الكاتب علي بدوان

أرادوا له أن ينتهي في موتٍ سريري، إمتد من لحظاتِ التهجير التي وقعت أواخر العام 2012 والى اللحظةِ الراهنة. فاليرموك بات من حينها مُكفَهِرّاً دون الغالبية العظمى من أهله ومواطنيه، الذين أشادوا بنيانه مدماكاً فوق مدماك في شقاء السنين والعمر بعد نكبة العام 1948، وحولوه بجهدهم وبعرق الجبين الى مدينةٍ عامرةٍ في إطار الحدود الإدارية لمدينةِ دمشق، ونال في الوقتِ نفسه نصيباً كبيراً من الدور الكفاحي في سفر العمل الوطني الفلسطيني. 

مخيم اليرموك، المدينة، التجمع الفلسطيني، العنوان الأبرز لحق العودة، كان حالة مفعمة بالحيوية والضجيج الدائم، ضجيج الحياة الحياة العملية التي حوّلت العديد من شوارعه ومواقعة الرئيسية لأسواقٍ عامرة معظم زبائنها من خارج اليرموك وحتى من وسط مدينة دمشق. 

ضجيج الحياة العملية العامة، ترافق مع ظاهرة مُلفتة للإنتباه عند كل الدارسين للواقع السوسيولوجي الإجتماعي وتحولاته في مخيم اليرموك ومحيطه، وهي الظاهره المدروسة والتي تُشير بأن نسبة الفتيان تملأ المخيم وشوارعه وحاراته، في مجتمعٍ فتي تطغى عليه نسبة من هم دون سن الـ (16) عاماً.

المُعطيات الديمغرافية المُتوفرة قبل وقتٍ قصير من محنةِ مخيم اليرموك نهاية العام 2012، والصادرة عن عددٍ من الجهاتِ الرسميةِ المعنيةِ، ومنها الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب في سوريا، ووكالة الأونروا، والمركز الفلسطيني للإحصاء بدمشق التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، كانت تُشير بأن المجتمع الفلسطيني في مخيم اليرموك، وفي سوريا عموماً مُجتمع فتي، تكثُرُ فيه نسبة من هم دون سن السادسة عشرة، وتكاد تقارب نحو (65%) من أعداد مواطني ولاجئي فلسطين في سوريا. 

كما تُشير تلك المعطيات بأن المجتمع الفلسطيني في مخيم اليرموك، والفلسطيني عموماً في سوريا، يُعَدُ أقل المُجتمعات شيخوخة، مقارنة بالدول النامية والمُتقدمة، إذ لا تزيد نسبة كبار السن فيه (60 عاماً فأكثر) عن (4.4%) من المُجتمع. 

فالمجتمع الفلسطيني في سوريا، مجتمع فتي تتسع قاعدته العمرية الصغيرة باضطراد مع مرور الزمن بفعل عامل الخصوبة لدى المرأة الفلسطينية، وظاهرة النمو الأسي حيث تزداد أعداد أفراد المجتمع الفلسطيني في سوريا بمعدل شبه ثابت في وحدة الزمن (في المتوسط 3.5% سنوياً)، ونتائجه في زيادة عملية الإنجاب والنمو الطبيعي لنسبة السكان، لذا يتمتع اللاجئون الفلسطينيون في سوريا بكونهم مجتمعاً تكبر فيه قاعدة الهرم السكاني الممثلة بالأطفال والشباب ما قبل السادسة عشرة. ففي التوزع العمري وفق أهرامات العمر يطغى طور الشباب، ويليه طور الإنتاج، وطور مابعد الإنتاج، ويتحدد شكل الهرم السكاني لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا بمسقط مثلثي على المستوى أشبه بالمثلث المتساوي الساقين ذي القاعدة العريضة، مما يترتب عليه تراجع نسبة القوة البشرية العاملة، وازدياد أعباء الأسرة والإعالة تجاه متطلبات الحياة اليومية الصحية والاجتماعية والتعليمية، ومن هنا يتمتع مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا  بخصوبة مرتفعة نسبياً وتكاد تماثل نسبة الخصوبة في المجتمع السوري وتعادل 7,35. وتحدد الخصوبة القدرة الإنجابية للمرأة الواحدة في سن حياتها الاخصابية. 

إن مرد اتساع قاعدة الهرم العمري السكاني وطغيان الطور الشاب في الهيكل العمري للتجمع الفلسطيني في سوريا يعود إلى ارتفاع معدلات الخصوبة الكلية للمرأة الفلسطينية في سوريا مقارنة حتى بالمرأة العربية بالأقطار المجاورة وبالحدود النسبية. مع التراجع الملموس خلال السنوات الخمسة الأخيرة  "المحدود والمتدرج البطيء" لمعدلات الإنجاب تبعاً لتعقيدات الحياة الاقتصادية وضعف مردود الأسرة ودخول المرأة سوق العمل الإنتاجي. فيما كانت المعطيات قبل محنة اليرموك تُشير لإرتفاع معدلات توقّع البقاء على قيد الحياة بمقدار (4 إلى 7) سنوات خلال العقدين الماضيين، إذ ارتفع من نحو (67) عاماً لكل من الذكور والإناث عام 1992 إلى (71.0) عاماً للذكور و (73.9) عاماً للإناث، وهذا يعود لعدة عوامل.

وتُشير بيانات وكالة الأونروا في تقريرها السنوي الشامل المُقدم من المفوض العام للوكالة الى الأمين العام للأمم المتحدة، إلى الفئات العمرية للاجئين الفلسطينيين في سوريا ومنها مخيم اليرموك على وجه التحديد والمسجلين، والصادرة نهاية العام 2013،  في قيودها كما يلي :
 (36,51%) من عمر (15) سنة وأقل، (53,82%) بين (16 ـ 59) سنة، (9,67%) من عمر (60) سنة وأكثر. بينما تُشكّل نسبة النمو السكاني وسط اللاجئين الفلسطينيين في سوريا واقعاً تزايدياً عن السنة التي سبقت العام 2013 بنسبة (3,3%)، وبنسبة تبلغ (3.6%) إلى مجموع اللاجئين الفلسطينيين بشكلٍ عام، وتبلغ نسبتهم إلى مجموع اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في سجلات وكالة الاونروا نحو (10,3%)، ونسبتهم إلى السكان في سوريا (2,9%) من مجموع سكان سوريا، وتبلغ نسبتهم إلى المجموع العام لكل أبناء الشعب الفلسطيني (7%) مسقط منهم أعداد ليست بالقليلة لم يتم اعتمادهم في سجلات الأونروا لأسباب متعددة، فضلاً عن وجود عدة آلاف من اللاجئين العرب السوريين الذين كانوا يقيمون في فلسطين لحظة النكبة عام 1948، وتعرضوا للتهجير واللجوء كما تعرض الفلسطينيون، وخسروا أملاكهم في فلسطين من عقارات وأراضي ومصالح مختلفة، والحال فإنهم بقوا خارج كشوف وكالة الأونروا، ففي فلسطين قبل النكبة  كان يُقيم النكبة عشرات الآلاف من المواطنين العرب، من سوريا (خاصة من أبناء مناطق دمشق وحوران والجولان …) ولبنان والأردن، وكانت مدن : القدس، حيفا، صفد، عكا، يافا، طبريا، بيسان، نابلس … قد استحوذت في حينها على القسم الأكبر منهم، وغالبيتهم كان يقيم بقصد العمل أوالتجارة ، أو السكن الأسري العائد للتداخل العائلي المشترك.

وبالإستخلاصات الأخيرة، وحتى لحظات المحنة الأخيرة لفلسطينيي سوريا، يُعتبر التجمع الفلسطيني اللاجىء في سوريا مجتمعاً نشيطاً ومبادراً على كل محاور الحياة، كما هو حال التجمعات الفلسطينية اللاجئة في البلدان العربية المختلفة. ولم يُشكّل في أية لحظة عامل إعاقة، أوعالة، إنَّ كان على محيطه أو في مكان اللجوء الجغرافي. وكما بادر الفلسطينيون للمساهمة ببناء دول الخليج العربي خلال عقود استقلالها الأولى، فان اللاجئين الفلسطينيين في سورياـ خاصة وأن نكبة فلسطين تزامنت مع سنوات الاستقلال الأولى لسوريا العربية ــــ شكّلوا عامل بنّاء في الجوانب الاقتصادية والثقافية التربوية التعليمية والسياسية وفي باقي أوجه الحياة في سوريا. 
خاص - بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد