فتحت حكومة جنوب إفريقيا تحقيقًا موسّعًا في ملابسات وصول طائرة خاصة تحمل أكثر من 150 فلسطينيًا من قطاع غزة إلى مطار "أو. آر. تامبو" الدولي في جوهانسبرغ، بعدما وصلت الرحلة دون وثائق سفر رسمية، في حادثة وصفتها السلطات بـ"الغامضة" وأثارت جدلًا واسعًا.
وتداولت وسائل إعلام ومقاطع مصورة مناشدات لعشرات العائلات الفلسطينية التي بقيت عالقة ساعات طويلة بعد رفض سلطات المطار في البداية إدخالهم، نظرًا لعدم امتلاكهم أي مستندات رسمية تثبت هوياتهم أو مسار الرحلة.
رامافوزا: لن نعيدهم رغم غياب الوثائق
وأعلن رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا، الجمعة، فتح تحقيق رسمي لكشف الجهة التي تقف خلف الطائرة التي أقلّت الفلسطينيين القادمين من غزة عبر محطة توقف في نيروبي، مؤكدًا أن أجهزة الاستخبارات تعمل على تتبع مسار الرحلة والجهات المنظمة لها.
وقال رامافوزا: "وُضع هؤلاء على متن الطائرة بطريقة غامضة. ورغم عدم امتلاكهم وثائق، فإنه من واجبنا استقبالهم لأنهم يأتون من منطقة تمزقها الحرب".
وكانت سلطات الحدود قد سمحت في النهاية بدخول العائلات الفلسطينية لأسباب إنسانية، بعد التأكد من سلامة وضعهم، رغم مخالفتهم شروط الهجرة المعمول بها في البلاد.
التقارير العبرية: منظمة "المجد" تقف خلف العملية وتعمل على تهجير الغزيين
وفي السياق ذاته، كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية أن منظمة تُدعى "المجد" مقرها القدس وتأسست عام 2010 تقف وراء تنظيم الرحلة، مؤكدة أنها تعمل منذ سنوات على تهجير الفلسطينيين من القطاع بذريعة المساعدة الإنسانية.
وبحسب الصحيفة العبرية، فإن المنظمة رتّبت خروج أكثر من 150 فلسطينيًا من قطاع غزة، بدءًا من تجميعهم في نقطة محددة داخل القطاع، ثم نقلهم بحافلات "إسرائيلية" عبر معبر كرم أبو سالم، وصولًا إلى مطار رامون جنوب فلسطين المحتلة، حيث استقلوا طائرة مستأجرة إلى نيروبي، ومنها إلى جنوب إفريقيا.
وأوضحت الصحيفة أن موقع المنظمة خالٍ من أي أرقام تواصل أو بيانات رسمية، ولا يضم سوى قائمة شركاء فارغة، ما أثار شكوكا إضافية حول طبيعتها وارتباطاتها.
كما نقلت الصحيفة عن مسؤول عسكري "إسرائيلي" قوله: إن إسرائيل حصلت على إذن من دولة ثالثة لاستقبالهم، دون ذكر اسمها، مشيرة إلى أن البيئة السرية للرحلة أثارت مخاوف حقوقية من كونها جزءًا من جهود منظمة لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة .
ووفق صحيفة "هآرتس"، غادرت المجموعة غزة صباح الأربعاء، وانتقلت عبر معبر كرم أبو سالم بعد تفتيش "إسرائيلي" شامل، ثم نُقلت إلى مطار رامون، حيث استقلت طائرة مستأجرة إلى نيروبي، قبل أن تتوجه إلى جوهانسبرغ.
وأشارت الصحيفة إلى أن "إسرائيل" خففت منذ أسابيع المعايير الأمنية المتعلقة بخروج المدنيين من غزة، بناءً على قرار سياسي، في ظل أحاديث متصاعدة داخل الحكومة "الإسرائيلية" بشأن تشجيع الهجرة من القطاع خلال الحرب.
"المجد أوروبا": منظمة مشبوهة تستهدف الفئات الأكثر هشاشة في قطاع غزة
وتتفق تلك المعلومات مع ما كشفته تقارير محلية ودولية عن دور مؤسسة تُدعى "المجد أوروبا" في تنظيم هذه الرحلات وسط تأكيدات باستغلال الظروف الإنسانية القاسية ودفع العائلات إلى مسارات تهجير غير واضحة تحت غطاء الإغاثة.
ولم تكن هذه أول رحلة تنظمها المؤسسة التي تستهدف الفئات الأكثر هشاشة في غزة مستخدمة خطابًا عاطفيًا يصوّر الهجرة باعتبارها طريق نجاة، في ظل الضغوط المعيشية والنفسية التي تعصف بالسكان تحت الحصار والحرب.
فقد أوردت التقارير بيانات حول رحلة وصلت يوم 28 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي وعلى متنها 176 فلسطينيًا، إذ تلقى المسافرون تعليمات عبر واتساب تطلب منهم ركوب سيارات "أوبر" إلى بيوت ضيافة رخيصة على نفقتهم الخاصة، قبل أن ينقطع التواصل مع المؤسسة بالكامل بعد سبعة أيام، تاركًا العائلات في حالة ارتباك وضياع.
وبرزت مؤسسة "المجد أوروبا" في قلب القضية بعد أن تبيّن أنها الجهة التي رتّبت الرحلتين، مقدمة نفسها كمنظمة إنسانية وطبية توفر العلاج والدعم النفسي وفرص السفر غير أن طبيعة عملها أثارت موجة شكوك واسعة.
وفي تفاصيل أكثر حول الواقعتين قال الباحث الجنوب أفريقي نعيم جينا: إن المسافرين دفعوا ما بين 1500 و5 آلاف دولار للشخص الواحد مقابل وعود بالسفر، وتلقّوا موعد المغادرة قبل ساعات فقط، ثم نُقلوا من غزة عبر معبر كرم أبو سالم في حافلات "إسرائيلية" إلى مطار رامون.
ويضيف جينا: صعد المسافرون إلى طائرة غير معلومة هبطت أولًا في نيروبي قبل نقلهم إلى جوهانسبرغ دون أي معرفة سابقة بالوجهة مشيرا إلى أن الركاب مُنعوا حتى من حمل حقائب الظهر، وطُلب منهم الاحتفاظ فقط بالهواتف وجوازات السفر.
السفارة الفلسطينية: المنظمة غير مسجلة ومضللة تستغل معاناة غزة
من جانبها، أكدت السفارة الفلسطينية في جنوب إفريقيا أن الرحلة نُظمت من قبل منظمة غير مسجلة ومضللة استغلت معاناة غزة، مؤكدة أن المؤسسة خدعت العائلات وجمعت الأموال ثم تخلّت عنهم عند ظهور التعقيدات.
وقالت السفارة في بيان: "استغلّت المنظمة الظروف المأساوية لشعبنا في غزة، ورتّبت سفرهم بطريقة غير مسؤولة، وعندما واجهوا صعوبات تركتهم لمصيرهم".
وكانت جنوب إفريقيا قد رفعت في نهاية عام 2023 دعوى أمام محكمة العدل الدولية تتهم فيها "إسرائيل" بارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.
