في مخيم الجليل بمدينة بعلبك في البقاع اللبناني، تغيب بعض المهن الأساسية تاركة خلفها فراغًا في تفاصيل الحياة اليومية، فلا أثر لمحلات الحلويات التي تُنعش الروح، ولا لخياط يُعيد الحياة لقطعة قماش، ولا إسكافي يُصلح حذاء، وكأن هذه المهن لم تعد تعرف الطريق إلى هذا المخيم، ما يكبّد اللاجئين الفلسطينيين عناء قضاء احتياجاتهم اليومية.

مشقة الوصول إلى السوق خارج المخيم

يقول الشاب علي سارة، وهو لاجئ فلسطيني في المخيم: "حين اضطر إلى الذهاب إلى سوق بعلبك، أحتاج إلى ساعتين على الأقل لأتنقل وسط الزحام من مكان إلى آخر وأشتري، وهناك محلات لا يمكن الدخول إليها بسهولة بسبب غلاء الاأسعار، والإرهاق يبدأ من اللحظة الأولى في الطريق".

وتشير اللاجئة الفلسطينية انتصار أبو الفول إلى محدودية الخيارات داخل المخيم، موضحة: "إذا أردنا شراء الحلوى أو السمك أو حتى الأحذية نضطر للذهاب إلى خارج المخيم، لأنها غير متوفرة داخل المخيم"

ضعف القدرة التنافسية أمام محال المدينة

ومن جانبه، يرى أحمد عيسى مسؤول الملف التربوي في أمانة سر اللجان الشعبية في البقاع أن ضعف القدرة التوظيفية للمحال في المخيم يجعل المحلات غير متاحة أصلاً، بالإضافة إلى ضعف القدرة التنافسية مع محلات مدينة بعلبك التي تتمتع بمهنية واحترافية أعلى من المحال الموجودة في المخيم، خصوصًا في صناعة الحلويات وغيرها، لافتاً إلى أن هذا الواقع ، أثر سلبًا على الجدوى الاقتصادية للمحال داخل المخيم، ما دفع ببعض أصحابها إلى إغلاقها.

ويؤكد اللاجئ الفلسطيني أسامة الحاج لبوابة اللاجئين الفلسطينيين الحاجة لبعض المهن الأساسية داخل المخيم، مثل الإسكافي، ومحلات الخضار، والمطاعم، قائلاً: "هذه المهن يجب أن تتوفر لتلبية احتياجات السكان، لكن غياب الإمكانيات يجعل الناس مضطرين للخروج، سواء كانت المسافة قريبة أو بعيدة".

المهن اليدوية… إرث مهدد بالزوال

ويتحدث الحاج أبو أيمن منصور والذي يعتبر من كبار السن في المخيم عن مهن كانت موجودة واختفت تدريجيًا، فيقول:"كان هناك إسكافي يُدعى محمد حوران يعمل في المخيم قبل أن يهاجر إلى كندا حيث وافته المنية، وحلاقون كُثر، أبرزهم راشد الذي رحل إلى ليبيا وتوفي هناك، أما الخياطون فكان منهم أبو زهير الذي كان يخيط البدلات ويعمل على البوابير، كذلك رضوان وأبو إبراهيم يعملان في إصلاح المدافئ ولحامها. اليوم لم يعد هذا الجيل يتقبل هذه المهن، بل يسعى معظمهم إلى السفر خارج البلاد، بحثًا عن فرصة في أوروبا، في ظل الظروف الصعبة".

وتشارك رحمة شحادة تجربتها قائلة: "عملت في الخياطة لمدة عشر سنوات، واليوم إن طُلب مني المساعدة أقدمها، لكن ظروفي لا تسمح بالاستمرار، خاصة بسبب وضعي العائلي، ومع ذلك هذه المهن يمكن أن تُفيد المخيم لو نقلناها للأجيال الجديدة، وكل من تعلّم بإمكانه أن يعلّم غيره".

أحلام مؤجلة بسبب غياب الدعم

أما علي سارة، فيحلم بفتح محل داخل المخيم، لكنه يواجه صعوبات جمّة، من أبرزها غياب الدعم وصعوبة تأمين المواد الأساسية. يقول: "لدي حلم ومخطط، لكن لا أملك السيولة المالية".

ورغم هذا الواقع، يشير عيسى لموقعنا أن الوضع الاقتصادي في المخيم ليس في طريقه إلى الزوال، حيث تشهد بعض المحالّ تحسنًا وازدهارًا، مثل الأفران والملاحم وبعض الصيدليات المتوفرة بكثرة.

غياب المهن في مخيم الجليل لم يكن خياراً، بل نتيجة لظروف معقدة مثل الهجرة وعدم توارث المهن، تراكمت مع الوقت تاركة اللاجئين الفلسطينيين أمام واقع يومي صعب، ومحاولات فردية لسد فراغ لا يمكن تجاهله.

 

بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد