الأردن - بوابة اللاجئين الفلسطينيين

تامر خورما

"مشكلة الطفل لا يمكن حلّها بترديد عبارات ثوريّة يحفظها عن ظهر قلب، بل المسألة تتجاوز ذلك إلى مفهوم الهويّة، وإلى أبعاد إنسانيّة أعمق تتّصل بتحقيق الذات وبناء الشخصيّة استناداً إلى أسس علميّة، قبل الخوض في القضايا السياسيّة، وبعيداً عن منطق الفزعة. بصراحة أطفال المخيّمات يحتاجون إلى الاستقرار النفسي قبل أيّ شيء آخر".

بهذه الكلمات يختزل مهنّد عبدالرحمن، المدير التنفيذي لجمعيّة يعرب التنمويّة الخيريّة، الرؤية التي تستند إليها الجمعيّة في عملها لرعاية الأيتام والأطفال في مخيّم النصر للاجئين الفلسطينيّين في عمّان، أو كما يعرف رسميّاً بحيّ الأمير حسن، الواقع شرق العاصمة الأردنيّة عمّان، والذي ترفض وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" الاعتراف به رسميّا، رغم تقديمها الخدمات لسكّانه، حيث أقيم كمخيّم طوارئ لإغاثة النازحين بعد نكسة العام 1967.

ولجمعيّة يعرب التي تأسّست قبل سنتين بهذا الاسم ردّاً على الصورة النمطيّة التي يحاول الغرب إسقاطها على العرب حكاية تمتدّ إلى العام 2006، حين كان مجموعة من الشباب يكرّسون أغلب وقتهم لإرشاد الفتيان الأيتام.

 تراكم الخبرة دفع الشبّان إلى التساؤل، يقول مهنّد: "ما الذي نحتاجه حقّاً؟ عمل وطني..؟ طرود إغاثة وأمول ؟ أم تنمية؟".

ويضيف: "أدركنا عبثيّة واستحالة تعليم الطفل لعب رياضة التنس أو استخدام الحاسوب حين يكون جائعاً أو فاقداً للأمان. نحتاج قبل أيّ شيء آخر إلى تأمين احتياجاته الأساسيّة، ودعمه سيكولوجيّاً، لإطلاق إبداعاته الكامنة وتمكينه من صقل شخصيّته".

 وهكذا اندفعت مجموعة من الشباب والشابّات لتلقّي دورات التربية السلوكيّة، حتّى يتسنّى لهم الارتقاء بواقع مخيّمهم، بعيداً عن الطرق التقليديّة التي لم تقد إلى أيّ مكان.

وقد نجحت الجمعيّة إلى حدّ بعيد في إنقاذ عدد من أطفال المخيّم من تبعات حالات التفكّك الأسري، والتشرّد، بالإضافة إلى المشاكل النفسيّة الناتجة عن الصدمة، كفقدان الأب أو الأم. ومن خلال 14 مشروعا تنمويّا عمدت إلى الارتقاء بواقع 150 طفلاً، وصفت حالات 37 منهم بالصعبة، حيث تواصل تقديم الإرشاد السلوكي والدعم النفسي لأطفال المخيّم، ما خلق حالة رضا وغبطة لدى الأهالي، الذين فوجؤوا بما يقدّمه هؤلاء الشباب، في الوقت الذي فشلت فيه الجهات السياسيّة والرسميّة التي كان يفترض اضطلاعها بمثل هذا الدور.

كما تجاوزت الخدمات التي يقدّمها شباب الجمعيّة اللاجئين الفلسطينيّين إلى أشقّائهم السوريّين، الذين لجؤوا إلى مخيّم النصر والمناطق المجاورة له، حيث أثبتوا قدرتهم في التعامل مع الصدمات النفسيّة التي يعانيها هؤلاء اللاجئين نتيجة الأحداث الدامية في سوريّة.

ولك أن تتخيّل ردود أفعال "مشايخ" و"منظّري" التيّارات السياسيّة المختلفة، والتي يقتصر  وجودها في المخيّم على بضعة "مخاتير" و"وجهاء" ، والذين يرفضون "السماح" لغيرهم بالانخراط في أيّ دور اجتماعيّ من شأنه انتزاع صفة "التمثيل" التي يتمسّك بها هؤلاء المخاتير.

وهكذا واجه شباب الجمعيّة سيلاً من الاتّهامات والشائعات، فكلّ تيّار سياسيّ بات يزعم أنّهم محسوبون على تيّار آخر منافس له، ولكن على ما يبدو ثبتت استقلالية من خلال انسلاخ بعض الشبان عن تنظيماتهم وتكتّلاتهم السياسيّة للانخراط في عمل "يعرب".  

وتتنوّع نشاطات الجمعيّة كما يوضح رئيسها ميسرة الدماغ، من رياضيّة وموسيقيّة، وأدبيّة، وثقافيّة، ومهنيّة، وكشفيّة، منوّهاً بأن معظم القائمين على الجمعيّة بدؤوا عملهم في نادي حيّ الأمير حسن الرياضي الاجتماعي، قبل اعتزامهم البدء بمشروع "يعرب" والتركيز على الجانب الإنساني.

ويشير إلى أن الجمعيّة مازالت تعاني مشاكل تتعلّق بالتمويل، حيث تقرّر اعتماد برنامج الكفالات التنمويّة التي يتبرّع بها الأهالي والأصدقاء بواقع 15 دينارا أردنيّا لكلّ طفل شهريّاً. ولكن ما يعتزم الشبّان عمله الآن هو البدء بتنفيذ مشاريع تدرّ على الجمعيّة ما يكفي لتحقيق استقلاليّتها الماليّة.

ونتيجة للنجاح السريع واللافت الذي حقّقته "يعرب" فقد بدأت منظّمات غير حكوميّة، محليّة ودوليّة، بتقديم عروض للعمل المشترك، كمنظّمة (CARE) التي عرضت على فريق الجمعيّة مشروعاً للتدريب المشترك .

كما عرضت (تقاطع ضوئي للفكر والإبداع) وهي منظّمة تصوير احترافيّة، أن تتولّى مسائل الإعلام المرئي لنشاطات الجمعيّة.

وبذكر النشاطات والفعاليّات تجدر الإشارة إلى أن آخر عرض مسرحي قدّمه أطفال الجمعيّة في 14 نيسان الماضي سجّل سابقة فيما يتعلّق بعدد الحضور.

وفيما يتّصل بما قد تواجهه جمعيّة يعرب نتيجة رفض "المخاتير" انتزاع "شرعيّة التمثيل"، يقول ثائر الحلحولي، نائب رئيس الجمعيّة: "إنّنا نشارك في كافّة الفعاليّات، ونتعاون مع الجميع بلا تمييز، على أسس المودّة والاحترام المتبادل".

ولكن واقع الحال هو أن هذه الجمعيّة فرضت ذاتها ضمن موازين دفعت الجميع إلى التعامل معها باحترام، فالمتنفّذين الذين تخلّوا عن المصلحة العامّة لقاء مناصب جامدة، فشلوا في أداء واجباتهم تجاه المخيّم، ما دفع أبناءه إلى تحمّل المسؤوليّة، وفي النهاية بات الأهالي جزء من "يعرب" التي أنشئت بهم ولأجلهم .

واليوم بات لمخيّم النصر، الذي يعاني التهميش كغيره من جيوب الفقر في عمّان الشرقيّة، ما قد يسهم في انتشاله من هذا الواقع بعيداً عن الخطب الرنّانة، أو حملات "الإعانة" الدعائيّة على حدّ سواء.

 

خاص - بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد