خليل محمود الصمادي 

إنَّ أشد ما يزعج  كيان الاحتلال الصهيوني مسيرات العودة الحقيقية التي تخترق الحدود وتعيد اللاجئين الفلسطينيين أصحاب المدن والقرى إلى بلادهم.

وهي تجربة ليست بالجديدة  إذ إن لها جذوراً منذ عشرات السنين ، والمتابع لمثل هذا الحراك يجد أن الاحتلال أشد ما يؤلمه هو مثل هذه الدعوات للتلاقي على الحدود مع الأراضي المحتلة، فيحاول وأدها في المهد ، ويكرس إمكانيات مادية وعسكرية من أجل إفشال أي محاولة للعودة وسنتطرق إلى بعض المحاولات التي مرت خلال مسيرة التشرد .

العودة من الحدود بدأت إبان النكبة

محاولة العودة من الحدود بدأت منذ عام 1948 فبعد اللجوء المر نجح بعض الأفراد من التسلل إلى فلسطين ولا سيما من لبنان، ووصلوا إلى قراهم وبالرغم من اعتقالهم من قبل الاحتلال إلا أنهم تشبثوا بالأرض منهم والد الشاعر محمود درويش الذي وصل لقريته البروة قضاء عكا في الجليل الأعلى، وعائلة الجربوني التي وصلت إلى عرابة البطوف وغيرهما من العائلات، إلا أن هذه المحاولات بقيت قليلة جداً بسبب إجهاض أي محاولة للتسلل من قبل حرس الحدود الصهيوني وسجن من يحاول الدخول لمدة ثلاث سنوات دون محاكمة، ومن الجدير ذكره أن قوات حرس الحدود العرب في جميع دول الطوق ساهموا بشكل علني بمنع أي فلسطيني من الاقتراب من حدود فلسطين ومن حاول منهم الاقتراب كان يطلق عليه الرصاص قبل أن تطلقه العصابات الصهيونية.
اللاجئ الفلسطيني حسن حجازي الموظف في وزارة التربية السورية وصل إلى يافا في مسيرة العودة التي انطلقت من الجولان عام 2012  فقد تسلل إلى قرية مجدل شمس وجلس في أحد مقاهيها ومن هناك استقل حافلة متجهة إلى يافا حيث قضى يوما جميلا قبل أن تكتشفه قوات الاحتلال والقناة العاشرة الني فجرت قنبلة إعلامية في الفضاء العربي وتم تسوية الأمر بسرعة حيث تم ترحيله لمجدل شمس ودخوله للقنيطرة وعودته لدمشق .

في نفس اليوم، وخلال مسيرة العودة التي انطلقت إلى بلدة مجدل شمس المحتلة عام 2011 تمكن عشرات الشبان الفلسطينيين من اجتياز الحدود – التي ظنوها منذ عام 1973 أنها مليئة بالألغام – ودخلوا إلى بلدة مجدل شمس المحتلة، ثلاثة منهم وصل إلى المدن الفلسطينية المحتلة وأبرزهم الشهيد عزت مسودة الذي ارتقى بعد ذلك بأقل من شهر على حدود مدينة القنيطرة برصاص الاحتلال الإسرائيلي خلال مشاركته بمسيرة العودة الثانية في ذكرى النكسة الرابعة والأربعين.

قبل ذلك تمكن شاب فلسطيني صغير من مخيم خان الشيح بريف دمشق، كان لا يتجاوز الـ16 عاماً مع رفيق له من اجتياز الحدود السورية مع الجولان المحتل عبر أحراش "جباتا الخشب" عام 2004 ،والدخول إلى عمق الأراضي الفلسطينية قبل أن يعتقله جيش الاحتلال ويعيده عبر الصليب الأحمر الدولي إلى سوريا، حيث اعتقلته السلطات السورية شهراً كاملاً في فرع فلسطين بدمشق.

سفن العودة .. فكرة بدأت منذ الثمانينيات  

في منتصف الثمانينات ومن أجل تحريك القضية الفلسطينية دعا ياسر عرفات إلى تجهيز سفينة كبيرة تتجه إلى ميناء حيفا، وبالفعل لاقت دعوته قبولاً جيداً من قبل الشخصيات العالمية وتم التجهيز لهذه المهمة الجديدة إلا أن الموساد الصهيوني أجهض هذه المهمة في مهدها، حيث أقدم يوم 15 شباط/فبراير 1988 على تفجير عبوة ناسفة في سفينة « سول فرين » في ميناء ليما سول في قبرص، وقد أصيبت السفينة بأضرار منعتها من الإبحار وربما كانت هذه رسالة واضحة لأصحاب السفن حتى لا يتم تأجيرها لمثل تلك المناسبات .

ولم يكتف الفلسطينيون بهذه المحاولات،  بل ظهرت عدة محاولات لكسر الحصار عن غزة أهمها أسطول الحرية عام 2010  الذي نال شهرة واسعة بسبب اقتحام الصهاينة لإحدى سفنه "مافي مرمرة التركية" في عرض البحر وسقوط 19 شهيداً  من أصل 750 ناشطاً من 50 دولة، بينهم عدد من النواب  الأوربيين والأتراك والكويتيين والجزائريين وأعضاء عرب من الكنيست ورموز الحركة الإسلامية من الداخل منهم الشيخ رائد صلاح  وعدد من  والصحفيين والمراسلين ، وحتى إن فشل الأسطول في الوصول إلى غزة إلا أنه كشف للعالم أجمع زيف الحكومة الصهيونية ومن يدعمها كما فتح شهية المنظمين لإعادة التجربة فكان أسطول الحرية 2 عام  2011   وأسطول الحرية 3 عام  2015  إذ اعتقل جيش الاحتلال الناشطون من على متن سفن كشر الحصار ، وجرى ترحيلهم إلى بلدانهم منهم الرئيس التونسي  المنصف المرزوقي   .

 

لماذا يخشى الاحتلال مسيرات العودة؟

يعرف الصهاينة أكثر من غيرهم أن هذه المسيرات أشد خطراً عليهم من الحروب مع  الجيوش العربية، نظراً للتفوق العسكري للكيان الإسرائيلي و الدعم الغربي اللامحدود له، أما حين يطلقون النار على مسيرات عودة  المدنيين إلى بيوتهم وبلادهم، فهذا يعري الكيان الإسرائيلي أخلاقياً أمام داعميه، و يسجل هو بذاته شواهد أمام عدسات الكاميرات تدحض ادعائاته حول ماهية "دولته" الديمقراطية والعادلة!!

لذا على اللاجئين الفلسطينيين أن ينظموا مسيرات للعودة بشكل مستمر وأن يجتمعوا على حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48 بعشرات الآلاف، ومن كافة الاتجاهات (سورية ولبنان والأردن وغزة والضفة ومن البحار) وبصحبة وسائل الإعلام العالمية، حينها  سيكون يوماً مشهوداً، وسيكتب اللاجئون صفحة جديدة من تنفيذ حق العودة بأيديهم، لا باستجدائه من المجتمع الدولي.

 

فمنذ بداية الأزمة السورية كان الأولى أن يتجه الفلسطينيون إلى الحدود مع الجولان المحتل،  مع خيامهم وفراشهم خير لهم من الاتجاه إلى الأردن أو لبنان أو تركيا أو أوروبا ولكن هذه الدعوات لم تلق أي تجاوباً من الفصائل الفلسطينية والأنظمة الرسمية العربية، فجرى غض النظر عنها.  

الجنسيات الأوروبية والأمريكية أحد سبل العودة

لا شك ان الأزمة السورية عززت ما يسمى فلسطينيي أوروبا حيث حصل عشرات الآلاف منهم على جنسيات مختلفة  ولا شك أيضا أن أغلبهم يتمتع بحس وطني عال فأول ما يفكر به اللاجئ بعد حصوله على الجنسية الأوربية زيارة مسقط رأس أبيه أو جده،  وطبعا لا تستطيع قوات الاحتلال من منعه ممارسة حقه في السفر والتنقل طالما يحمل جنسية بلد أوروبي، ومن هنا يجب استثمار هذه الجنسية في دعم حق العودة وتنظيم رحلات بحربة وجوية ولو رمزية حتى يشعر العالم كله، ولا سيما الأوروبييون أن هناك أرضا مغتصبة لها أصحاب سيرجعون لها يوما طال الزمن أو قصر  .

 

خاص - بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد