جريمة جديدة أضيفت إلى سجل الجرائم "الإسرائيلية" بحق الصحفيين الفلسطينيين في قطاع غزة، حيث تم اغتيال مراسل قناة "فلسطين اليوم"، الصحفي محمد منصور، برفقة زوجته وطفلهما، أمس الأول الاثنين، جراء قصف منزله بمدينة خان يونس جنوبي القطاع، وبعد نعيه الصحفي الشهيد منصور بأقل من ساعة عبر صفحته في "فيسبوك" استشهد مراسل قناة "الجزيرة مباشر"، الصحفي حسام شبات، جراء قصف الاحتلال سيارته أثناء أدائه مهامه الصحفية، شمالي القطاع، ليرتفع بذلك عدد الشهداء الصحفيين إلى 208، بحسب ما أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.
جيش الاحتلال "الإسرائيلي" أقر رسمياً بجريمة اغتيال الصحفي حسام شبات، وزعم أنه عنصر في كتيبة بيت حانون، فيما أجمع جميع الصحفيين في قطاع غزة على نفي هذه المزاعم "الإسرائيلية".
وقد أدانت نقابة الصحفيين الفلسطينيين "بأشد العبارات"، الجريمة النكراء التي ارتكبها الاحتلال بحق الصحفيَّيْن منصور وشبات، عبر استهدافهما المباشر، وأكدت أنها "جريمة حرب مروعة، تهدف إلى طمس الحقيقة وإرهاب كل من يحمل رسالة الكلمة الحرة".
خطة إسرائيلية خبيثة للتعتيم على ما يجري من إبادة جماعية
وفي هذا السياق، يقول الإعلامي والكاتب، أمين مصطفى لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: "لو رجعنا قليلاً إلى بداية معركة الإبادة الجماعية التي شنها العدو الإسرائيلي" على قطاع غزة، للاحظنا الخطة الخبيثة التي وضعها لفرض تعتيم شامل على تفاصيل ما يجري من قتل وتدمير واغتيال، فاستهدف الأبراج التي تضم مكاتب عدد من الصحافة الفلسطينية والأجنبية، كما دمر البنية التحتية لوسائل الإعلام، وقطع كل وسائل التواصل والكهرباء، وعمل بشتى الوسائل لمنع الصحافة الأجنبية من الدخول إلى قطاع غزة".
يرى مصطفى أن "الهدف كان حصر التغطية بالرواية الإسرائيلية المضلِّلة، وخاصةً أن لها اليد الطولى في إمتلاك وإدارة وسائل الإعلام في أمريكا وأوروبا الغربية والعالم، غير أن عمليات الاغتيال والاعتقال لم يستطيعا أن يحجبا الرواية الفلسطينية، وبقيت الصورة وحدها تتكلم، ما أدى إلى تحريك الشارع الغربي ومشاعر العالم، عبر مسيرات وتظاهرات منددة، ومطالبة بمحاكمة المجرمين الذين ارتكبوا تلك المجازر، والانسحاب من القطاع".
يضيف الإعلامي الفلسطيني : "إذا كان الإعلام الغربي المرتهن للصهيونية، تمكن في غفلة، من تصوير بعض اللقطات التي هي في الواقع تمثل أجساد أطفال فلسطينيين، على إعتبار أنها لأطفال إسرائييلن ، غير أن الحقيقة سرعان ما تكشفت، وقد وصف كبار الصحفيين الغربيين ما حصل بالمخجل والمعيب، لأنه قام على الكذب والتضليل"، مذكّراً بأن بعض المؤسسات الغربية والإعلامية طردت عدداً من الإعلاميين المتعاطفين مع القضية الفلسطينية.
يشير مصطفى إلى عمليات الاعتقال والتعذيب التي تعرض لها إعلاميون فلسطينيون من الضفة الغربية وقطاع غزة على يد الاحتلال "الإسرائيلي"، ومنع وسائل إعلام فلسطينية وعربية من التغطية في الضفة الغربية، قائلاً: "إن هذا يأتي في سياق سلسلة محاولات تكميم الأفواه، ومنع الصورة والكلمة الحرة، من الإنطلاق نحو آفاق أوسع وأشمل، غير أن غربال العدوان مهما كان واسعاً، لن يستطيع أن يمنع شمس الحرية من السطوع واختراقه، لاطلاع العالم على الرواية الفلسطينية الحقيقية".
استهداف الصحفيين في غزة يهدف إلى ترهيب وسائل الإعلام الداعمة للمقاومة
يعبّر الصحفي والمذيع في قناة "فلسطين اليوم"، أحمد الصباهي عن صدمته بارتقاء زميله المراسل في قطاع غزة محمد منصور، مشيراً إلى أنه في ساعات الليل المتأخرة كانا معاً على الهواء مباشرة في تغطية القصف "الإسرائيلي" على القطاع، لكنه استيقظ في اليوم التالي على خبر استشهاد منصور.
يقول الصباهي: "كان خبراً مؤلماً للغاية، فالاحتلال الإسرائيلي يحاول تحويل الصحفيين إلى مجرد أرقام باستهدافهم واغتيالهم تباعاً"، مضيفاً أن استهداف الصحفيين في غزة، يهدف بالدرجة الأولى إلى ترهيب وسائل الإعلام الداعمة للمقاومة، والتي تسلط الضوء على الإبادة الجماعية، ما يفضح الاحتلال، ويدين الصمت العربي والدولي، وفي هذه المعادلة فإن المعركة الإعلامية جاءت لصالح الصحفيين الشهداء ووسائل الإعلام التابعين لها، رغم الخسائر البشرية في صفوفهم.
يرى الصباهي أن المعركة الإعلامية التي يخوضها الإعلام الفلسطيني، "دليل حيٌّ وملموس على إجرام الاحتلال وتخطيه كل الخطوط الحمراء عبر استهداف الصحفيين، ما يضع الاتحادات الصحافية الدولية أمام مسؤوليات قانونية لمحاسبة الاحتلال، فضلاً عن مؤسسات حقوق الإنسان، والمحاكم الدولية".
ويشير بأن الإعلاميين الفلسطينيين يخوضون حرباً مع الاحتلال "الإسرائيلي" لا تقل هوادة عن حرب الإبادة على قطاع غزة، "حيث يهدف الاحتلال بكل الوسائل، لتزييف الحقائق، ويسعى جاهداً لطمسها، ومن نماذجها، استهداف مستشفى ناصر الطبي بذريعة استهداف أحد قادة المقاومة، ليتبين لاحقاً عبر مراسلينا في غزة، أن الشخصية المستهدفة، كان جريحاً، ويعالج في المستشفى، وليرتقي إلى جانبه عدد من الأطقم الطبية والعديد من الجرحى المدنيين".
لا يعبر الصباهي عن استغرابه من أن لدى الاحتلال مشكلة مع الصحفيين في غزة ووسائل الإعلام، التي تفضح إجرامه، لكن يستغرب مما وصفه "الصمت العربي والدولي عن إدانة الاحتلال لاستهداف الصحفيين، مما يشجعه على استمرار العدوان".
ويؤكد: "لكنا مستمرون وهذه رسالة الصحافيين في غزة أيضاً".
لن يرهبنا الموت عن مواصلة الرسالة
هي رسالة الصحفيين في قطاغ غزة الذين يجمعون على الاستمرار في نقل الحقيقة مهما كانت التضحيات، وأن وجودهم في دائرة الاستهداف "الإسرائيلي" لن يرهبهم ويثنيهم عن إكمال تغطية الجرائم "الإسرائيلية" في غزة.
يقول الصحفي يوسف فارس، من قطاع غزة لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إن "الغاية من استهداف الصحفيين هي أن يواصل المجرم ارتكاب الإبادة في الظلام وبدون أي تغطية، يريد للضحايا أن يموتوا دون أن يدري بهم أو يسمع عنهم أحد، المشاهد القاسية تثير ازعاجه، وتقلب عليه الرأي العالم، رغم أن صوت العالم لا تأثير له، لكنه يهوى القتل دون ازعاج"، مؤكداً أن "الصحافيين سيواصلون نقل الصورة والحقيقة، رغم أننا قدمنا 208 زملاء أعزاءعلى مذبح الحقيقة والصورة، لن يرهبنا الموت والقتل عن مواصلة الرسالة".
من جهته كتب الصحافي مثنى النجار، على صفحته على موقع "فيسبوك"، إنه "صعدت روح مراسلان صحفيان محمد وحسام لم يتوان كل واحد منهما عن رفع الظلم ونقل الهم والرسالة، والنتيجة تخاذل عالمي وارتقاء، اشكي لربنا يا محمد التخاذل، اشكي ياحسام كل شيء شفته بشكل مباشر لربنا".
ويضيف: "ما يجري في غزة ليس مجرد مأساة، بل إبادة ترتكب على مرأى ومسمع العالم، القصف والهدم والمجازر ترتكب بلا حساب، الموت لم يعد خبراً عابراً، بل واقعاً يومياً يطارد كل نفس تحاول البقاء، الإنسانية هنا تذبح، والعدالة تدفن، والضمائر تخرس أمام هذا الدمار الشامل متسائلاً: أي عقل يمكنه أن يتحمل ذلك؟ أي روح لا تتحطم أمام نداءات الاستغاثة التي تذوب في صمت العالم؟ مؤكداً أن "ما يجري في غزة ليس مجرد حرب، بل جريمة تتجاوز كل حدود الإدراك، وكل معايير الوحشية".
ونشر الصحفي أنس الشريف الرسالة التي كتبها زميله الشهيد حسام شبات وطلب نشرها إذا ما استشهد، وقال فيها: "والله، لقد أدّيت واجبي كصحفي. خاطرت بكل شيء لأنقل الحقيقة، والآن، أخيرًا استرحت - وهو أمر لم أعرفه خلال الثمانية عشر شهرًا الماضية. فعلت كل هذا إيمانًا بالقضية الفلسطينية. أؤمن أن هذه الأرض لنا، وكان أسمى شرف في حياتي أن أموت دفاعًا عنها. هي وخدمة أهلها"
ودعا إلى عدم التوقف عن الحديث عن غزة، وأن لا يُسمح للعالم بإشاحة نظره عنها وإلى الاستمرار في النضال، ورواية قصص الفلسطينيين حتى تتحرر فلسطين.