لبنان
زينب زيون

"على دلعونا على دلعونا.. باي باي.. الغربة الوطن حنونا، بالله إن متت يامّا اقبروني، بأرض بلدنا بفيّ الزيتونا"، أُهْزوجَة لطالما رددتها مريم فتح الله السعدي (88 عاماً)، لاجئة فلسطينية من بلدة الزيب قضاء عكا، متذّكرةً موسم الزيتون في فلسطين، حين كانت صغيرة تذهب، في موسم القطاف، برفقة أسرتها إلى البساتين في فلسطين، فيجتمع كلّ أفراد العائلة ويتعاونون على قطف الزيتون، ووضع الحبّات داخل أكياس لنقلها إلى المعصرة.

 
اللاجئة الفلسطينية مريم السعدي – مخيم عين الحلوة


تصف مريم موسم القطاف بـ "العرس الفلسطيني"، لما كان يحمله هذا الموسم من معاني فرحٍ، حيث كان أهالي القرية، يلتقون في البساتين ليتشاركوا العمل. 

غالباً ما كان يحدد منتصف شهر تشرين الأول  موعداً رسمياً لقطف الزيتون في قرى فلسطين قبل النكبة عام 1948. 

تقول الحاجة مريم:  "لو قصدت بيوت القرية لوجدتها تخلو تماماً من سكانها، حتى الأطفال كانوا يذهبون إلى مدارسهم، وما إن ينتهي الدوام المدرسي، حتى يلتقون بأهاليهم إلى مكان القطاف، حيث شجر الزيتون، لجمع المحصول، فالرجال والأولاد يترتّب عليهم تسلّق الأشجار أو السلم لقطف الزيتون، أما النساء والفتيات يجلسن على الأرض، يلتقطن ما تساقط من ثمار، ويجمعهنها في السلال والأوعية".

توقّفت مريم عن سرد القصة لبضع دقائق، وبابتسامة عريضة قالت: "كانت النساء يربطن أطراف أثوابهنّ من الأمام، على شكل وعاء، يجمعن فيه المحصول". وللتغلب على التعب، يبدأ الرجال بترداد الأغاني التراثية (العتابا والميجانا، الدلعونا والروزانة، وغيرها)، وهذا المشهد يتكرر عند النساء الفتيات اللواتي يصدحن بالعديد من الأغاني، لكن بشرط أنّ يكُنّ بعيدات على مسافة من الرجال، نظراً للحياء والخجل، اللذين تتزيّن بهما المرأة بشكل عام في فلسطين.

 تضيف الحاجة مريم أنّ هناك من تستهويه القصص الشعبية، فبعد انتهاء الفقرات الغنائية الممتعة، كان أفراد العائلة يتبادلون الأحاديث والحكايات التي تحمل معاني البطولة والشجاعة والتضحية في سبيل الوطن، تتابع بحرقة "أم أكن أعلم حينها أني سأترك الزّيب، وأصير لاجئة في لبنان" 

فبعد دخول العصابات الصهيونية مدعومة بالاحتلال البريطاني إلى قريتها الفلسطينية والاستيلاء على كل خيراتها، اضطرت مريم، كسواها من الفتيات، لترك منزلها واللجوء برفقة عائلتها إلى لبنان.

تعيش مريم حالياً في حي الزيب بمخيّم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في لبنان، تتحدث عم صعوبة فكرة اللجوء والشتات والابتعاد عن الوطن، بعد النعيم االذي كان يعيش فيه الفلسطينيون في فلسطين . 

تتذكّر مريم حديثاً كان يردده والدها، دائماً، يطلب منها ومن أخوتها أخذ العبرة من شجرة الزيتون الضاربة جذورها في التربة منذ آلاف السنين، وما تحمله هذه المشهدية من رموز: الصلة الوطيدة، التعلّق بأرض الوطن، والصمود.

وعن قريتها، قالت مريم إنّ "بلدة الزيب قرية جميلة، غالبية أبنيتها من حجر الإسمنت والجدران المطلية باللون الأبيض، أو من الحجر الرملي، وعلى سطح كل منزل عرائش العنب، أو سعف النخيل، وتحيط بكل منزل حاكورة، أي حديقة، يعمل أصحابها على زراعتها، ولطالما كانت تحتوي حاكورة والدها على شجر التين، التوت، الصبار، الرمان، قصب السكر، بالإضافة إلى أنواع عديدة من الفواكه وكذلك الخضار والحبوب.

أما موسم الزيتون في القرية، فلم يعد إلا لوحة فنية راسخة في ذاكرة مريم، المليئة بالصور الجميلة حول فلسطين قبل النكبة . 
موسم الزيتون في فلسطين اليوم صار طقساً من طقوس نضال الفلسطيني، إذ لطالما كره الاحتلال شجرة الزيتون وحارب وجودها على الأرض الفلسطينية، وفي سبيل ذلك يتحول موسم القطاف الممتد حوالي شهرين من أشهر الخريف إلى مواجهة يومية مع جنود ومستوطني الاحتلال، الذين لا يوفرون طريقة للتنغيص على الفلاح الفلسطيني بهجة هذا الموسم إلا ويمارسونها، وفي مقابل ذلك يصر الفلسطينيون على تحويل مواسم القطاف إلى ذكرى نضال ستترسخ في أذهان الأجيال حتى التحرير والعودة. 
خاص - بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد