"ما يحدث ليس ببعيد عمَّا يجري في حي الشيخ جرّاح بمدينة القدس"، بهذه الكلمات وصف الناشط والباحث السياسي عبد أبو شحادة ما يجري في مدينة يافا داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 من تهجيرٍ قسري أو محاولاتٍ لتهجير السكّان الفلسطينيين على يد شركة "عميدار" الحكوميّة والتابعة للاحتلال، في تكرارٍ لمشهد النكبة الفلسطينيّة الذي لا يُنسى.
شركة "عميدار" التابعة لوزارة الإسكان "الإسرائيليّة" تعرض عشرات البيوت لعائلات فلسطينيّة في يافا خلال مزاداتٍ علنيّة مفتوحة يصل سعر البيت فيها إلى ملايين الشواكل، وذلك لتعجيز سكّانها لعدم شرائها والحفاظ على هذه المنازل التاريخيّة.
مظاهرات أسبوعية ضد مخطط استهداف بيوت اللاجئين الفلسطينيين
وعلى إثر هذا التهجير القسري، اللاقانوني، انطلق الحراك الشعبي في يافا للتصدي لشركة "عميدار" ومخططاتها ولدفعها للتراجع عن قرارها بإخلاء البيوت الفلسطينيّة، حيث تم تنظيم عشرات المظاهرات في يافا بشكلٍ أسبوعي رفضاً لهذا المخطّط.
وأوضح الناشط اليافاوي عبد أبو شحادة، لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، أنّه من المهم للغاية التركيز على أنّ المستهدف في هذا المخطّط هو بيوت اللاجئين الفلسطينيين، ما بعد نكبة العام 48 نقل الاحتلال العائلات الفلسطينيّة التي بقيت في يافا إلى حي العجمي، وهذا يُشابه ما يحصل الآن في حي الشيخ جرّاح، وفي ذلك الوقت قام الاحتلال بتختيم (توقيع) الأهالي هناك على أوراق تقول أنّهم لا يملكون البيوت ولكن لديهم حق في السكن حتى ثلاثة أجيال قادمة، ولاحقاً جعلوها لجيلين فقط.
وتابع أبو شحادة: في التسعينات بدأت سلطات الاحتلال ببيع أملاك اللاجئين في يافا من خلال مناقصات في السوق الحر، ووضعت كل الفلسطينيين الذين بقوا في بيوتهم في دائرة خطر التهجير، موضحاً أن أوامر إخلاء بيوت الفلسطينيين في يافا "تأتي لأتفه الأسباب"، مثلاً لمحاولة تغيير أي شيء في البيت مثل: "فتح باب جديد، أو شبّاك، أو أي شيء من هذا النوع" هو مبرّر لشركة "عميدار" لمُصادرة البيت، أو في حال كان سكّان البيت من الجيل الفلسطيني الثالث بعد نكبة عام 48 فهذا أيضاً مبرّر للإخلاء والمصادرة، أي جيل بلا حقوق.
500 منزل مهدّد بالإخلاء
وكشف أبو شحادة أنّ 20 ألف فلسطيني موجودون في مدينة يافا، وهناك قرابة 1700 وحدة سكنيّة تابعة لإدارة شركة "عميدار"، وهناك من 400 إلى 500 منزل مهدّد بالإخلاء أو الهدم لذات الحجج المذكورة سابقاً، مشيراً إلى أنّ من بين أهداف "عميدار" في مصادرة البيوت وطرد ساكنيها هو أنّ حي العجمي اليوم يعتبر حياً للأغنياء في المنطقة، والبيوت الموجودة فيه تساوي ملايين الشواكل بالنسبة للسوق الحر، خاتماً حديثه بإرجاع السبب الآخر إلى السياسات العنصريّة المطبّقة ضد العربي الفلسطيني في مدينة يافا.
كثيرون يرون أنّ الاحتلال قد يتراجع عن بعض سياساته الاستيطانيّة خاصّة بعد الهبّة الفلسطينيّة التي طالت كافة فلسطين من شمالها إلى جنوبها خلال شهر أيار/مايو الماضي، لا سيما وأنّ الاحتلال أجّل البت في قراراته بشأن حي الشيخ جراح وبلدة سلوان والعديد من الأحياء المقدسيّة ولم يتم تطبيق هذه المخطّطات كما كان يرنو بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الاحتلال الأسبق.
الأحداث الأخيرة أسقطت شعار "هذه دولة إسرائيل"
في هذا الإطار، يقول عضو المكتب السياسي لحركة أبناء البلد بالداخل الفلسطيني المحتل لؤي الخطيب: إنّ ما يجري في يافا له امتداد تاريخي، وبعد أن تم تحويل جميع منازل اللاجئين القديمة إلى شركة "عميدار" وزّعت القسم الأكبر منها على اليهود والباقي على الفلسطينيين كإيجارٍ بعقودٍ تُجدّد كل عام أو عامين، واليوم وبعد أكثر من 70 عاماً على النكبة الفلسطينيّة تقوم "عميدار" بتحويل هذه المنازل إلى شركات استيطانيّة لن تتوانى في إخراج الفلسطينيين من بيوتهم، مُؤكداً أنّ السكّان الفلسطينيين لن يخرجوا من بيوتهم حتى ولو هدمها الاحتلال بالدبابات على رؤوس ساكنيها، وبشكلٍ حتمي لن يستطيع الاحتلال إخراج الفلسطينيين من يافا، وخاصّة في ظل الوجود الفلسطيني الكبير وعلاقة الفلسطينيين في الداخل المحتل مع بعضهم البعض من خلال وحدتهم وتمسكهم بأرضهم عقب الأحداث الأخيرة وسقوط شعار أنّ "هذه دولة إسرائيل".
زمن طرد الفلسطيني من بيته قد ولّى
وتوقّع الخطيب، أنّ الاحتلال لن يستطيع إخراج أهالي حي الشيخ جرّاح من بيوتهم، ولا أهالي يافا، وهذا مؤكّد، بحسب ما يقول. وهناك قسم من أهالي يافا دفعوا ثمن بيوتهم على مدار السنوات الماضية، مُشدداً على أنّ علاقة الشرطة مع الفلسطينيين بالداخل المحتل على حافة الانهيار أكثر من أي وقتٍ مضى، وإذا تم إخلاء أهالي يافا من بيوتهم فستكون القنبلة التي ستنفجر في وجههم، وأي محاولة لإخراج الفلسطيني من أرضه ستواجه بقوّة شعبيّة عارمة، وسنُدافع عن أي فلسطيني في أي قرية ومدينة في الداخل المحتل، ونؤكّد لهم أنّ زمن طرد الفلسطيني من بيته ورمي أثاثه في الشارع قد ولّى.
حيل باسم قانون الاحتلال
أمّا المُحامي والناشط تيسير شعبان، فقد أكَّد أنّ هناك حيلة "قانونيّة" تستخدمها شركة "عميدار" في مسألة إخلاء بيوت الفلسطينيين في يافا، فمثلاً تقوم الشركة ببيع المنزل الفلسطيني مع ساكنه الفلسطيني لشخصٍ فرنسي، أي لم تصبح "الدولة" التي تتبع لها الشركة طرفاً في النزاع لكي يذهب الفلسطيني ويرفع دعوى ضدها حيث تكون حجّته القانونيّة قويّة "الدولة مقصّرة مع مواطن داخلها!"، لكن ما يجري هو تصادم الفلسطيني مع هذا المشتري الفرنسي، أي أخلت الشركة مسؤوليتها أمام "القانون"!.
وتابع المُحامي شعبان: حتى لو طالب الفلسطيني بشراء هذا المنزل فيطلبون منه 10 مليون شيكل على سبيل المثال، ولكن أي عربي يستطيع دفع هذا المبلغ؟!، لكن يأتي الفرنسي ويدفع هذا المبلغ ويشتري المنزل ويطرد منه صاحبه بعد أن سكن فيه لأكثر من 60 عاماً.
قصة وطفة عبد القادر
يروي شعبان قصّة حماته -والدة زوجته- مع هذه المعاناة والإخلاء والتهجير القسري، يقول: حماتي وطفه عبد القادر من قرية ساقية المهجّرة (8 كيلومتر شرق يافا) وتُقيم اليوم في اللّد، رفعوا دعوى إخلاء ضدها وهي تبلغ من العمر (82 عاماً) وذلك بدعوى أنّ حماي "زوجها" هو الذي اشترى البيت وليست هي، حسناً، مطار "بن غوريون" اليوم مُقام على أراضي بيت حماتي، أعيدوها إليها إذن!، واليوم يُلاحقونها على الغرفة التي لجأت إليها وسكنت فيها حتى يومنا هذا، وتقول "عميدار" أنّ الرجل الذي اشترى الغرفة في السابق توفى، ولماذا الآن أولاد الحجّة وطفه يبنون الغرف إلى جانب هذه الغرفة؟ هؤلاء هم من الجيل الثالث.
نحتفظ بتراثنا إلى اليوم..
كما بيّن أنّ "عميدار" لا ترفع دعوى إخلاء للمنزل فقط، بل تُطالب بدفع بدل إيجار، والآن هناك دعوى مرفوعة ضد حماتي بقيمة 400 ألف شيكل أي قرابة 130 ألف دولار!، أي ليس فقط يريدون طردها من منزلها بل ودفع بدل كل الإيجار على مدار السنوات الماضية، وفي كل مرّة تقول حماتي: "أعيدوني إلى بلدي ولا أريد شيئاً، وخلي كل واحد يرجع على بلده"، وإلى اليوم محتفظة بمقتنيات زوجها ووالد زوجها من أدواتٍ تراثيّة "أواني، صواني، بكارج القهوة" التي كانت معهما أيّام البلاد، وأيضاً محتفظة بكل ملابسها من أثوابٍ فلاحيّة تراثيّة، يختم المُحامي شعبان المهجّر من قرية "بصة الفالق" بجانب القرية الكبيرة المهجّرة "أم خالد".
يُشار إلى أنّ غالبيّة العائلات الفلسطينيّة في يافا التي تسكّن اليوم فيما يُسمى "قانون حماية المستأجر" هي من العائلات التي تهجرّت من الأحياء العربيّة العريقة في يافا التاريخيّة مثل أحياء "المنشيّة وأرشيد والنزهة ومن سكنة درويش ومن البلدة القديمة"، وهؤلاء الأهالي خسروا بيوتهم الأصلية إبان النكبة الفلسطينيّة وتم تجميعهم من قبل العصابات الصهيونيّة آنذاك فيما سُمي بـ"الغيتو" العجمي.