لبنان
زينب زيّون

"يا بنت الملوكِ.. جايين يخطبوك.ِ. من إمك وأبوكِ.. كعك الشام غالي.. تسلم ذقن خالي.. خالي بالعليّة طابخ لَبَنِيّة.."، أهزوجة لطالما ترددت على مسامعنا لدى تجوالنا داخل المخيّمات الفلسطينية في لبنان، على أفواه شباب وأطفال فرحوا بقدوم شهر رمضان، وهي واحدة من الأهازيج التي حفظوها من آبائهم وأجدادهم، فباتوا يرددونها وهم يسيرون في شوارع وزواريب المخيّم عُقب موعد الإفطار. لكن الأمر اختلف هذا العام، في مخيّم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين جنوبي لبنان، أوضاع أمنية ومعيشية، أدّت في نتاجها إلى تناسي أهالي المخيّم معنى الفرح بقدوم رمضان.

فريق "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، جال في مخيّم عين الحلوة، مستطلعاً من الأهالي سبب غياب الأجواء الرمضانية، مقارنة بما كانت عليه سابقاً. 

الأوضاع الاقتصادية والمعيشية غيّرت معالم الفرحة

قالت الحاجة سعدة الأطرش إنّ "فلسطينيي الشتات حافظوا على العادات والتقاليد التي ورثوها عن أجدادهم، تلك العادات المتعلّقة إمّا بالمناسبات الدينية أو الاجتماعية أو سواها، ومن أبرزها، شهر رمضان الذي تحتل العادات والتقاليد فيه حيّزاً كبيراً".

وتابعت الأطرش إنّ "رمضان حلّ ضيفاً ثقيلاً على معظم أهالي المخيّم، في ظل الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة"، لذا تجد سعدة أنّ هذا سبباً كافياً ليجعل اللاجئ يفكّر بتأمين لقمة العيش لعائلته، وبالتالي تصير التحضيرات لاستقبال شهر رمضان وعيد الفطر، موضوعاً ثانوياً.


ومن العادات التي أضحت فريسة الأوضاع المعيشية، تذكّرت سعدة "فقدة رمضان"، وهي عادة مخصصة للفتاة المتزوجة، حيث يقوم الأب أو الأخ الأكبر بزيارتها في منزل زوجها، حاملاً معه مواداً تموينية وغذائية وحلويات، وقبل مغادرته المنزل يقوم بدعوتها لتناول الإفطار، خلال أيام رمضان بصحبة زوجها وأبنائها.

 عدم الاستقرار النفسي أحد أسباب ضعف البهجة في رمضان 

أشار ابن مخيّم عين الحلوة فادي عناني، إلى أنّه "وفي شهر رمضان، تنقسم العائلات إلى قسمين، القسم الأول، وهي العائلات التي تستطيع تجهيز مستلزمات استقبال شهر الصوم، والتي استطاعت هذا العام وضع الزينة أمام منازلها وتحضير المونة، أما القسم الثاني، هي عائلات منعتها ظروف الوضع المعيشي من تحضير أي شيء لاستقبال الشهر الفضيل". 

تابع عناني "الأجواء الرمضانية القديمة في مخيّمنا كانت أجمل، فالأوضاع الاقتصادية والمعيشية غيّرت معالم هذا الشهر ومحت البسمة عن وجوه معظم العائلات، التي كانت تستقبل شهر رمضان بالفرحة والخير، فارضة عليها واقعاً مريراً، لتتحوّل الاجتماعات العائلية على مائدة الإفطار في منزل كبير العائلة إلى عشاء صغير بالكاد استطاع رب المنزل تأمينه".


وعن تردّي الوضع الأمني داخل مخيّم عين الحلوة، قال عناني "كل يوم مشكل، كل يوم مفرقعات وضجة بشوارع وزورايب المخيم، كل يوم زحمة الدراجات النارية وزمامير،  وحواجز وجدار وأسلاك على مداخل مخيمنا". مطالباً المعنيين بالتحرك السريع، وممارسة الواجب الذي يقع على عاتقهم تجاه أهالي المخيّم، بغية توفير جو من  الاستقرار النفسي .

تنافس في الأسعار يُسقط أربعة جرحى

اشتكى الأهالي من أزمة التنافس والتلاعب في أسعار السلع من قبل بعض التجّار، منذ بداية شهر رمضان، مشيرين إلى الإشكال الفردي الأخير، الذي وقع يوم السبت 19 أيار/مايو، بين صاحبي محلين في الشارع التحتاني للمخيّم، والذي أصيب خلاله أربعة أشخاص بجروح مختلفة، على خلفية تنافس في الأسعار.

وأجمع الأهالي على أنّ الحركة التجارية داخل سوق الخضار في المخيّم خجولة هذا العام، فالأهالي ما زالوا متخوّفين من حدوث أي مشكل أو تكرار الأحداث الأليمة التي حصلت سابقاً داخل المخيّم.



حلويات تفرض نفسها في رمضان 

وللحلويات الرمضانية قصة أخرى، حيث تشهد المخيمات الفلسطينية في هذا الشهر، انتشاراً واسعاً لمحلاتٍ وبسطاتٍ لبيع الحلوى، فالقطايف إحدى أكثر الحلويات مبيعاً في المخيمات، أولاً لأنّها مرتبطة بعادات وتقاليد شهر رمضان، وثانياً، لأنها زهيدة الثمن مقارنة بسواها من الحلويات الرمضانية. أما الحلويات الرمضانيّة الأخرى، مثل المدلوقة والعثملية وحلاوة الجبن، موجودة في أرجاء المخيّمات لكنّها ليست بمتناول الجميع، لأن سعرها مرتفع نوعاً ما.



"بدل الفوانيس، كل طفل حامل تلفون"

"يلعب الأطفال دوراً مهماً في ربط الماضي بالحاضر"، بهذه العبارة ابتدأت حورية عبد القادر حديثها، الذي تقصد به نقل العادات الحسنة والتقاليد المتوارثة عن الآباء والأجداد. 

وتقول عبد القادر: "بعد الإفطار، نرى الأطفال مجتمعين، لا يتبادلون الأحاديث، وبدل الفوانيس، كل طفل حامل تلفون".

تروي عبد القادر: "زمان، كان الأطفال يحملون الفوانيس، يسيرون في شوارع وزواريب المخيّم، يرددون الأغاني، يشترون الحلوى، أما الآن تلاشت هذه المشهدية وانعدمت، فجيل اليوم غير ملم بهذه الأمور".



"يا نايم وحّد الدايم..."

وحده "المسحراتي"، استطاع الحفاظ على جوٍ رمضانيّ بامتياز، يزور مخيّم عين الحلوة يومياً بالزي التقليدي، يجول وحيداً في أرجائه، قبل موعد آذان الفجر بساعتين، مردداً "يا نايم وحّد الدّايم، قوموا على سحوركم اجى رمضان يزوركم"، على وقع ضربات فنية على طبلته، والمرفقة بأبهى الأناشيد.
خاص - بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد