تقرير صابر حليمة

 

في شهر أيلول/سبتمبر من عام 1978، كسر الرئيس المصري الراحل، أنور السادات، أحد المحرمات التي سادت المنطقة العربية منذ النكبة الفلسطينية، ووقع اتفاق تسوية مع رئيس حكومة الاحتلال آنذاك، مناحيم بيغن، بعد أقل من عام من زيارته المشؤومة إلى القدس المحتلة وخطابه في الكنيست.

ولا تزال آثار هذه الخطوة غير المسبوقة، قائمة على المنطقة عموماً، والقضية الفلسطينية خصوصاً، حتى يومنا هذا.

بعد نحو 15 عاماً على أول تطبيع رسمي مع الاحتلال، حذت منظمة التحرير الفلسطينية حذو السادات، وفي عام 1993 وقعت اتفاق أوسلو، الذي أنتج السلطة الفلسطينية،  ليتبعها الأردن، ويوقع اتفاق وادي عربة عام 1994.

مر ما يزيد عن ربع قرن على هذين الاتفاقين، لا يمكن القول فيها: إن التطبيع اقتصر على مصر ومنظمة التحرير والأردن، إذ كانت اللقاءات والاجتماعات السرية تعقد من حين لآخر بين كثير من قادة الأنظمة العربية ومسؤولي الاحتلال، منها ما تمكنت وسائل الإعلام من تسريبه، ومنها ما بقي طي الكتمان.

نعيش اليوم، هرولة، باتت أكثر علانية، نحو التطبيع مع الاحتلال، إذ باتت كثير من الأنظمة العربية الحاكمة وأبواقها الإعلامية، يروجون، لأفكار منافية لما تؤمن به وتعتقده أغلبية الشعوب العربية، حتى تلك التي وقع مسؤولها اتفاقيات "سلام" مع الاحتلال، بهدف تبرير الدعوات إلى التطبيع، والادعاء بوجود مصالح في هذا التطبيع، لا يمكن تحقيقها إلا عبر إقامة العلاقات مع الاحتلال.

 

لماذا تسارعت عجلة التطبيع في الآونة الأخيرة؟

 أشار الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي، أحمد رفيق عوض، في حديث مع "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، إلى أن تفكك الأنظمة العربية وضعفها الشديد، ونقص التنمية والفجوة بن السلطة والجمهور والأزمة الاقتصادية والتغير الإقليمي الكبير، جعل "إسرائيل تقود المنطقة وأن تتحول مكتب تنسيق للعلاقات الأمريكية".

هذا من دون إغفال إنكسار الأيديولوجيات الكبرى، كالعروبة والوحدة، وفقدان الجامعة العربية أهميتها وانهيار عدد من الاتحادات السابقة.

وأكد أن "موجة التطبيع الحالية تعني أن معظم هذه الأنظمة فقدت الشرعية وتحتاج إلى تمويل وحماية بسبب أخطار متخيلة أو حقيقية"، ولهذا السبب عملياً، "الكل يذهب إلى إسرائيل من أجل الحماية والتمويل وحتى الشرعية".
 

كل أسباب التطبيع وهم

بدوره، أوضح الخبير في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور عدنان أبو عامر، أن التطبيع ليس وليد اللحظة، بل بدأ من كامب ديفيد ثم وادي عربة وقبلها أوسلو.

لكنه أكد أن كل أسباب التطبيع موهومة، لأن "إسرائيل" تبحث عن مصالحها، مستشهداً بأنها لم تستطع أن تنقذ الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، حينما أطاح به المصريون.

ولفت إلى أن السبب الأبرز للموجة الحالية يكمن في ظل وجود الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، حيث يعتقد المطبعون أن هناك انصهاراً بين تل أبيب وواشنطن، وتحكّماً إسرائيلياً بالإدارة الأمريكية لم يكن موجوداً من قبل، ولذلك يودون محاولة اللحاق بالإدارة الأمريكية قبل رحيلها.

وفي هذا الصدد، ذكر أبو عامر أن "من يعتقد هذا فهو إما مغلوط أو يحاول التعمية على شعبه.. فالعلاقات بين الدول لا تمر عبر وساطات".

 

 ترهل في الساحة السياسية العربية لا تُستثنى منه الفلسطينية

وفي السياق، اعتبر البروفيسور الفلسطيني، عبدالستار قاسم، أن موجة التطبيع الحالية تأتي في ظل ترهل في الساحة العربية، وبالأخص الساحة الفلسطينية.

ولم ينف، قاسم، في حديث مع "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، القول الأبرز لدعاة التطبيع مع الاحتلال، وهو أن "رضا أمريكا هو من رضا إسرائيل"، إذ إن "إسرائيل تستطيع أن تضغط على البيت الأبيض، وتستطيع أن تضغط على الكونغرس الأمريكي، وأن تقوم هذه الجهات بمساعدة الدول المطبعة"، وفق قوله.

إلا أنه، استدرك: "لكن تجاربنا من هذه الناحية، مصر والأردن ومنظمة التحرير، هذه ثلاث جهات تعترف بالكيان الصهيوني وتنسق أمنياً معه، ما هي الفوائد التي حصلت عليها؟ مصر لم تحصل على أية فوائد، بل ازدادت ديونها، والأردن كذلك، ومنظمة التحرير الفلسطينية خسرت كل شيء، وأخيراً هناك "صفقة قرن" التي لا تأخذ بالاعتبار الحقوق الفلسطينية، فالكل خاسر".

وشدد "إسرائيل تعمل لمصالحها، وليست مستعدة لأن تحارب عن العرب، ولا أن تقدم تقنية متطورة من أجل تنمية اقتصادية عربية".

وبالتالي، أضاف قاسم، "هذه الدول تحلم، إسرائيل ليست وكيلاً أمنياً لأحد، وإسرائيل لا تحارب بالنيابة عن أحد، فإذا كان العرب يظنون أن إسرائيل ستحارب إيران بالنيابة عنهم، فهم واهمون، إسرائيل تدافع عن نفسها، ولا تحارب إلا إذا وجدت لديها القدرة لكي تشن حرباً".

وفي هذا الصدد، أكد أبو عامر أن التطبيع هو ليس تطبيع جدي بين شعبين، بل تطبيع أنظمة، "فعلى الرغم من من مرور 40 سنة على كامب ديفيد، وأكثر من عقدين على وادي عربة، الموجات التطبيعية ليس لها غطاء حقيقي".

وشدد أبو عامر أن الأنظمة العربية المروجة للتطبيع تتعلق بأحبال الهواء، فهي ليست شرعية وليست منتخبة، تخاف على مصيرها، وهي مخطئة كل الخطأ إذا ظنت أن "إسرائيل" قد تحارب عنها.

وتجدر الإشارة إلى أن اتفاقية الغاز الموقعة بين الأردن والاحتلال، شهدت، ولا تزال، موجة رفض شعبية كبيرة في الأردن، حيث تعم المظاهرات العاصمة عمّان كل يوم جمعة تأكيداً على رفض استيراد الغاز الفلسطينية المسروق من قبل الاحتلال، ورهن أمن الطاقة الأردني بيد "إسرائيل.

 

لقاءات السلطة التطبيعية.. هل تبرر التطبيع؟

على الرغم من الإعلان عن فحوى "صفقة القرن"، وما احتوت على نسف كامل للحقوق الفلسطينية الجوهرية، عقد مسؤولون في السلطة الفلسطينية لقاءً تطبيعياً، يوم الجمعة الماضي، مع مسؤولين إسرائيليين في تل أبيب بالداخل الفلسطيني المحتل.

اللقاء، الذي عقد تحت شعار ما يسمى "برلمان السلام"، شارك فيه وزراء سابقون، ورئيس بلدية سابق وعضو بلدية البيرة، بدعوى الحديث عن "صفقة القرن".

 

ورفضاً لهذا اللقاء، نظم طلبة فلسطينيون في جامعة بير زيت شمالي مدينة رام الله، الإثنين الماضي، مظاهرة شارك فيها نحو مئتي طالب، احتجاجاً على مشاركة أحد أعضاء مجلس أمناء الجامعة، باسم خوري.

وحمل المشاركون في التظاهرة التي جرت وسط الجامعة لافتات تندد باللقاءات التي تجري بين فلسطينيين وإسرائيليين.

 

وفي هذا الصدد، شدد قاسم أن "هناك من الفلسطينيين من يجرمون بحق فلسطين والشعب الفلسطيني، فعلى سبيل المثال، من ذهبوا إلى تل أبيب، وبأمر من منظمة التحرير الفلسطينية، هؤلاء يستحقون العقاب وهؤلاء يستحقون الملاحقة".

وتعليقاً على لقاء رئيس مجلس السيادة في السودان، عبدالفتاح البرهان، برئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، في أوغندا، يشدد قاسم أن "ليس من حق الدول العربية التطبيع، حتى لو طبع الفلسطينيون، يعني إذا خان الفلسطينيون، هل يجب أن يخون العرب؟.. فلسطين ليست أرضاً للفلسطينيين، هذه أرض مقدسة، وبالتالي، الكل يتحمل مسؤولية إنقاذ المقدسات وإعادتها إلى أصحابها، لكي تكون ملكاً لنا".

وحذر قاسم من أن الاحتلال الإسرائيلي إذا دخل السودان، فهو سيستولي على ثروات البلد، معتبراً "الأنظمة العربية، وخاصة في الخليج، و"إسرائيل" هم من منبت واحد، الذي أنشأهم هو الاستعمار الغربي".

بدوره، أوضح عوض أن مقولة "الفلسطينيون يطبعون لماذا لا نطبع" هي "كلام غير صحيح وهو تبرير للضعف وتبرير لإقامة علاقة مع إسرائيل من أجل الحماية والتمويل والتغطية".

وأشار إلى أن "الفلسطينين لهم وضع خاص، وهم مشتبكون مع الاحتلال، أما أن السلطة الفلسطينية لها علاقة معينة مع الاحتلال بسبب اتفاق أوسلو.. فإن اتفاق أوسلو هو أيضاً بسبب ضعف العرب، ما دفعنا إلى أوسلو هو عملياً العرب، وبالتالي، الضعف الفلسطيني هو ضعف عربي" بحسب وصفه.

من جهته، أوضح أبو عامر أن بعض المطبعين العرب يحاولون أن يستغلوا بعض أفعال السلطة الفلسطينية، ولكن "أن يرتكب أحد خطيئة لا يعتبر مبرراً لاتكاب الخطيئة".

وأكد أن هذه الأفعال "لا يجب أن تكون شماعة لعربي واحد أن يطبع مع الاحتلال"، لافتاً إلى أن "كل الفصائل أدانت هذا اللقاء الذي عقد مؤخراً في تل أبيب، هو لقاء منبوذ غير متوافق عليه، تقوم به السلطة المتنفذة بالقرار".

 

مستقبل موجة التطبيع الحالية

وحول مستقبل موجة التطبيع الحالية، رأى البرفيسور قاسم أن المناحي التطبيعية ستستمر، وهناك تطور بالعلاقات إلى أن تصل إلى علاقات دبلوماسية واعتراف متبادل وما شابه ذلك، لكنها ستصدم بالمقاومة.

أما عوض، فأكد أن لا مستقبل لموجة التطبيع، لأن "هذا عملياً استسلام للمحتل وللمشروع الصهيوني، ونجاح للمشروع الصهيوني، وهو مشروع استعماري، لا يتعايش مع أحد، وبالتالي موجة التطبيع ستنكسر، لأنها ليست مفيدة، وأكبر دليل مشروع السلام مع مصر والاردن، لم يستفد منها الأردن أو مصر، بل فقط إسرائيل".
وأشار إلى أن "عملية التطبيع هي عملية استسلام، فيها دونية، وليست ندية، لأن الإسرائيلي فعلياً لا يقيم علاقة إلا إذا استفاد منها أكثر ما يعطي منها".

خاص

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد