على بُعد أمتار من مخيّم شاتيلا يقع تجمّع الداعوق للاجئين الفلسطينيين، يقطنه أكثر من ثلاثة آلاف لاجئ فلسطينيٍ معظمهم ينحدَّرون من حيفا، ويافا، وسعسع، والطيرة، وأُطلِقَت التسميّة على التجمُّع نسبةً إلى السيد عمر الداعوق، الذي سمح للفلسطينيين اللاجئين في العام ١٩٤٨ بإشغال عقار تابع له "لحين عودتهم إلى ديارهم".
هذا التجمُّع شبيه بعشرات التجمُّعات الفلسطينية الأخرى غير المسجَّلة والتي لا تُصنَّف على أنَّها مخيَّمات، وهي تمتدُّعلى كامل الأراضي اللبنانية.
غياب خدمات "أونروا"
عنوانه الأول هو البؤس والشقاء والحرمان بكل ما تعنيه هذه الكلمات من معنى، وما يزيد من سوداوية الحياة فيه أن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" غائبة بشكلٍ كاملٍ عنه، وخدماتها -التي تشكي باقي المخيّمات من قلّتها- غير موجودة فيه بتاتاً، فالوكالة لا تعترف بالتجمُّعات الفلسطينية، ولا تقدِّم لها أيَّة خدمات سواء أكان من ناحية البنى التحتية أو الخدمات الصحية أو المشاريع الإنمائية.
وعليه تصبح مسؤولية تلك التجمُّعات من بنى تحتية وكهرباء ومياه واقعةً على كاهل أهلها، مما يجعل حياتهم أكثرصعوبة من العيش في المخيّمات الفلسطينية.
وعن ذلك تقول اللاجئة الفلسطينية "أم درويش" التي تقطن في المخيم: "لا أحد يهتم بنا الخدمات معدومة، نحاول قدر المستطاع أن نتكيَّف مع الوضع المزري الذي نعيشه، فمسؤولية المنطقة تقع على عاتق اللجنة الشعبية التي تجمع ما يقارب عشرة آلاف ليرة شهرياً من كل منزل لإدارة شؤون الناس، ندفع المال مقابل تنظيف الطرقات أمام بيوتنا لننعم بقليل من النظافة والجوّ الصّحي، لكنّ كما ترين هذه النفايات مكدّسة منذ ثلاثة أيام، نفايات تجلب لنا الأمراض، لكن لا يوجد باليد حيلة، رغم أنّ مدير المنطقة الوسطى في الأونروا سابقًا "محمدخالد" زار تجمّعنا منذ خمس سنوات، ووعدَ أن تُقدِّم الأونروا خدمات جمع النفايات في المنطقة، لكن حتى هذه الوعود ذهبت أدراج الرياح".
مياه مالحة وكهرباء غير متوفرة
عدم توفر الكهرباء والماء أكثر المشاكل التي يواجهها أهالي تجمّع الداعوق، وتعدد اللاجئة ظريفة الحسين المشكلات التي يعانون منها، والتي حسب وصفها تفوق قدرة الانسان على التحمّل.
تقول الحسين: بسبب غياب خدمات شركة مياه بيروت عن المنطقة يضطر سكان تجمع الداعوق إلى الاعتماد بشكل أساسي على مياه الآبار، وتصل نسبة الملوحة فيها إلى ما يقارب مستوى ملوحة البحر، يُضاف إليها ذلك انقطاع الكهرباء باستمرار عن المنطقة، نظراً لرفض شركة كهرباء لبنان تمديد شبكة كهرباء جديدة للمنطقة،أمّا المشكلة الأكبر فهي الفقر المتفشي في التّجمّع بسبب الغياب التام لأيّ مساعدات من أي جهة إلّا في بعض الحالات الاستثنائية.
وتضيف الحسين : "على الصعيد الشخصي بعتُ أغراضًا من البيت كي أشتريعبوة غاز، وهذا الوضعي تكرر كلّ شهر فقط لأسدد ثمن فواتير الكهرباء والماء وإيجار المنزل، فأنا أدرّس طلاباً في المنزل لكنّ الذي أتقاضاه منهم قليل جدًا ولا يكفي لتلبية احتياجات الأكل فقط، ولا أستطيع أن أرفع سعر الدروس لأن أوضاع الناس كلها مزرية".
فقر وبطالة
الفقر نتيجةٌ طبيعية لمشكلة البطالة التي تطال معظم شباب هذا التجمع، فمعظمهم محرومون من حق العمل كما هي حال مئات الآلاف من الفلسطينيين القاطنين في لبنان، والذين يمنع عنهم القانون اللبناني مزاولة أكثر من 75 مهنة، وبالتالي يرزحون تحت وطأة ظروف اجتماعية وصحية صعبة.
وعن ذلك يقول اللاجئ سليم كيّالي: "نحن نعيش من قلّة الموت، نعمل يومًا ونجلس مقابله أيّاماً، أعمل في توصيل الطلبات على الدراجة النارية، لكنّ ارتفاع أسعار المحروقات وانقطاعها من المحطّات أثّر بشكل كبير على عملي، ولا يوجد عمل آخر يمكن أن أعتاش منه أنا وعائلتي المكوّنة من أربعة أشخاص، ننتظر رحمة ربنا فقط".
أمّا اللاجئة ام جاد لم تتمالك نفسها وبدأت بالبكاء، فهي لطالما كان وضعها المادي جيّدًا أصبح اليوم مزريًا كباقي العائلات، تقول: الوضع صعب على الفقير والغني، يحتاج البيت لأربعة أو خمسة أشخاص يعملون لتحصيل قوتهم اليومي من الطعام والشراب فقط، نحن بحاجةٍ لكلّ شيء، لكنّ الفلسطيني نفسه عزيزة ولم يعتاد على التسوّل".
لم تكد تنهي أم جاد حديثها، حتى قاطعتها اللاجئة منال زين الدين التي تحمل بيدها مِلفًا طبيًّا فيه أوراق وصور أشعة لعينها المهددة بالعمى بأي لحظة في حال لم تجرِ العملية بأسرع وقت، وتوضح منال التي تعيش هي وزوجها وثلاثة أبناء في غرفة واحدة فقط وتعاني من مشاكل صحيّة عديدة: عندي ثقب بشبكة عيني اليسرى وأحتاج إلى عملية ضرورية بأقصى سرعة وإلا سأخسرها للأبد، قدّمت أوراقي لوكالة "أونروا" والضمان الاجتماعي الفلسطيني التابع لمنظمة التحرير، لكن المبلغ الذي ستقدمه الجهتان أقل من ربع تكلفة العملية، وتتساءل: "إنسانة مثلي تمرّ أيام لا نملك فيها ثمن الطعام من أين سأحصل على باقي المبلغ؟!
لا تختلف قصّة منال زين الدين عن قصّة اللاجئ الستينيّ مصطفى السري، الذي يعاني من مرض سرطان الحنجرة ويخضع لجلسات العلاج الكيماوي على نفقته الخاصّة، ويقول سرّي: إن أوضاعه الاجتماعية والماديّة ازدادت تدهورًا منذ الانهيار المالي الذي أصاب لبنان وانعكس بشكل خطيرٍ على المهمّشين في التجمعات الفلسطينية.