متابعات
يصادف يوم 26 من شباط/فبراير 2020 الذكرى الأربعين لرحيل القائد الوطني الفلسطيني أحمد أسعد الشقيري، الذي توفي في العام 1980 في العاصمة الأردنية عمّان عن عمر 72 عاماً.
حياته ومسيرته الأولى
ولد أحمد أسعد الشقيري في بلدة تبنين جنوبي لبنان عام 1908، لكون والده كان منفيّاً من قبل السلطات العثمانية، وفي عمر مبكر انتقل مع والدته إلى مدينة طولكرم في فلسطين، ومن ثمّ إلى عكّا حيث تلقّى تعليمه الإبتدائي في المدرسة الأميريّة عام 1916، ومن ثم انتقل إلى القدس التي أتمّ فيها دراسته الثانوية عام 1926.
انتقل الشقيري بعدها إلى بيروت، والتحق بالجامعة الأمريكية هناك، وفيها انخرط في النشاط الوطني من خلال حركة القوميين العرب ونادي العروة الوثقى التي برز نشاطه فيها، قبل أن تبعده سلطات الانتداب الفرنسي عن لبنان عقب عام واحد على وجوده، بسبب قيادته مظاهرة ضخمة في الجامعة مناهضة للاحتلال الفرنسي في لبنان.
عقب قرار إبعاده عن بيروت عام 1927، ذهب الشقيري إلى مدينة القدس والتحق بمعهد الحقوق، وعمل محرراً بصحيفة مرآة الشرق، وشارك في المقاومة ضد الاحتلال البريطاني ضمن الثورة الفلسطينية الكبرى (1936 _ 1939) وكان فاعلاً في الدفاع عن الثوار المعتقلين أمام المحاكم البريطانية، وأثّرت مقالاته الصحفيّة في تجييش المشاعر الوطنية.
ومن محطات بروزه، مُشاركته في مؤتمر بلودان في أيلول/ سبتمبر عام 1937 بناء على دعوة لجنة الدفاع عن فلسطين في دمشق، الأمر الذي حذا بالسلطات البريطانية مُلاحقته، فاضطر إثر ذلك إلى التوجه إلى مصر، ليعود إلى فلسطين عام 1940 مع بداية اندلاع الحرب العالمية الثانية، وافتتح مكتباً للمحاماة.
عُيّن الشقيري، مديراً لمكتب الإعلام العربي المركزي في القدس، عام 1948 حيث حلّت نكبة الشعب الفلسطيني، و اضطر إلى الهجرة على إثرها إلى لبنان والاستقرار في بيروت.
خارج فلسطين.. دبلوماسيّاً في العديد من الحكومات العربية
برز اسم أحمد الشقيري، في المحافل الدوليّة، حين اختارته الحكومة السوريّة عام 1949 عضواً في بعثتها، لكونه يحمل الجنسيّة السوريّة إضافة إلى خبرات دبلوماسيّة وحقوقية، وفي العام 1950 عاد الشقيري وتوجّه إلى القاهرة، وهناك عُيّن في منصب الأمين العام المُساعد لجامعة الدول العربيّة حتّى عام 1957.
كما عيّنته حكومة المملكة العربية السعودية، وزيراً للدولة لشؤون الأمم المتحدة، ومن ثم سفيراً دائماً لها في الأمم المتحدة، وحمل في رأس اهتماماته خلال عمله الدبلوماسي في الأمم المتحدة، الدفاع عن القضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
تمثيل فلسطين وتأسيس منظمة التحرير
شكّلت وفاة ممثل فلسطين لدى جامعة الدول العربيّة عام 1963 أحمد حلمي عبد الباقي، بداية لانخراط الشقيري في العمل الفلسطيني الدبلوماسي، حين عيّن خلفاً له ليشغل منصب الممثل، باختيار من قبل الرؤساء والملوك العرب حينها.
وفي كانون الثاني/ يناير من العام 1964، انعقد مؤتمر القمّة العربيّة بالقاهرة ، وكلّف المؤتمر أحمد الشقيري بوصفه ممثلاً للشعب الفلسطيني في القمّة، بإجراء اتصالات مع الشعب الفلسطيني في كافة أماكن وجوده في الدول العربيّة، لغرض كتابة تقرير وتقديمه لمؤتمر القمّة التالي، فوضع الشقيري عقب جولاته، مشروع الميثاق القومي والنظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وبناء على ذلك، جرى تأسيس اللجان التحضيريّة التي وضعت بدورها قوائم بأسماء المرشحين لعضوية المؤتمر الفلسطيني الأوّل الذي انعقد بتاريخ 28 آذار/ مارس 1964 في مدينة القدس، تحت عنوان " المؤتمر الفلسطيني الأوّل لمنظمة التحرير الفلسطينية" وانتخب أحمد الشقيري رئيساً له، ليجري الإعلان عن منظمة التحرير والمصادقة على الميثاق القومي والنظام الأساسي لها، وانتخاب الشقيري رئيساً للجنة التنفيذية لها، كما قرر المؤتمر إعداد الشعب الفلسطيني عسكرياً وإنشاء الصندوق القومي الفلسطيني.
تابع الشقيري عمله على رأس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وقدّم تقريره في مؤتمر القمّة العربيّة التالي في الاسكندرية 5 أيلول/ سبتمبر 1964، وتضمّن مقترح إنشاء كيان فلسطيني تنظيمي وعسكري، من أجل التعبئة والتحرير، ووافق المؤتمر على مقترح الشقيري وعلى تقديم الدعم المالي للمنظمة.
كما نجح الشقيري، في تأسيس مكاتب للمنظمة في الدول العربية والأجنبية، وبناء الجهاز العسكري الذي عُرف باسم " جيش التحرير الفلسطيني" وواصل عمله في المقر الرئيسي للمنظمة في مدينة القدس.
استقالته ووفاته
كان وقع الهزيمة العسكرية التي مني بها العرب عام 1967 والتي سمّت بـ" نكسة حزيران" كبيراً على الشقيري، وما جلبته من آثار سلبيّة على منظمة التحرير، تمثّلت في حالة من التباينات الداخليّة الحادّة، اندفع على إثرها لتقديم استقالته في كانون الأوّل/ ديسمبر عام 1967.
تفرّغ الشقيري بعد استقالته للكتابة مترفّعاً عن الخوض في أي موقع رسمي، وعاش في العاصمة المصريّة القاهرة حتّى غادرها إلى تونس احتجاجاً على توقيع الرئيس المصري الأسبق أنور السادات اتفاق التسوية مع الكيان الإسرائيلي.
وفي تونس تأزّمت حالته الصحيّة، بعد إصابته بمرض عضال، وجرى نقله إلى عمّان من أجل تلقّي العلاج، وتوفي بتاريخ 26 شباط/ فبراير 1980 عن 72 عاماً، قضى جزء منها في النضال الوطني وتأسيس الكيان الفلسطيني التحرري، وجزء آخر انكبّ فيه على الكتابة والتأريخ، تاركاً العديد من الكتب و المؤلفات حول القضايا العربية والقضية الفلسطينية ومنها "
قضايا عربية- دفاعاً عن فلسطين- فلسطين على منبر الأمم المتحدة- أربعون عاماً في الحياة السياسية- مشروع الدولة العربية المتحدة- من القمة إلى الهزيمة مع الملوك والرؤساء العرب إلى أين؟ و حوار وأسرار مع الملوك والرؤساء العرب".