت اللجان بالفعل بالتسليم في يومي الأربعاء والخميس 9 و10 تموز/يوليو الجاري، كل في مكانه، باستثناء لجنة مُخيّم جباليا شمالي قطاع غزة والتي يرأسها جمال أبو حبل، إلى أن سلّمت فيما بعد، في مدينة غزة وليس بمقر اللجنة، وذلك بحضور نائب رئيس اللجنة.

وأعرب رؤساء بعض اللجان خلال الأيام الأخيرة الماضية عن رفضها لقرار دائرة اللاجئين، واعتبروه سياسيّاً وغير قانوني، وأنّ اللجان تأسست قبل تشكيل دائرة اللاجئين ولا يحق لرئاستها حل اللجان وتسليمها للجان تحضيريّة دون التوافق مع الجميع.

فمن جانبه، اعتبر أبو حبل قرار الدائرة غير قانوني وليس من صلاحيّة رئيس الدائرة، فاللجان جسم شعبي شُكّل من هيئات شعبيّة انتخبت لجانها بنفسها، وكل عامين تتجدّد الانتخابات ويكون ذلك غالباً بالتوافق.

فيما اعتبر رئيس اللجنة الشعبيّة في مُخيّم دير البلح وسط القطاع، أكرم الحسنات، أنّ اللجان الشعبيّة عمل تطوعي تُوّجت بمؤتمرٍ شعبي شارك فيه رئيس السلطة الراحل ياسر عرفات، ولم تكن حينها دائرة شؤون اللاجئين.

ولفت الحسنات إلى أنّ اللجان في قطاع غزة تتلقّى مساعدات ماليّة من الدائرة، فيما تحصل لجان في الضفة المحتلة على الأموال من وزارة الماليّة برام الله، مُوضحاً أنّ اللجان يحكم عملها نظام داخلي حيث يوجد لكل لجنة جمعيّة عموميّة، وهي مسؤولة عن تكليف رؤساء اللجان، ولم يُسجّل منذ تأسيس اللجان أن عملت دائرة اللاجئين في منظمة التحرير على تكليف أي رئيس. وأشار إلى أنّ دور اللجان التحضيرية هو التحضير للإنتخابات أو إعداد مؤتمرات وليس استلام لجان.
 

مخاوف فصائل منظمة التحرير

في القرار الذي اتخذته دائرة اللاجئين، يتم اختيار لجان تحضيريّة لعمليّة الاستلام والتسليم مدتها من تاريخ 7 تموز/يوليو وحتى مدة شهر من تاريخه، يجب خلاله أن يتم التوافق على اللجان الشعبيّة من فصائل المنظمة، ثم يتم التسليم لهذه اللجان، ويُشكّل المكتب التنفيذي للجان من كل الفصائل.

هنا، الإشكاليّة تكمن في محاولة حركة "فتح" إعادة إنتاج التجربة مُجدداً، فهناك تخوف من عدم تطبيق إعلان دائرة اللاجئين بأنّ اللجان الشعبيّة المُقبلة ستُمثّل فصائل منظمة التحرير والكفاءات الوطنيّة، فالمعلومات التي عُرفت "من تحت الطاولة" كما أسمتها المصادر الخاصة، تُشير إلى أنّ الترشيحات بمُعظمها من حركة "فتح" من طرف أبو هولي، الرئيس ونائبه وأمين الصندوق وأعضاء المكتب، من "فتح"، وتكون من مجموع عضوية اللجان "النصف+1"، وكل ذلك في سبيل السيطرة على اللجان، أي أنّ الأمر مُجرد استبدال للهيمنة والسلطة، وذلك تحت غطاء مصطلح وحجّة "الإصلاح."

وهذا ما رفضته فصائل المنظمة، حيث طالبت بالشراكة السياسيّة من خلال توزيع المهام في اللجان الشعبيّة لمُخيّمات اللاجئين في قطاع غزة، وإعادة تشكيل المكتب التنفيذي للاجئين، وألا تبقى "فتح" مُسيطرة على كافة التفاصيل.

موقف حركة "حماس"

من جانبها، استنكرت دائرة شؤون اللاجئين في حركة "حماس" الإعلان عن حل اللجان الشعبيّة التابعة لمنظمة التحرير في قطاع غزة، وقالت إنها تنظر بكثير من الخطورة إلى هذه الخطوة سواءً في مضمونها أو توقيتها، المُنسجم مع مشروع صفقة الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب لتصفية قضيّة اللاجئين وإسقاط صفة اللاجئ عن أعداد ضخمة من اللاجئين وإضعاف "الأونروا."

وأكّدت أنّ المُبررات التي يتم عرضها لتمرير هذه "الخطوة المرفوضة، مُبررات واهية ولا تصمد في ظل خطورة الخطوة وتوقيتها المشبوه".

وأشار البيان إلى أنّ الدائرة تنظر بكثير من الريبة جراء استمرار تعطيل تشكيل اللجان الشعبيّة، وترى أنه الأولى العمل على توسعتها وتشكيلها على أسس تُمثّل الكل الفلسطيني.

رفض حركة "حماس" لهذه الخطوة، لا يخلو من تخوّفات دخول خط آخر لحركة "فتح" يُهيمن على قطاع واسع من التمثيل في غزة المُتمثّل باللجان الشعبيّة للمنظمة، والتي تنتشر في كافّة مُخيّمات القطاع، خلفاً لخط كان قد تشكّل تقارب بينه وبين الحركة خلال السنوات الأخيرة.

الانتخابات

يحكم عمل اللجان الشعبيّة في مُخيّمات اللاجئين، النظام الداخلي "المُعدّل" لعام 2010، وهو مُعتمد من منظمة التحرير الفلسطينيّة، وحسب النظام الانتخابي الذي جرى تعديله، فإنه يكفل تشكيل لجان جديدة من ذوي الكفاءات.

طرحنا سؤالاً حول اختيار اللجان في مُخيّمات قطاع غزة بالتوافق وليس الانتخابات، رغم أنها مُقرّة في النظام الداخلي للجان الشعبيّة، أجاب المصدر بأنّ الانتخابات فيها تخوّف من فوز واكتساح حركة "حماس" في مُخيّمات قطاع غزة، وبذلك يكون التوافق في اللجان للحفاظ على التنوّع من كافّة الفصائل سواء داخل أو خارج منظمة التحرير.

في حالة الضفة المحتلة، انتخابات اللجان الشعبيّة للمُخيّمات في الضفة تجري بشكلٍ دائم، وذلك وفق النظام الانتخابي المُعدّل حسب الهيئات العامة، الذي خضعت له منذ نحو (8) سنوات، وعلى سبيل المثال أجريت آخر انتخابات في مُخيّم بلاطة قبل نحو عامين، وشارك فيها حوالي (2400) شخص.

وحسب النظام الداخلي للجان الشعبيّة، فإنّ الانتخابات تجري كل (4) سنوات، وأي تمديد يكون بتوافق وطني للفصائل الموجودة أو منظمة التحرير.

وبحكم الخلاف السياسي، حركة "حماس" في الضفة المحتلة لا تُشارك كتنظيم، لكن في الترشيحات تُعتمد في شريحة من الأطباء والمُعلمين والهيئات الإدارية للجمعيّات والمؤسسات وغيره في المُخيّمات، فهذه التصنيفات تشمل أفراد من "حماس، الجبهة الشعبية، فتح الخ" من الفصائل، لكن تمثيلهم يأتي كتمثيل في جمعيّات أو بحسب كفاءتهم المهنيّة.

وحق الترشيح مكفول لهذا الشخص من أي حزب سياسي أو غير ذلك، حتى وإن كان على خلاف سياسي، فأي عضو في هيئة عامة له حق مكفول، فالترشيح في انتخابات اللجان الشعبيّة فردي.

وكانت دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير قد تقدّمت بالنظام الانتخابي، وصادقت عليه اللجنة التنفيذيّة في المنظمة، قبل حوالي عشر سنوات، في الفترة التي كانت الدائرة برئاسة زكريا الآغا.

بالنظر لأوضاع اللجان الشعبيّة في مُخيّمات قطاع غزة، لا يبدو لها وجود إلا كمُسمّى وأشخاص ومقرات ولقاءات هنا وهناك والهالة الإعلاميّة التي تسعى لتسويق هذه اللجان بالعمل بأقل القليل، رغم ما يخوضه اللاجئ الفلسطيني من معركة وجود يوميّة، خاصة مع يدور في أروقة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، وكل ما انعكس على اللاجئين في المُخيّمات، من تقليصات وحرمان من حقوق وفصل من العمل، وهنا لم يظهر الدور اللازم للجان الشعبيّة إن كان بالضغط على "الأونروا" أو أي جهات أخرى مُرتبطة بالضغط على اللاجئين، أو بمساعدة اللاجئين من خلال مساهمات ومساعدات وغير ذلك.

لكن، اللجان الشعبيّة بحد ذاتها تُمثّل شريحة كبيرة من سكان قطاع غزة، وهم اللاجئون الذين يُشكّلون أكثر من ثلثي سكان القطاع، وهنا تأتي المنافسة بين عدة أطراف كما وردت في التقرير أعلاه، والتي تُصارع للاستحواذ على هذه اللجان، بهدف السيطرة على مركز قوّة شعبيّة داخل قطاع غزة الذي يشهد صراعاً على القوّة منذ سنوات، من جهة، أو خلق حلفاء لتقوية مركز شخص ما، من جهةٍ أخرى.

خاص - بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد