وثيقة السفر وقانون الإمارات يحرمان أمهات من فلسطينيي سوريا لقاء أطفالهنّ

الخميس 26 سبتمبر 2019
كاريكاتور للفنان الفلسطيني هاني عباس .. ضمن حملة #أنا_لاجئ  #أنا_إنسان
كاريكاتور للفنان الفلسطيني هاني عباس .. ضمن حملة #أنا_لاجئ #أنا_إنسان
 

تقرير الوليد يحيى
 

"إنّهُ القانون، وإنّها وثيقة السفر، لذلك لا يحق لكما حتّى طلب تأشيرة دخول لدولة الامارات"، بهذه العبارة سدّت سفارة  دولة الإمارات العربية المتحدّة في برلين، أي نافذة أمل لـ "تغريد ولمى" بلقاء كلّ منهما طفلتها المقيمة على أراضي الدولة العربيّة الخليجيّة، التي لا يسمح قانونها استقبال حملة وثيقة السفر.
 

تغريد وليان محرومتان من اللقاء

"تغريد دواس" أمّ فلسطينية لاجئة من مخيّم اليرموك في سوريا إلى ألمانيا، أجبرتها ظروفها على فراق طفلتها في العام 2013، حين قررت تغريد إرسالها إلى والدها في دولة الامارات العربيّة المتحدة، تقول تغريد لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين": "لم أفكّر سوى بأمان طفلتي، وبأنها ستعيش ظروفاً أفضل بعيداً عن الحرب والقذائف وانقطاع الكهرباء والماء وانعدام الأمان في سوريا".

لم تدرك تغريد أنّ الفراق سيكون طويلاً مع طفلتها "ليان"، فهي لم تعد قادرة على زيارة دولة الإمارات للقاء ابنتها، بسبب انفصالها عن زوجها المقيم هناك عام 2011 وعودتها إلى دمشق، الأمر الذي أفقدها تصريح الإقامة في أبو ظبي بشكل دائم، ولا تستطيع استحصال أي نوع من أنواع التأشيرة إلى الإمارات، لكونها فلسطينية سوريّة، غير مخوّل لها دخول الدولة إلّا بعقد عمل أو زواج، ما دفعها وتحت ضغط الحرب في سوريا، إلى اللجوء نحو ألمانيا كالآلاف من فلسطينيي سوريا.

غادرت تغريد إلى ألمانيا عبر البحر عام 2014، وفي خاطرها أملٌ بأنّ يقصّر بعد المسافة بين مستقرّها هناك، وابنتها القاطنة مع أبيها في الإمارات، من زمن الفراق، علّ اعتباريّة قانونية ستتاح لها في لجوئها الألماني، تُكسبها حقّ السفر واللقاء بطفلتها كلّما شاءت، إلّا أنّ حقيقتها كلاجئة في نظر قوانين الدول العربية، تصر على سلبها ذلك الحقّ.
 

من وثيقة إلى أخرى واللعنة ذاتها

تقول تغريد: "منذ وصولي إلى المانيا، لم يكن في بالي شيء آخر سوى الحصول على أوراق تمكنني من استحصال تأشيرة دخول إلى الإمارات لزيارة ابنتي".

رحلة ليست بالقصيرة، قضتها تغريد بين معاملات اللجوء والإقامة في ألمانيا، حتّى استحصلت أخيراً على إقامة ووثيقة سفر ألمانيّة، تمنحها الحكومة هناك للاجئين لديها، ودفعها ذلك إلى سفارة الإمارات في برلين، التي واجتهها بالرفض الحاد والمطلق لمجّرد تقديم الطلب، وفق ما أكّدت.

تقول تغريد: "لم أدع باباً لم أطرقه في محاولاتي من أجل استحصال تأشيرة دخول إلى الإمارات، من شركة الاتحاد الإماراتية للطيران، وصولاً إلى دائرة الهجرة والجنسيّة في الإمارات ووزارة الداخلية، ومنظمات إنسانية وصحفيين، والكل واجهني بأنّ قانون دولة الإمارات لا يعترف بوثيقة السفر الخاصّة باللاجئين، وأنّ الوثيقة الصادرة عن ألمانيا ليست جواز سفر".
 

ابنتني تكبر بعيداً عنّي.. أليس لذلك استثناء؟

6 سنوات من الفراق بين تغريد وابنتها "ليان" ولا شيء أكثر قهراً على الأم من أن يكبر طفلها بعيداً عنها، دون تلمّس أي أفق حتّى الآن بلقاء قريب، تقول تغريد، وتشاركها في ذلك "لمى صالح" التي تخوض قهراً بلغ عمره خمس سنوات، وهي مدّة فراقها لطفلتها "فايزة" ذات السنوات الستّ، والتي تقيم في كذلك دولة الإمارات، وتحول القوانين دون لقائهما.

تقول لما، وهي لاجئة فلسطينية مهجّرة من سوريا  إلى ألمانيا، أنّها استنفذت كافة محاولاتها لاستحصال تأشيرة زيارة إلى الإمارات للقاء طفلتها، ومن بينها دعوة زيارة من داخل الإمارات ولكن دون جدوى، حتّى أنّها قد استشارت أكثر من 25 محامياً لديهم خبرة بالقوانين العربيّة، وجميعهم قد أجمعوا على ذات الجواب: "لا يمكننا التدخّل في القوانين الداخليّة للإمارات".

تشير لمى، إلى أنّها طلبت لقاءً مع السفير الإماراتي في برلين، ولكن لم يسمحوا لها بلقائه، وأخبرها المستشار القانوني لدى السفارة أنّ أمر زيارة الإمارات مستحيل لحملة وثائق السفر.

لا تطلب لما ولا تغريد شيئاً سوى تأشيرة زيارة إلى دولة الإمارات، لغرض لقاء طفلتيهما المقيمات هناك، تقول لمى: "منذ وصولي إلى ألمانيا ولم أفكر بشيء سوى لقاء ابنتي، ظنّاً مني أنّ أوراقي التي حصلت عليها من ألمانيا والتي تتيح لي زيارة معظم دول العالم ستمكنني من زيارة الامارات".

أمّا تغريد فتوجّه تساؤلاً للمسؤولين هناك، حول سبب مخاوفهم من زيارة لاجئ يحمل وثيقة ولديه إقامة في بلد أوروبي لبلادهم، وتقول: "نحن لا نريد أن نستقر في الإمارات، فقط نريد زيارة بناتنا، فنحن هنا نقيم ونعمل ونتابع حياتنا بشكل جيّد ولا نطلب شيء سوى رؤية أطفالنا".

لم يتبقَّ للمى وتغريد، من أمل سوى انتظار الحصول على الجنسيّة الألمانيّة، وهو أمر قد يستغرق عدّة سنوات أخرى، والعمر في حالة الفراق بين الأم وطفلها ليس مجّرد رقم ويمرّ، تواجهان وقعه بالصبر وتبديد الأشواق، "ابنتي الآن لا تعرفني"، تقول لمى، التي فارقت ابنتها وهي في عمر العام، وتضيف: "أنا بالنسبة لابنتي مجّرد صورة تراها عبر الأجهزة، واسم يُقال لها  من محيطها ، ولا تدرك أنّي أمّها، وتتحدث معي كأني شخص غريب"، وتتساءل باستهجان: "أليس في دولة الإمارات استثناء لحالة إنسانيّة، لحالة أم تطلب رؤية ابنتها؟"، وتضيف: "ماذا الضرر الذي سيحصل على الإمارات اذا سمحت بدخولي لرؤية ابنتي، بماذا تهدد أم لاجئة تريد رؤية ابنتها دولة الإمارات؟".
 

صرخات يائسة .. "أنا لاجئ أنا إنسان"

بعد أن استنفذتا كافة محاولات الحصول على تأشيرة زيارة للإمارات، لم يتبقّ لهما سوى الصراخ بقضيتهما والتي هي قضيّة العديد من الأمهات اللاجئات اللواتي يعانين ذات الظروف، وفق لمى وتغريد، اللتين أطلقتا حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان: "أنا إنسان.. أنا لاجئ"، لتسليط الضوء على معاناة الأمهات ذوات الأوضاع المشابهة.

حملة تعلم كلّ من تغريد ولمى أنّها لن تؤثر على قوانين دولة، إنّما الهدف منها القول، إنّ اللاجئ إنسان له حقوق، بعد أن بات في نظر القانون منقوص الإنسانيّة والكيانية، حسبما تقولان، مما لامستاه في معاناتهما في هذه القضيّة.

تقول تغريد، إنّ الفكرة قد بدأت حين تواصلت مع أحد الإعلاميين في قناة "بي بي سي"، لتسليط الضوء على قضيتها، إلّا أنّه قد رفض تناول الموضوع، لأنّه "شأن يتعلّق بالقوانين الإماراتيّة ولا يتدخلون به"، كما أنّ قضيتهم ليست "تريند" وغير متداولة على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي، لذلك لا يمكن تناولها في برنامجه.

وتضيف تغريد، من هنا قررنا أن نجعل قضيتنا وعذابنا "ترند"، ليدرك العالم حجم معاناتنا، ويتعرف من خلال الحملة على العديد من الأمّهات والأباء الذين لا يستطيعون رؤية أبنائهم والسبب لكونهم لاجئين، حيث توجد سبع أمهات لاجئات في أوروبا ممنوعات من السفر إلى الإمارات للقاء أبنائهن.

وتقول لمى عن الحملة، إنّها "محاولة لإيصال صوتنا بعد أن فعلنا كل شيء على أرض الواقع في سبيل زيارة بناتنا"، وتضيف: "يرونا مجّرد لاجئات منقوصات الاعتبارية القانونية، ولا يحق لنا السفر في قوانين بعض الدول، إلّا أننا أمهّات نريد رؤية أطفالنا".

وتتابع: "الامارات وقوانينها تجسّد المثل القائل: ( فوق الموتة عصّة قبر)"، فبعد أن اعتبرونا نكرات لمجّرد أننا لاجئات، صرنا نكرات لدى أطفالنا الذين لا يعرفوننا ويكبرون بعيداً عنّا، وفق ما تعبّر لمى بألم شديد.

خاص

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد