رأي – عبد معروف
تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية، الطرف الأشد عدوانية تجاه الشعب الفلسطيني، أولاً، لأنها القوة الرئيسية المساندة للكيان الصهيوني، وعملت وتعمل على دعمه بأنواع الأسلحة والمال، والسياسة، وفي الأروقة الدبلوماسية، وتقف أمام أي محاولة لإدانة أعماله العدوانية في الأراضي العربية عامة والفلسطينية خاصة.
ثانياً، لأن الولايات المتحدة الأمريكية، تنهب ثروات الشعوب العربية التي يمكن لها أن تساهم في دعم الشعب الفلسطيني، وتساهم في تطورها وتقدمها وتصنيعها وإنتاجها.
ثالثاً، لأن الولايات المتحدة تدعم نظم الفساد والقمع والاستبداد في الوطن العربي .
رابعاً، لأنها تدعم قوى الإرهاب والتطرف الديني في محاولة لتشويه الثورات الشعبية وحرفها عن مسارها باتجاه التخويف والترهيب وتفجير الصراعات الطائفية والمذهبية.
وقد أثبتت تجارب العقود الماضية، خلال سنوات انفجار الصراع، أن الولايات المتحدة ناصرت الكيان الصهيوني وقدمت له الدعم العسكري والمادي والتقني، وفي سنوات المفاوضات مع الأطراف العربية، أثبتت واشنطن منذ مؤتمر مدريد، أنها ليست طرفاً عادلاً ونزيهاً في عملية التسوية وكانت دائماً إلى جانب الاحتلال، وتساند شروطه وتمارس الضغط على الأطراف العربية ومنها الفلسطينية لتقديم التنازلات.
لذلك، فإن الولايات المتحدة الأمريكية لا تعمل ولا تتحرك ولا تطرح المشاريع، إلا لمصلحة الكيان الاسرائيلي، وبالتالي هي في مقدمة القوى المعادية للفلسطينيين، وقضيتهم، وتعمل بكل قوتها من أجل تصفية قضيتهم الوطنية، ولا يمكن اعتبار الإدارة الأمريكية داعماً لما أطلق عليها مسيرة السلام والمفاوضات على المسارات الاسرائيلية مع الدول العربية ومع الطرف الفلسطيني .
ولهذا فإن أي طرح أمريكي أو أي مشروع ومخطط أمريكي للتسوية على المسار الفلسطيني، سيكون حتماً مشروعاً لمصلحة الكيان الصهيوني ، ويؤدي حتما إلى تصفية القضية الفلسطينية .
كما أثبتت تجارب الصراعات والحروب ومشاريع التسوية والمفاوضات أن الحكومة الإسرائيلية لا تريد السلام ولا تعمل من أجل التسوية، ولم تتقدم خطوات جادة من أجل ما أطلق عليه السلام العادل والشامل استناداً لقرارات الشرعية الدولية التي كان يأمل بها الطرف الفلسطيني.
فالتجربة، وبمنطق بنية الاحتلال، يمكنها التأكيد على أن هذا العدو لا يريد السلام ولا يعمل من أجل السلام وليس في بنيته ما يشير إلى أنه طرف يرغب بالسلام كما ترغب أو تعمل من أجله القيادة الرسمية الفلسطينية.
ولأن القيادة الفلسطينية كانت صادقة في مسار المفاوضات، لعدم إيمانها أو عدم قدرتها العسكرية في ظل المحيط العربي والدولي المأزوم ، فقط تخلت القيادة الفلسطينية عن الكثير من أوراق القوة وتراجعت في بنيتها كمقاومة عسكرية لمصلحة"السلام خياراً استراتيجياً".
وعملت القيادة الفلسطينية خلال العقود الماضية من أجل إثبات صدق نواياها تجاه السلام مع الاحتلال، من أجل كسب الرأي العام الدولي، والإثبات للعالم أن الاحتلال هو الطرف الذي لا يريد السلام .
وبعد عقود، من حلم "السلام "، وتحويل معظم بنية الفصائل الفلسطينية (بما فيها بنية بقايا اليسار أو من ادعى أنه سيستمر بالمقاومة)، إلى بنية من المؤسسات الوظيفية والانشغال والخلاف حول استلام السلطة، جاءت "صفقة القرن" من الرئيس الأمريكي رونالد ترامب كنتيجة طبيعية لمسار طويل من الرهان على السلام مع الاحتلال الاسرائيلي برعاية أمريكية.
وأعلن الرئيس محمود عباس صراحة ، أن سلطات الاحتلال الاسرائيلي لا تريد السلام وأوصلت مسار التسوية إلى طريق مسدود ، وبالتالي فإن تل أبيب لم تعد طرفاً في عملية السلام على المسار الفلسطيني، وأعلن الرئيس محمود عباس أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد طرفاً نزيهاً في عملية المفاوضات ولم يعد يوافق على رعايتها وحدها للعملية السلمية .
وهذا يعني أن القضية الفلسطينية أصبحت أمام مرحلة جديدة، وعليها اتباع سياسة جديدة تقوم على أن إسرائيل لا تريد السلام، وأن رعاية التسوية يجب أن تكون رباعية، وهذا يتطلب منهجاً جديداً في العمل والتحرك من أجل التمسك بالثوابت والاستمرار بالنضال الفلسطيني حتى تحقيق الأهداف المشروعة وإفشال مشروع صفقة القرن الذي سيؤدي حتما إلى تصفية القضية الفلسطينية، أو يشكل الخطوة الأخيرة لتصفيتها في حال كانت جادة.
وهذا أيضاً يتطلب سياسة فلسطينية رسمية جديدة وفريق عمل جديد وبنية جديدة تعمل من أجل وضع برنامج العمل لتنفيذ مشروع النضال الفلسطيني القائم على المقاومة الشعبية، والتحرك الدبلوماسي تجاه المجتمع الدولي .
هذا برنامج السلطة الفلسطينية الرسمية، في مواجهة صفقة القرن واستمرار تحركها من أجل "سلام" أعربت عن أملها بأن يكون عادلاً وشاملاً.
هو برنامج السلطة السياسية الفلسطينية، التي ارتبطت منذ العام 1993 بالاتفاقيات والقرارات والإعلانات الدولية، لكن يبقى الرهان اليوم على الفصائل الفلسطينية أيضاً، تلك الفصائل وبدون استثناء، التي لم ترتبط ولم توقع ولم تبدد في برامجها السياسية وشعاراتها "النضالية" رغم ترهلها وضعف بنيتها وارتهان العديد منها إلى أطراف خارجية .
القضية الفلسطينية اليوم، أمام منعطف خطير، منعطف ليس بسبب عدوان عسكري، أو بسبب مشروع سياسي يساهم في إضعافها، بل لأنها أمام مشروع تصفيتها، فما هو دور الفصائل الفلسطينية في مواجهة صفقة القرن، وضمان الاستمرار بالنضال الفلسطيني .
من المفروض أن يكون دورها ثورياً، أي تعزيز دورها النضالي وتأهيل نفسها وتغيير بنيتها، والعمل على وضع البرامج والمشاريع النضالية استناداً إلى حقيقة أن هذا العدو لا يريد السلام، ولا يفهم إلا لغة الثورة والمقاومة .
فهل باستطاعة الفصائل ذلك ؟
من الواضح أن الفصائل الفلسطينية مأزومة، ووصلت إلى مرحلة لم يعد في مقدورها حماية الشعب والقضية ولم يعد باستطاعتها حتى المحافظة على نفسها.
فزيارة مكاتب الفصائل والاجتماع مع قياداتها يشيران بوضوح إلى أنها تعيش في وضع لا تحسد عليه، وهي ليست مكاتب لقوى قادرة على صنع التغيير وإفشال "صفقة القرن".
كما أن أوضاع الشعب الفلسطيني ليست أفضل حالاً، فالوضع الاجتماعي والتربوي والاقتصادي والنفسي يدعو إلى القلق، وتراجع مستوى الثقافة والوعي والمستوى التعليمي، وكل ذلك بسبب تردي الحال السياسية وتغييب البرامج القادرة على النهوض بالشعب الفلسطيني، وإفقاره وتغييبه عمداً عن المشاركة في صنع القرار السياسي، كل ذلك يضعف من القوة للمواجهة، وترامب ومن خلفه الامبرياليات العالمية وسلطات الاحتلال، يعلمون كل هذا، لهذا لا يمكن المراهنة على بنية الفصائل الفلسطينية الحالية بأنها ستواجه صفقة القرن والتحديات المحدقة بالقضية الفلسطينية، لكن الثورة ضرورة، والمواجهة حتمية، والخطر القادم شديد، ولم يبق أمام الشعب الفلسطيني إلا خياراً واحداً، هو خيار الثورة والانتفاضة، ثورة تقوم على مقاومة الاحتلال الاسرائيلي، وتقوم على الثقة بقدرة الشعب والعمل على تنظيمه ورفع مستوى وعيه والدفاع عن مصالحه وإخراجه من نفق اليأس والإحباط الذي يمر به، ثورة تعيد القضية الفلسطينية إلى مسارها الطبيعي، أن فلسطين من النهر إلى البحر هي حق للفلسطينيين غير قابل للتفاوض، ولا يمكن تحرير الأرض إلا بالكفاح الشعبي المسلح، بهذا الاتجاه يستعيد اللشعب الفلسطيني ثقته وقوته وعزته الذي عملت حالة الرداءة السياسية الرسمية والفصائلية على زعزعتها.
وإذا كان من مصلحة الشعب الفلسطيني اليوم،إفشال "صفقة القرن" والمحافظة على قضيته الوطنية، فإن السبيل الوحيد لذلك هو الثورة والتغيير ، هنا يأتي السؤال، هل في مقدور الفصائل الفلسطينية جميعاً، استعادة حيويتها ودورها ؟ هل يمكن للفصائل التي نامت على حرير العجز و"السلام" وأحياناً الارتهان أن تنهض وتصنع الثورة؟
الشعب الفلسطيني شعب عظيم، ولديه القدرات والطاقات وأثبتت تجارب التاريخ أن باستطاعته أن يقدم التضحيات من أجل وطنه وقضيته، لكن الشعب يبحث عن قيادات صادقة، والأمر لا يعالج بتنظيم مسيرات واعتصامات، ولا حشود في الساحات والزيارات المتبادلة والتقاط الصور وإصدار البيانات والخطابات المهترئة، هذا كله مفيد في إطار عملية متكاملة لمواجهة الخطة الأمريكية والاستمرار بالنضال، وليس أن تقتصر العملية النضالية على تحركات لا تسمن ولا تغني من جوع .
وإذا كانت فلسطين أرضاً عربية وتحريرها مهمة كل العرب، فإن مهمة الفلسطينيين هي وضع قضيتهم في إطارها العربي، وربط القضية بالمسار النضال العربي العام الذي يؤدي إلى بناء العدالة الاجتماعية وضرب بؤر الفساد والاستبداد .
هذه ليست شعارات فضفاضة خارج منطق التاريخ، إنه مسار التاريخ دون وهم، فطريق فلسطين هو طريق الثورة التي أطلقتها حركة فتح عام 1965 وسقط من أجلها الشهداء، ورغم الانشقاقات والتفتتات التي أصابت الحركة تحت شعارات استمرار الكفاح المسلح والتمسك بالسلاح، إلا أن المنشقين الذين انفصلوا عن القيادة الرسمية لحركة فتح أوهموا الشعب بمصداقيتهم، لكن لم يستطيعوا الاستمرار بالشعارات التي أطلقت ولم يحققوا من شعاراتهم إلا الوهم، فيما وهم "الدولة" و السلطة ابتلعا الحركة الأم، وسرقا حلمها وحلم الشرفاء فيها بالتحرير والعودة.
اليوم على الشعب الفلسطيني والنخب الفلسطينية الصادقة أن تبحث سريعاً عن مسار النضال الوطني، فالقارب الذي يحملنا جميعاً مهدد بالغرق.