احمد ابو حسنة - ساوباولو

في المحاولة الأولى حاولت الكتابة عن جدي واصلاً إلى مخيم اليرموك مثقلاً بجراح وغبار "أيلول الأسود".. ليس من خصوصية. حسناً، دعني أجرب الكتابة عن ذكريات الطفولة، ومباراة "الفطبول"  اليومية في الحارة.. ممل! سأجرب استحضار طريق "المشوار" اليومي إلى المدرسة، يوميات الطريق وبعضاً من مشاهد الحياة.. لأصل للحديث عن أحوال شارع المدارس اليوم.. حقاً؟! طيب ماذا لو بدأت بالحديث عن "ملعب شاكر" والمدينة الرياضية، ومشوار "البسكليت" إلى يلدا.. يلدا و"أولاد البلد" و"الفلسطينية"..

أبت المحاولة الخامسة إلا أن "تتأدلج" لتحكي عن "الشعور بالأمان" داخل حدود المخيم.. أمان!!؟ فكانت السادسة حول آخر جنازة لشهداء فلسطينيين في لبنان قبل نهاية القرن المنصرم في العام 98.. لا أذكر حول ماذا كانت السابعة.. والثامنة كانت عن الأعراس و"التعليلة" (الله يرحمك يا حسان).. والتاسعة عن الجو الثقافي والسياسي في المخيم.. وتبعتها العاشرة..

في العام الرابع من عمر "مأساة مخيم اليرموك" لا بد من حديث. ولا ضير من حديثٍ في الذاكرة. هئنذا "أمزق" المحاولة العشرين لاستنطاق الذاكرة المخربشة..

في الحقيقة، بدا كل الكلام مشابهاً لقصائد الطفولة (قصائد أحبك يا فلسطين.. يا فلسطين أنت محبوبتي!!!) كانت كلها محاولات فاشلة لاستدعاء الدفق.. وربما أحسست بأنني ساذج في اتباعي لهذا الأسلوب محاولاً إثبات أن مخيم اليرموك يعني لي الكثير... هذا غير أن كل ما سبق، قد يبدو وكأنه مفصول عن مناسبة الحديث عن الذكرى السنوية الرابعة لإعلان "مأساة مخيم اليرموك".

"طيب سهلة"! الحديث عن مأساة مخيم اليرموك. لماذا لا تدخل إلى الموضوع مباشرة إذاً؟ احك عن المأساة، ولن تكفيك مجلدات عديدة..

من أين أبدأ؟ فلأتكلم عن سبب المأساة المباشر.. وبعد ساعة وجدت نفسي ضائعاً بين تحميل المسؤولية لـ "ضربة الميغ" أم لـ "غزوة تحرير المخيم".. أيهما كانت أسبق.. في النوايا وفي التنفيذ!

دعنا من الأسباب، فلنتكلم في النتائج.. النتائج دوماً ما تكون واضحة وواقعية.. ولن تضيع كثيراً في الحديث عن النتائج. النتائج! هل انتهت المأساة حتى تتكلم عن النتائج؟!     

طيب! تكلم عن يوميات الحصار.. أوه! سهلة.. لحظة! خفت وأنا أكتب من معدة طفل تسألني: "شو بتعرف إنت عن الحصار؟ إنت ذقت شوربة البهارات؟؟! صحيح إنو الخبيزة أطيب من رجل العصفورة؟".. وخجلت من ابتسامة السخرية على فم عجوز تسألني عن رأيي في "كاتو العدس" الذي أعدته لأحفادها! خجلت من رائحة الخشب المحترق العالقة في "ملابس" من أشعله عله يقتل بهيمية البرد..

دعني إذن أكتب عن تجار الحصار.. تجار الحصار؟! تجار الحصار هم هم أو في أقله جزء منهم كانوا تجار ما قبل الحصار.. وسيكونون أو جزء منهم تجار ما بعد الحصار..

لماذا لا تلتقي بشباب المخيم في البرازيل وتسجل انطباعاتهم وآرائهم وذكرياتهم وأحلامهم!!..

لا.. لا.. "يا أخي خليك إيجابي شوي".. سأتكلم عن "العائدين إلى المخيم".. "بعد خروجها بشهرين عادت جارتنا أم أحمد وصديقتها خلود.. وقفتا على حاجز أول المخيم ساعة في انتظار السماح لهما بالدخول. وصلتا بعد ربع ساعة إلى جامع الوسيم ... بعد يومين خرجت أم أحمد جامعةً ما أمكنها من ملابس لها ولعائلتها ولم تعرف أتضحك أم تبكي على منظر الرجل الذي كان يحاول إخراج فرن الغاز والغسالة على البسكليت... وبقيت خلود ..." أصمت.

خلص.. سأتكلم عن الانتهاكات.. وما أن بدأت الحديث.. ووجدتني أركض من وجه أيهم الأحمد متخيلاً إياه يعاتبني بأدبه المشهود "كمان انتهاكات.. ليش حدا حرقلك البيانو تبعك؟؟!!.." متابعاً حديثه: "بالله شوفلنا وين صفي محمود تميم بمناسبة الحديث عن الانتهاكات..".

في العام الرابع من عمر المأساة.. لا شي أصلح وأفصح من "اليرموك اشتقلك يا خيا"..

شاهد اغنية اليرموك اشتقلك يا خيا (أيهم الأحمد) من داخل مخيم اليرموك المحاصر

 

خاص بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد