تصادف اليوم ذكرى توقيع اتفاقيّة "أوسلو" قبل 29 عاماً، والتي تُعرف باسم "إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي"، وهي اتفاقية وقّعتها قيادة منظمة التحرير الفلسطينيّة وكيان الاحتلال في ساحة البيت الأبيض بواشنطن، فيما يرى كثير من الفلسطينيين الاتفاقيّة بأنّها نقطة سوداء في تاريخ النضال الوطني الفلسطيني.

 ولطالما استخدمت قيادة السلطة الفلسطينيّة ومنظمة التحرير"التهويش السياسي" كلّما زادت وتيرة جرائم الاحتلال، بالتهديد بالانسحاب منها، إلّا أنّ الوقائع على الأرض تقول عكس ذلك، بل تشير إلى حالةٍ من التماهي والتنسيق الأمني أكثر من أي وقتٍ مضى، وكل هذا إلى جانب أنّ هذه الاتفاقيّة أضرّت بالحقوق الوطنيّة الفلسطينيّة، لا سيما قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقّهم في العودة إلى ديارهم التي هُجروا منها إبان النكبة في العام 1948، حسب كثير من المحللين السياسيين.

المؤرّخ الفلسطيني سلمان أبو ستّة رئيس هيئة "أرض فلسطين" يحمّل اتفاق أوسلو مسؤوليّة ما آلت إليه الأوضاع في فلسطين اليوم، واصفاً الاتفاق بأنّه جريمة أكبر وأخطر من وعد بلفور، لأن الموقف الفلسطيني في المراحل السابقة كان ضد الصهيونية ويُطالب بحق الفلسطينيين في وطنهم، وكان جزءاً من نسيجٍ عربي.

"أوسلو" كانت قمة الانحدار

ويُشير أبو ستة إلى أنّه منذ العام 1949 وصولاً إلى العام 1967، قدّم الغرب قرابة 55 مشروعاً لـ "السلام"، وحاول إقناع العرب بهذه المشاريع والقبول بهذا الواقع الجديد، ولكن كل هذه المشاريع لم تنص على انسحاب الاحتلال من الأراضي الفلسطينيّة، ولا مُحاسبة قادة الاحتلال على جرائمهم، والأهم من كل ذلك أنّ هذه المشاريع لم تنص جميعها على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم التي هُجروا منها، بل تروّج  لتوطين الفلسطينيين في أي مكانٍ في العالم ما عدا بلادهم الأصليّة، أمّا بعد العام 67 اختلف الحال، فشعرت "إسرائيل" بقوتها بعد النكسة، وأصبحت هي من تقدّم مشاريع على هذه النمط من خلال التستر بوزير الخارجية الأمريكي "روجرز"، وفي أواخر العام 1980 دخل فلسطينيون على خط طرح "مشاريع سلام" إلى جانب الاحتلال وكانت منها مبادرة "ياسر عبد ربه، ويوسي بيلين" وأسموها "مبادرة جنيف" عام 2003، ولكن ظلت "أوسلو" قمة هذا الانحدار، أي أن الاستهداف بقي مستمراً حتى بعد توقيع اتفاقية التسوية المعروفة بـ "أوسلو".

يقول أبو ستة: إن الشعب الفلسطيني لم يوافق على اتفاق "أوسلو"، ولا على نتائجه، لذلك تراكمت الكوارث على هذا الشعب جرّاء "أوسلو" حتى وصلت اليوم إلى حد بلغ فيه السيل الزبى.

ويُشار إلى أنّ اتفاقية "أوسلو" كانت أوّل اعتراف فلسطيني بوجود الكيان الصهيوني، فيما أرست قواعد ربطت المؤسّسة الفلسطينيّة التي تُعتبر من مُخرجات الاتفاقية "السلطة الفلسطينيّة"، بالكيان الصهيوني، من الناحية الاقتصاديّة والأمن المُشترك وغير ذلك، حيث صار التنسيق الأمني العنوان المُستمر لهذه الاتفاقية والارتباط الاقتصادي بالاحتلال، من أشد الأمور فتكاً بحياة الفلسطينيين، وأجّلت الاتفاقية أهم ملفات وثوابت القضيّة الفلسطينية، المُتمثّلة بالقدس واللاجئين، إلى مفاوضاتٍ لم ويبدو لن يُكتب لها النور.

اتفاق أوسلو أهمل كلياً قضية اللاجئين الفلسطينيين

يقول مدير المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين "بديل" نضال العزّة لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إنّ اتفاق أوسلو أهمل كلياً قضية اللاجئين وجعلها من قضايا مفاوضات الحل النهائي التي لم تحصل أصلاً، والأكيد أنّ هذا الاتفاق لم يتناول قضية اللاجئين لا من قريب ولا من بعيد، بل ترك هذه القضيّة بضبابية كبيرة، ولذلك خلق حالة غضب كبيرة في أوساط اللاجئين الفلسطينيين كونه لم يتطرّق لحقوقهم المكفولة، ولم يحدد أي إطار للتعامل مع هذه القضية، وعندما طرح المفاوض الفلسطيني هذه القضية في الانتفاضة الثانية عام 2000، تنكّرت "إسرائيل" بشكلٍ كامل لها، بل قالت: إنّها ممكن أن تتعامل مع بعض الحالات بشكلٍ إنساني ممن هجروا في العام 1967 تحت ما سُمي "لم الشمل".

ويُضيف العزة: حتى الرئيس الأمريكي "بيل كلينتون" عندما طرح مبادرة بشأن الحلول النهائيّة وتناول موضوع اللاجئين طرح أن تعترف "إسرائيل" والمجتمع الدولي بمسؤوليّةٍ أخلاقيّة على اللاجئين، أي لا يوجد أي مسؤوليّة قانونيّة أو سياسيّة إزاء التعويض والسماح بعودة اللاجئين، بالتالي لا يوجد أي التزام حقيقي تجاه اللاجئين الفلسطينيين، وعلى ذلك عوّل على المجتمع الدولي أن يعمل على تعويض اللاجئين وتوطينهم والمساعدة في عودتهم إلى الدولة الفلسطينيّة المتوقّع إنشاؤها على حدود العام 67، بمعنى أنه لا مسؤولية ولا التزام على "إسرائيل" ولا التزام بعودة اللاجئين إلى أراضي العام 1948، بل فقط لحالاتٍ إنسانيّة خاصّة بموجب قوانين الاحتلال نفسه.

 الجيل الفلسطيني الشاب غير راض عن اتفاقية "أوسلو" بتاتاً

 يصف العزّة اتفاق "أوسلو" بالكارثي بالنسبة للاجئين الفلسطينيين وقضيتهم، مشيراً إلى استطلاع أجراه سابقاً في مركز "بديل" بين الشباب الفلسطيني ومنهم لاجئون في الأردن ولبنان وقطاع غزّة وسوريا والفلسطينيون المهجرون داخلياً حول الاتفاق "أوسلو"، لتظهر النتائج أنّ "أوسلو" لم تفشل فقط بحسب المستطلَعين الذين بلغوا أكثر من نسبة 90%، بل أكَّدوا أنّها صُممت لتكون جزءًا ليسند المشروع الاستعماري الكولونيالي في فلسطين، أي إقامة "إسرائيل" المتحالفة مع الدول الغربيّة، وعندما طُرح على الشباب موضوع اللاجئين الفلسطينيين أكَّدوا أنّ "أوسلو" فشلت بنسبة 98.2% في معالجة هذه القضية.

لا نعمل على تامين مصادر القوة الكافية لتغيير الإرادة السياسية للدول المتنفذّة

يؤكّد العزة أنّ هناك غياباً كاملاً للإرادة الدوليّة في التعامل مع قضية اللاجئين، وهنا أيضاً وقع الجانب الفلسطيني في خطأ عندما ركّز على الشرعية الدوليّة دون أن يكون لديه مصادر قوّة، وما يجري اليوم في السياق الفلسطيني منذ النكبة أنّ الإرادة السياسيّة لدى لدول المتنفّذة غائبة، ونحن نتعامل مع الموضوع من منطلق مطالبات ومناشدات ولا نعمل على تأمين مصادر القوّة الكافية لتغيير الإرادة السياسيّة لهذه الدول، حتى اليوم عندما ننظر إلى أوكرانيا ولاجئيها وكيف يتم التعامل معهم من قبل الدول الغربيّة التي ترفض استقبال اللاجئين الفلسطينيين فقط لأنهم فلسطينيون نفهم ذلك، وهذا مثبت في علاقة الدول مع اللاجئين الفلسطينيين، ونرى أنّ الأمر ليس مجرّد معايير مزدوجة لهذه الدول في التعامل مع قضية اللاجئين الفلسطينيين، بل هناك تواطؤ مع المشروع الاستعماري في فلسطين، ولهذا السبب استمرت قضية ومعاناة لجوء الشعب الفلسطيني حتى يومنا هذا.

منذ توقيع هذه الاتفاقيّة يستفرّد الاحتلال ومن خلفه الإدارة الأمريكيّة بالقضايا الوطنيّة الفلسطينيّة واحدة تلو الأخرى، وربمّا أبرزها قضية اللاجئين الفلسطينيين من خلال الاستهداف الممنهج والمتواصل للشاهد الوحيد على معاناة هؤلاء اللاجئين، أي وكالة "أونروا"

"أوسلو" شجّعت على الانقضاض على وكالة "أونروا"

وفي السياق، يرى الكاتب والمحلّل السياسي محسن أبو رمضان في مقابلةٍ أنّ المشكلة في اتفاق "أوسلو" أنّه أجّل النقاش في قضية اللاجئين واعتبرها واحدة من ملفات مفاوضات الحل النهائي، بالرغم من أنّها واحدة من أهم القضايا التي تمس جوهر قضايا الشعب الفلسطيني هي وقضية الأرض من خلال تأجيل الحديث في قضية الاستيطان أيضاَ، حيث برز موضوع اللاجئين على جدول الأعمال على اعتبار أنه ممكن تأجيله ولا يشكل أولويّة في وقت توقيع الاتفاق، وهذا ما شجّع المجتمع الدولي وكيان الاحتلال والولايات المتحدة على التأثير والاستفراد بوكالة "أونروا" في محاولةٍ منهم لتغيير المناهج في مدارسها وتجفيف مواردها كما برز في عهد الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب".

وأيضاً ما آل إليه وضع السلطة بعد هذه السنوات شجّع الولايات المتحدة و"إسرائيل" لتقديم مقترحات لها علاقة بتشكيل صناديق إقليميّة ودوليّة تُوظَّفُ من أجل إعادة دمج اللاجئين في الأماكن التي يعيشون فيها سواء في الدول العربيّة أو في الخارج وتشجيعهم على التوطين والهجرة خارج فلسطين الدولة الأصليّة التي هُجروا منها.

وبحسب أبو رمضان، فإنّ هذا الاتفاق أيضاً شجَّع "إسرائيل" لتقديم مقترحات فيما يتعلّق بإعادة تعريف من هو اللاجئ الفلسطيني هي والإدارة الأمريكيّة التي تبنّت ذلك، إذ يسعون إلى حصر تعريف اللاجئ الفلسطيني بأنّه هو من كان قبل عام 1948 دون احتساب أبنائه وما تناسل منه بعد النكبة، لذلك فإن تأجيل الحديث في قضية اللاجئين آنذاك فتح شهية الاحتلال والإدارة الأمريكيّة لمحاولة شطب هذه القضية، وقبل ذلك في زمن "كلينتون" خلال المفاوضات التي جمعت ياسر عرفات و"ايهود باراك" في كامب ديفيد عام 2000، قدّم مقترح للاجئين يتضمن لم شمل بعض الحالات لكن دون تنفيذ القرار 194 الذي يضمن حق عودة اللاجئين للأراضي والديار التي هُجروا منها وفق القانون الدولي.

الاهتمام بموضوع الدولة تقدم على الاهتمام بقضية اللاجئين

سياسياً، يرى أبو رمضان أنّ الاهتمام الفلسطيني بموضوع الدولة في الضفة الغربية وقطاع غزّة على حدود العام 1967 وتقدّم على الاهتمام بقضية اللاجئين الجوهريّة إلى جانب إهمال جريمة الاستيطان، وأيضاً تأجيل قضية اللاجئين ساهم في صدور قرارات عربيّة في إطار ما سُمي "المبادرة العربيّة" تنص على "حلٍ عادلٍ ومتوافق عليه"، وليس حق عودة اللاجئين تنفيذاً للقرار 194، وهذا النص يتجاوز القرار 194 الذي يؤكّد على حق العودة للاجئين والتعويض، وأكَّد أنّ هذا الحق لا يسقط بالتقادم.

ويتابع أبو رمضان: المطلوب من السياسي الفلسطيني اليوم هو الإدراك بأنّ هناك حالة من الاجماع داخل المجتمع الصهيوني وبين كافة الأحزاب يقضي بشطب قضية اللاجئين الفلسطينيين، وأن القدس عاصمة أبدية لكيان الاحتلال، وبأنّه لا يمكن الموافقة على إقامة دولة فلسطينيّة ما بين البحر والنهر، أي أن أراضي الضفة الغربيّة هي مركز استهداف بالنسبة للمشروع الصهيوني، وأكثر ما يمكن أن يقدموه للفلسطينيين هو "السلام الاقتصادي"، أو فتات وتسهيلات اقتصاديّة بعيداً عن الحقوق الفلسطينية الثابتة والمشروعة التي ينص عليها القانون الدولي وقرارات الشرعية الدوليّة.

المطلوب استدارة سياسيّة لا تراهن على المفاوضات

وحول المخرج من هذا كل هذا، يؤكّد أبو رمضان على ضرورة العودة إلى الجذور، بإدراك أنّ هناك مشروعاً صهيونياً استعمارياً إجلائياً وعنصرياً وتوسّعياً، وهذا يتطلّب استدارة سياسيّة لا تراهن على المفاوضات، ولا على مساعي الإدارة الأمريكيّة التي أكَّدت في أكثر من محطّة انحيازها للاحتلال، والعودة إلى شعار وحدة الأرض والشعب والقضية، ولمرتكزات العمل الوطني الفلسطيني في زمن الثورة الفلسطينيّة المعاصرة منذ عام 1965، أي تعديل المسار السياسي إلى مسارٍ كفاحي مبني على مرتكزات الثوابت الفلسطينيّة وتأصيل الرواية الفلسطينيّة خارج إطار الرهان على المفاوضات، بل بالرهان على العامل الذاتي الفلسطيني والعمل على تعديل موازين القوى من خلال استخدام أوراق كفاحيّة وصولاً لتنفيذ حقوق شعبنا الثابتة والمشروعة.

أحمد حسين- صحفي فلسطيني

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد