الوليد يحيى
 

بدعم وإسناد من اللجنة الأمنيّة، ستمارس لجنة الطوارئ عملها الميداني على الأرض في مخيّم مار الياس للاجئين الفلسطينيين ببيروت، وبغطاء من الفصائل الفلسطينية، لتطبيق جملة من الإجراءات الوقائيّة التي أقرّتها اللجنة لحماية المخيّم من انتشار فايروس "كورونا".

و في بيان صادر عنها، عقب اجتماع عقدته بتاريخ 11 آذار/ مارس الجاري، أطلقت اللجنة ورقة من 11 بنداً، تتضمّن إجراءات وقائية، في مساعٍ منبثقة عن واجبها الطبيعي لحماية اللاجئين الفلسطينيين، في بلد يستثنيهم عن الخدمات الدولتيّة، ويهمشهم عن كافة مقتضيات الأمان الصحّي والمعيشي والاجتماعي، وطالما واجهوا فيه ذهنيّة عنصريّة عميقة من أحزاب لبنانية تقع في صلب السلطة السياسية، لم تعتبر اللاجئ الفلسطيني سوى جسم غريب عن المجتمع اللبناني، يسبب المشاكل والأزمات، وربّما يجلب الأمراض الصحيّة والاجتماعيّة، وتتخذ إزاءه كافّة "الاحتياطات التحصينيّة" وفق مزاعمها الفكرية، هو وسواه من اللاجئين على الأرض اللبنانية.

وطالما كانت البلديات التابعة للأحزاب اللبنانيّة العنصريّة، تفرض على اللاجئين على تنوّع جنسياتهم، وعلى العمّال الأجانب والمقيمين، إجراءات أثارت الكثير من ردود الفعل الحقوقية الدوليّة، كمنع التجّول في أوقات محددة، والتزام البيوت والخيام، والملاحقات والاعتداءات، حتّى في سياق مكافحة فايروس "كورونا"، كما اتحفتنا بلديّة بلدة بعلول الجنوبيّة، التي عممت "فرمان" بالإقامة الجبريّة على اللاجئين السوريين في خيامهم، وما أثاره ذلك من موجة رفض واستهجان لبنانية شعبيّة واسعة، ولاقى في أوساط اللاجئين الفلسطينيين الكثير من التعليقات الرافضة والناقدة والمنددة.

وطالعتنا اللجنة الشعبيّة في مخيّم مارالياس في بعض بنود ورقتها الوقائيّة، بما هو مطابق لما يعاني منه الفلسطينيون في هذا البلد، وكأنّها تقر بصوابيّة النهج العنصري وتسترشد به، بل تتبناه إجرائيّاً بشكل حرفي، وهو ما يمثّل سقطة قيمية وأخلاقيّة، إضافة إلى تهافت الإجراءات في إطار البحث عن الوقاية، وهذا إذا افترضنا حسن النوايا، فما أقرّته اللجنة لا يتضمّن بأي شكل من الأشكال ولا أي معنى من المعاني، أيّ تدرّع وقائي لأبناء المخيّم، وفي اللجنة الشعبيّة أشخاص على مستوى ليس بقليل من العلم والدراية، وغير عاجزين عن استخدام المنطق والمحاكمة العقليّة للواقع، فلا يجوز لهم أنّ يقعوا في مصيدة العنصريّة القائمة بجوهرها على نفي المنطق والعقلنة والأنسنة.

"تحديد موعد دخول العمّال العرب والأجانب إلى المخيّم عند الساعة الثانية عشر ليلاً" وهو الشق الأوّل من البند السابع في الورقة الوقائيّة، وتضيف في بندها الثامن " منع التجمّعات داخل المنازل وخصوصاً منازل الأخوة السوريين والأجانب المقيمين في المخيّم".

وهنا لا بد من سؤال اللجنة قبل مطالبتها باعتذار فوري عمّا أوردته، كيف يكون منع دخول العمال العرب والأجانب إلى المخيّم بعد الساعة الثانية عشر ليلاً، إجراءً وقائيّاً من فايروس "كورونا"؟ وهل الفايروس ينتقل عبر العمّال العرب والأجانب دون سواهم؟ علماً أنّ هذه الشريحة الكادحة كحال اللاجئين الفلسطينيين، تعيش نفس الظروف البيئيّة والصحيّة لأبناء المخيّم وبينهم، وترتاد ذات أماكنهم سواء الخاصّة بالعمل أو سواها، ولا يعبرون الحدود نحو الصين وإيطاليا وسوريا وايران أو أي دولة موبوءة يوميّاً ومن ثمّ يعودون إلى المخيّم كما هو معلوم للجميع، ناهيكم عن أنّ تحديد وقت دخولهم إلى المخيّم وبعضهم ربّما يكدح خارج منزله لما بعد منتصف الليل، أليس في هذا عنصريّة موصوفة لأجل العنصريّة؟ والسؤال هنا هل من يدخل إلى منزله قبل الوقت المحدد له، لا يجلب معه الفايروس في حال كان مصاباً به، وهل الفايروس استثنى الفلسطيني من شرط نقله بعد الوقت المحدد؟

وكيف ستمنع اللجنة الشعبيّة التجمعات داخل المنازل، ولماذا "خصوصاً منازل الأخوة السوريين والأجانب المقيمين"، وهم وكما أسلفنا يعيشون في المخيّم منذ فترة ما قبل "كورونا" بوقت طويل وبالتالي ظروفهم الصحيّة والبيئيّة مطابقة لظروف اللاجئين الفلسطينيين، وكما هو معلوم، المناعة الجسديّة ومدى قدرة الفايروس على اختراقها، لا تدخل الهويّة والجنسية ضمن محدداته، ومن هنا أيضاً يحق لنا أن نسأل، كيف ستتصرّف اللجنة الأمنيّة التي أسند لها تطبيق هذه الإجراءات، هل سنشهد في المخيّمات سلوكيّات المراقبة الأمنية على منازل الأجانب والعرب، هل ستصبح لجنتنا الأمنيّة مكتباً ثانيّاً تجاه الأخوة المقيمين، ومعظمهم من اللاجئين والمهجّرين كالفلسطينيين تماماً؟.

وهنا لابد من الإشارة، إلى الأرقام التي وردت في تقرير النتائج التفصيلية لتعداد السكان والمساكن للاجئين الفلسطينيين في لبنان، الصادر عن لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني والإحصاء المركزي اللبناني عام 2017، والتي تشير إلى اختلاط مزمن بين اللاجئين الفلسطينيين والمهجّرين من سوريا سواء من الجنسيّة السوريّة أو اللاجئين الفلسطينيين المهجّرين من مخيّمات سوريا، وخصوصاً في مخيّمات بيروت.

 وبحسب الإحصاء فإنّ اللاجئين السوريين يشكلون 47.5٪ من سكان مخيّم برج البراجنة، و 57٪ من سكّان مخيّم شاتيلا و 39٪ من سكّان مخيّم مار الياس، والنسب لا تختلف كثيراً في مخيّمات الجنوب والشمال، وتعكس تلك الأرقام تمازج النسيج المجتمعي، ليس فقط مع الأشقاء السوريين إنّما مع جنسيّات أجنبيّة عديدة تقطن المخيّمات منذ عقود، أليس من المنطقي أن نتساءل عن انعكاسات ما ورد في البيان إذا ما تم تنفيذه ، على ذلك النسيج وما يمكن أن يخلقه من توترات قد تستجر توابع أمنية واجتماعيّة وتؤسس إلى ضغائن وشروخ نحن بغنىً عنها في مجتمعات اللاجئين الفلسطينيين، في وقت  أنّها بأمس الحاجة إلى تعزيز أواصر الاخوّة بين عناصر مجتمع المخيّمات وخصوصاً مع الفئات اللاجئة والمستضعفة؟.

سقطة غير متوقعّة من اللجنة الشعبيّة، والمكوّنة من فصائل لها تاريخ وإنتماء واضح للأفكار الإنسانيّة النضاليّة العربية والعالميّة، وأشخاص مشهود لهم في الاحترام والرفعة الانسانيّة، وهم يعلمون تمام العلم، أنّ العرب والأجانب طالما كانوا عنصراً فاعلاً في بنية العمل النضالي الفلسطيني، وطالما حملوا السلاح والأفكار في خدمة النضال الفلسطيني، وطالما عُرف العمل الوطني الفلسطيني، وخصوصاً في لبنان، بأنّه مركز إشعاع للأفكار النضاليّة والأممية  والمنفتحة على أجناس الأرض، وفي مواجهة لحمق اليمين العنصري، الذي يغيّب العلم والمنطق والانسانيّة لصالح عصبوية عمياء.. وأمام ما ارتكبته اللجنة الشعبيّة في مخيّم مار الياس، ليست مُطالبة سوى باعتذار.
 

 




 

 

خاص

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد