يوم غد الخميس، يعتصم لاجئون فلسطينيون في لبنان للمطالبة بنقل ملفهم من "أونروا" إلى مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين، في خطوة يرونها حلاً، إنما الحقيقة أنها أبعد بكثير عن الواقع، وتحمل في طياتها خطراً سياسياً على قضية اللاجئين.

فوجود "أونروا" التي تواجه اليوم هجمة أمريكية – إسرائيلية شرسة، بات ضرورة سياسية أكثر منها إغاثية، ولكن ما الحل للاجئ الفلسطيني الذي تقطعت به سبل الحياة في لبنان، وسط رداءة الموقف السياسي الرسمي والفصائلي الفلسطيني؟

 

الوليد يحيى – بيروت
 

 حماسة شديدة مفهومة الدوافع، لدى شريحة كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، تكسو حراكهم المُطالب باللجوء الإنساني، والذي تُرجم بتحركات حاشدة أمام سفارتي كندا وأستراليا، خلال الأسابيع الفائتة، حتّى لم يُخفت عدم تجاوب تلك السفارات مع تحركهم بشكل إيجابي، من حماستهم في مواصلة آمالهم كما يصفونها، أو أوهامهم كما يعتبرها آخرون، بل أنهم يحاولون اجتراح أملهم بالنجاح، من خلال ردّ إحداها.

فالسفارة الكنديّة قد توجّهت إليهم بعد اعتصامهم الأوّل ببيان، يبلغهم عدم قبولها طلبات الهجرة بشكل مباشر لإعادة توطين اللاجئين، وأنّ اللاجئين الفلسطينيين يقعون تحت ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين- أونروا وليس المفوضية العليا لشؤون اللاجئين (UNHCR)، فالحكومة الكندية تعتمد على المفوضيّة وغيرها من منظمات الإحالة المعنية والجهات الراعية الخاصة في كندا، لتحديد حالة اللاجئين التي تستوجب "إعادة التوطين" وفق ما جاء في بيانها.
 

قراءة خاطئة

أوحت قراءةُ بيان السفارة الكندية غير الاختصاصيّة للمطالبين باللجوء الإنساني بأمل ما، تحول "أونروا" دون انبلاجه، استخلصت منه "الهيئة الشبابية للجوء الإنساني في لبنان"، وهي الجهة التي تنظم الحراك، سبب رفض كندا لمطلب اللجوء المباشر، وحددته وفق منظورها بـ "وصاية" الوكالة على اللاجئين الفلسطينيين، فجاءت دعوتها لاعتصام، يوم غد الخميس 19 أيلول/سبتمبر، أمام مكتب "أونروا" الرئيسي في بيروت، للمطالبة بنقل ملف اللاجئين الفلسطينيين من تحت وصايتها إلى المفوضيّة، "كي لا نبقى لاجئين مدى الحياة"، وفق نصّ الدعوة.

ومن ضمن ما دعت إليه الهيئة، إحضار كلّ لاجئ ولاجئة سيشاركون في الاعتصام صورة عن "كرت الإعاشة" وكتابة الاسم ورقم الهاتف مع عبارة "الرجاء  نقل ملفي من الأونروا إلى المفوضيّة السامية لشؤون اللاجئين"، كي يجري تسليمها لمكتب الوكالة الرئيسي في بيروت.

اللاجئ والناشط في حراك اللجوء الإنساني، باسم مطرية، يؤمن بما استخلصته الهيئة، ويقول إنّ: "أونروا تمارس علينا الوصاية مقابل لا شيء"، ويوضح: "الوكالة لم تعد تنفعنا بشي، ولا تقدّم شيئاً للاجئين الفلسطينيين أساسا، سوى تغطيات طبيّة بسيطة وغير كافية، وهي في انحدار مستمر سواء في التعليم والنظافة وسواها من الخدمات".

ويعتبر مطريّة، أنّ انحدار خدمات "أونروا" بات أمراً مقصوداً لتعزيز ضيق اللاجئين الفلسطينيين، الذي بات لا يحتمل "بفعل قرارات تفاجئنا فيها الحكومة اللبنانية يوماً بعد يوم، كقانون العمل الذي يريدون تطبيقه على اللاجئين، ومؤخّراً قرار حرمان الطلّاب الفلسطينيين من التسجيل في المدارس"، حسبما قال.

ويصر مطريّة على صوابيّة مطلب "رفع وصاية أونروا" بأنّه خلاصَهُ، فالسفارة الكندية أو الأسترالية ستقبل لجوءه الإنساني فور تحويل ملفّه لجهة الاختصاص المأمولة وهي المفوضيّة الأممية السامية لشؤون اللاجئين، حسبما قال، إلّا أنّ لأصحاب الاختصاص رأي آخر.
 

استحالة المطلب

تشكلت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في كانون الأوّل/ ديسمبر عام 1948، بموجب قرار الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة رقم (302)، ولا يمكن إنهاء خدماتها أو "رفع وصايتها" عن اللاجئين الفلسطينيين إلّا بقرار مواز من ذات الجمعيّة، وفق ما أكّد الباحث المختص في شؤون اللاجئين الفلسطينيين الأستاذ، جابر سليمان، لـ" بوابة اللاجئين الفلسطينيين". 

وقال سليمان، إن "إخراج اللاجئين الفلسطينيين من إطار أونروا وإلحاقهم بالمفوضيّة الساميّة، أمرٌ ليس سهلاً، فهو مرهون بقرار من الجمعية العمومية للأمم المتحدة وحدها، والتي ستنعقد في الأول من كانون الأوّل/ ديسمبر المقبل"، مرجّحاً، أنه يجري التصويت لصالح تمديد تفويض الوكالة، لثلاث سنوات مقبلة.

وحول إمكانية استجابة "أونروا" للمتقدمين بنقل ملفاتهم من عهدتها إلى المفوضيّة، قال سليمان، إنّ الوكالة لا يمكنها أن تقدم على هكذا إجراء، وأرجع ذلك إلى الحساسية السياسية العاليّة في الموضوع، نظراً لكونها "اتهمت بعد اتفاق أوسلو بمشروع مواءمة الخدمات، الذي كان يهدف إلى مواءمة خدماتها مع خدمات الدول المضيفة للاجئين، تمهيداً لتسليم تلك الخدمات للدول المضيفة، بافتراض تقدم عملية سلام أوسلو نحو قضايا الحل النهائي ومنها قضيّة اللاجئين".

يضيف سليمان، أنّه منذ اتفاق أوسلو، وتواصل الاحتلال انتهاك كل تعهداته الدوليّة، ومواصلة ضغطه على "أونروا"، الذي بدأ يتصاعد منذ 2013 عبر حملة إسرائيلية-أمريكية على الوكالة، تشكيك في وجودها سياسياً وأخلاقياً بهدف تقويض وجودها، واتهامها بأنها عقبة أمام "عملية السلام" وتسعى إلى إدامة الصراع وتطبّق معايير مزدوجة عندما لا يعيد توطين اللاجئين الفلسطينيين عبر المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، هذا وفق المنظور الإسرائيلي.
 

خطورة إدراج اللاجئين الفلسطينيين تحت حماية المفوضيّة

لذا يعتبر الباحث، جابر سليمان، أنّ الدعوة إلى إدراج اللاجئين تحت حماية المفوضية هو محاولة لتصفية "أونروا"، ما يعني ذلك تصفية حق العودة، عبر طمس خصوصية تعريف اللاجئين الفلسطينيين في القانون الدولي، مشيراً إلى أنّ حماية الوكالة للاجئين هي حماية معيشيّة، ووجودها ذو مغزى سياسي لقضيّة اللاجئين.

وأوضح سليمان، أنّ حملة استهداف "أونروا" الأمريكية-الإسرائيلية، تهدف من ضمن ما تهدف إليه، إلى إعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني الذي أثبتته الوكالة وهو ما نصّه: "لاجئي فلسطين هم أولئك الأشخاص الذين كانت فلسطين هي مكان إقامتهم الطبيعي خلال الفترة الواقعة بين حزيران 1946 وأيار 1948، والذين فقدوا منازلهم ومورد رزقهم نتيجة الصراع العربي الإسرائيلي عام 1948، وكل من يأتي من نسلهم".

ويتابع، أنّ إدراج اللاجئين الفلسطينيين ضمن المفوضيّة، يعني تغييراً في خصوصيتهم، كأن نعتبرهم مثل لاجئي الحرب العالمية الثانية، التي أنشئت المفوضيّة عقبها لاستيعابهم، أو اعتبارهم لاجئي مجاعة أو ما شابه، في حين أنّ "أونروا" تحفظ خصوصيتهم.

ووفق الباحث سليمان، فإنّ وجود "أونروا" هو ذو مغزى سياسي، وليس تمسّكنا بها فقط من أجل الخدمات، حسبما قال، لـ" بوابة اللاجئين"، ويضيف: إنّ قرار إنشاء اونروا تضمّن في ديباجته تعهداً بتقديم الوكالة معوناتها للاجئين دون المساس بالفقرة 11 من القرار الأممي 194 الخاص بحق العودة، وذلك يعني التزاماً دولياً بعودة اللاجئين.
 

أوهام فردية

وأوضح الباحث سليمان، أنّ الحلول التي تطرحها المفوضيّة السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR)، والتي يطالب الحراك بإدراج اللاجئين الفلسطينيين تحت مظلتها، لا تنطبق على اللاجئين الفلسطينيين، وهي إعادة توطين اللاجئ في بلد لجوئه، والثاني إعادة توطينه في بلد ثاني، والحل الثالث إعادته إلى وطنه الأصلي.

ولفت إلى أنّ جميع الحلول غير واردة، لا سيما الحل الأوّل، المرتبط بدول اللجوء التي تستضيف اللاجئين الفلسطينيين، بينما الحل الثالث، مرتبط بالاحتلال الإسرائيلي الذي يمنع عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وهو أساس المشكلة.

كما أنّ إعادة التوطين في بلد ثاني، هو مرتبط بقوانين الدول التي تستضيف لاجئين عبر المفوضيّة، ويلفت سليمان إلى أنّ قوانين الهجرة في الدول الأوروبيّة وفي كندا وسواها لم تتغيّر، ولن تتغير بسبب اللاجئين الفلسطينيين، مشيراً إلى حكومات يمينيّة كما في كندا ترفض استقبال لاجئين، كما أنّ الأمر مرتبط بقوانين وليس فقط بحكومات، وتحتاج إلى آليات برلمانية وسواه لتغييرها.
 

أرقام تبدد الأوهام

ورغم أنّ مطلب نقل ملف اللاجئين الفلسطينيين إلى عهدة (UNHCR) مستحيل من الناحية القانونية والسياسية، تُبيّن الأرقام الصادرة عن الأخيرة، أنّها تعجز عن تحقيق احتياجات إعادة التوطين لمن هي معنيّة بهم بالشكل الأساسي والوظيفي.

وأظهرت بيانات صادرة عن المفوضيّة، في شباط/ فبراير 2019، أنّه من بين  لـ 1.2 مليون لاجئ مسجلّ لديها من جميع أنحاء العالم، جرى إعادة توطين 55.692 شخصاً منهم فقط، أي نسبة 4.7% فقط.

وعزت المفوضيّة ضآلة النسبة، إلى أنّ أماكن إعادة التوطين محدودة، وهي بيد دول التوطين التي أبدت استعدادها لقبول اللاجئين من ذوي الاحتياجات المتعلّقة بالحماية، أو احتياجات عاجلة لا توفرها دولة الإقامة.

وتقتصر مهام المفوضيّة، على تحديد الحالات الأكثر ضعفاً وتقديم ما يطابق العروض المقدّمة من دول التوطين، مشيرة إلى أنّ الطلبات المقدمة لدول إعادة التوطين العام الماضي، نسبتها 68% للناجين من العنف والتعذيب، وللنساء اللاتي يحتجن لحماية قانونية وجسدية، وللنساء والفتيات المعرضات للخطر، بينما حازت حصّة الطلبات المقدّمة للأطفال 52% عام 2018.

وأظهرت البيانات، أنّ أكبر عدد من رحلات المغادرة الخاصة بإعادة التوطين، التي تيسرها المفوضية، كانت من البلدان الرئيسية المستضيفة للاجئين، بما في ذلك لبنان (9,800) حالة، معظمهم من السوريين وجنسيات أخرى غير فلسطينية، تليها تركيا (9,000) فالأردن (5,100) وأوغندا (4,000).

أما أكبر عدد من اللاجئين المحالين، من أصل ما مجموعه 81,310 إحالة، فقد كان من سوريا (28,200) ثم جمهورية الكونغو الديمقراطية (21,800) تليها إريتريا (4,300) فأفغانستان (4,000).
 

لسنا متآمرين والقلب ممتلئ

"كل تحرّك يخوضه اللاجئون من أجل الخلاص، بات من السهل عند كثريين ربطه بصفقة القرن وما تحمله من حلول تصفوية لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، واتهام الناس بأنهم ينفذون مخطط دونالد ترامب"، يقول اللاجئ، باسم مطرية، لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين".

 ويكمل بنبرة شديدة الحدّة، بدعوته من وصفهم بهواة إطلاق الاتهامات، إلى التروي، خصوصاً أنّهم لا يعانون ما يعانيه اللاجئ الفقير في مخيّمات لبنان، جازماً، أنّ من يدعون الناس للصمود هم أكثرهم ترفاً وخصوصاً، القيادات والمسؤولين.

فالواقع المعيشي والاجتماعي للاجئين الفلسطينيين في لبنان، كفيل بتبديد الاتهامات التي تُكال للمطالبين بالهجرة، بأنّهم متآمرون على قضية اللاجئين وحقّ العودة، "فالمسألة ليست رمّانة إنما قلوب مليانة"، وفق تعبير اللاجئ الفلسطيني، هشام عبد الناصر الخطيب، وهو نموذج لاجئ امتلأ قلبه وفاض، عقب ما تلقاه من رفض لتسجيل أبنائه في إحدى المدارس الرسميّة في صيدا.

يشير الخطيب، وهو من الناشطين المتحمسين لمطلب اللجوء الإنساني، إلى أنّ الأمر لم يعد يتعلّق فقط بـ" أونروا"، فالمعيشة في لبنان باتت انتهاكاً لكل ما هو انساني بالنسبة للاجئين، فكرامتنا تُنتهك في تعليم أولادنا وطبابتهم وفي البحث عن عمل في بلد ليس فيه عمل أساسا"، وفق قوله، ويضيف أنّ: "الوكالة لا تقدّم لنا شيئاً ولن تقدّم سوى الضئيل الذي تقدّمه، والآخذ بالتراجع، ...، ففيها وبلاها نحن منتهكين".

وفي هذا الصدد، يعزي الباحث، جابر سليمان، مطالب الشبّان باللجوء الإنساني والهجرة، للواقع الاقتصادي والاجتماعي الذي يعيشه اللاجئون في دول اللجوء، معتبراً أنّ الحل في تعزيز واقع اللاجئين وحل قضاياهم المعيشيّة، وليس اتهامهم بالخيانة.

خاص

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد