بعد 74 عاماً على تهجيرهم قسراً من قريتهم السميرية قضاء عكا مازال اللاجئون الفلسطينيون المهجرون من هذه القرية إلى لبنان متمسكين بالعودة إليها وينقلون هذا التمسك الذي اتخذوه عقيدة إلى أولادهم.
كان هذا جلياً في شهر ذكرى النكبة أيار/ مايو الماضي حين شاركوا بالمئات في فعالية تحت عنوان "السميرية بلدتي" ضمن مهرجان إحياء يوم القرية الفلسطينية بمدينة صيدا جنوبي لبنان.
يقول المنسق العام للمهرجان وعضو الأمانة العامة للمؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج ياسر قدورة: "قصتنا مع السميرية اليوم هي قصتنا مع كل فلسطين، والسميرية تمثل كل قرية ومدينة في فلسطين، مضيفاً أن أهالي القرية كباراً وصغاراً يجتمعون سوياً برسالة واضحة هي أن 74 عاماً من الاحتلال والاضطهاد ليست كفيلة أن ينسى اهالي السميرية بلدهم، بل على العكس تماماً الكبير والصغير ما يزالون متمسكين بهذه البلدة تماماً مثلما تمسّك بها أهلها يوم النكبة 1948.
الهموم المعيشية لن تكون سبباً لقبول اللاجئين الفلسطينيين في لبنان مشاريع سياسية على حساب حق العودة
يدحض قدورة الافتراض القائل أن الهموم المعيشية اليومية تلهي اللاجئين الفلسطينيين عن النضال من أجل قضيتهم وهي العودة، ويضيف أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة في لبنان لا يمكن أن تكون سبباً في قبول اللاجئين بأي مشاريع سياسية على حساب حق العودة كالتوطين أو التهجير
كاظم اليوسف لاجئ من قرية السميرية إلى لبنان، كان سبق وأن زار السميرية منذ بضعة سنوات يعبر عن ألمه بأن الاحتلال لم يبقي من ملامح القرية إلا المسجد المطوق الذي أقيمت أول صلاة جمعة فيه بعد النكبة عام 1989.
يقول اليوسف: إنه رغم الظروفِ الصعبةِ التي يعيشُها الفلسطينيون في لبنان إلا أن مشروع العودة في تفكيرهم لا يتزعزع ولن يرضوا بأي بديل عن العودة إلى فلسطين، ويرى أن السبيل لتحقيق طموحات الشعب الفلسطيني لا بد أن يبدأ بالوحدة السياسية الوطنية.
يعتبر الشاب خالد عوض البالغ من العمر 24 عاماً من الجيل الرابع للنكبة، لكن شكل مشاركته وحضوره في أو مهرجان إحياء قريته "السميرية" لم يكن أقل زخماً ممن يكبره عمراً أو فعلاً عاش في القرية قبل 7 أو 8 عقود.
أهالي القرية باعوا ممتلكاتهم لشراء بندقية من أجل الدفاع عنها ولم تسقط قريتهم حتى نفدت ذخيرتهم
يقول: إنه تربي على حبّ قريته السميرية وتتلمذ تاريخها على يد أجداده، وكل ما ورثه من ذاكرتهم يسعى الى إيصاله للعالم، "تعلمنا من أجدادنا قصصاً وحكايات كثيرة عن بلدتنا، أذكرُ منها أن قرية السميرية قضاء أرض الجناين تبعد عن عكا 6 كيلو متر و هي قريبة جداً من الشاطئ و تبعد عن لبنان ما يقارب 36 كيلو متر، قريتنا قبل النكبة كان يسكن فيها ما يقارب 800 نسمة و كان فيها جامع و كان فيها أرض و سور كبير جدًا، ٩٠٪ من أجدادنا عملوا بالزراعة، وحتى هذه اللحظة ما زلنا نحافظ على هذا الإرث، نحن لن ننسى، الكبار يموتون لكننا نحن لن ننسى".
وسرد العوض قصّة معروفة عن أهالي السميرية المقاومة، حيث قال: "عندما جاءت الحركات الصهيونية المتغصبة لتحتل السميرية قاوم أهلها المحتلين، ومنهم من باع بيته ليشتري بندقية ومنهم من باع البقر ، أجدادي جميعا ضحوا بأموالهم و أراضيهم كي يدافعوا عن القرية".
رباطة جأش أهالي السميرية وتصدّيهم بكل ما أوتوا من قوة حينها، رأتها بعينها الحاجة الثمانينية فايزة يوسف أحمد الصياح، التي عاشت أحداث النكبة وما تعرض له الفلسطينيون من قتل وتهجير وخذلان من المجتمع الدولي والعربي.
تقول الصياح: إن والدها المعروف بالضابط بقيَ يدافع هو وكتبيته عن قريتهم حتى لفظت بنادقهم أنفاسها الأخيرة ونفد مخزون السلاح.
السميرية.. قرية فلسطينية مهجرة
يذكر أنّ قرية السميرية كانت تقومُ على تل ٍ من الحجر الرملي قربَ شاطئ البحرِ الأبيض المتوسط، وكان يقع إلى الجنوب منها قنواتُ الكابري الأثرية، ارتبطت بعكا وبرأس الناقورة (ومن ثم بيروت) من خلال الطريق العام الساحلي.
قُدّر عددُ سكان ِ السميرية عام 1948 بـ 880 نسمة، كان معظمُهم يعمل في زراعةِ الحمضيات والخيار والبطيخ والقمح والسمسم.
وبلغ عددُ بيوت السميرية عام 1948 حوالي 200 منزل، كان معظمُها مبنياً من الحجر الرملي، وكان فيها مسجد، ومدرسة أُسست عام1943 وضمّت قرابةَ ستين تلميذاً.
للقرية موقعان أثريان:
- موقع (تل السميرية) ويحوي حجارةً منحوتة، وقبوراً وأعمدةُ حجرية
- وموقع (أبو عتبة) الذي يحوي مقاماً إسلامياً وبعضَ قطع السيراميك.
واحتُلت القرية صباح 14 أيار \ مايو 1948 عندما هاجمها لواء "كرملي" الصهيوني من جهتي الشمال الغربي والجنوب، وسقطت القريةُ بعد قتالٍ ،استشهد جراءَه عددٌ كبيرٌ من شبانها بعد نفادِ ذخيرتِهم.
وفي عام 1949 أُنشئت على أنقاض القرية مستوطنة زراعية إسرائيلية عُرفت باسم (حُماة الغيتو).
لم يبقَ من السميرية اليوم سوى حُجرة واحدة من مسجدها وأجزاء من أحد الأبنية وبعض الحيطان والقناطر من المنازلِ المتداعية وبعض ِالأضرحة.
هُجّر من بقي على قيد الحياة من أهلها عام 1948 إلى مناطق عدة داخل فلسطين وخارجَها، إلا أنهم ما يزالون متمسكون بحق العودة إليها ولن ينسوها وأحفادهم أبداً.