شهد مخيم البداوي شمالي لبنان يوما استثنائيا تحوّل إلى ما يشبه العرس الوطني، مع وصول مجموعة من أطفال غزة الجرحى الذين نُقلوا لتلقّي العلاج في مستشفيات لبنان بعد حرب الإبادة "الإسرائيلية"
المبادرة، التي حملت شعار "بين غزة والمخيم… مقاومة"، تحوّلت إلى حدث جامع لأهالي المخيّم، الذين رؤوا في استقبال هؤلاء الأطفال واجبا وطنيا وأخلاقيا قبل أي شيء آخر. لم يكن الحدث مجرّد استقبال، بل كان موقفا إنسانيا وشعبيا حمل كل معاني التضامن مع أهل القدس وقطاع غزة وأطفاله الذين دفعوا أثمانا باهظة من أجسادهم وأحلامهم.
منذ ساعات الصباح الأولى، تزيّنت شوارع المخيّم بالأعلام الفلسطينية وصور الشهداء والرايات التي رفرفت فوق رؤوس الناس، فيما احتشد الأهالي كبارا وصغارا على مداخل المخيّم، يترقّبون لحظة وصول موكب الأطفال. وما إن ظهرت المركبة حتى علت الهتافات واختلطت الزغاريد بالدموع، في مشهد صادق عبّر عن حجم الألم والحب في آن معا.

حُمل الأطفال على الأكتاف، وتجولوا في أحياء المخيّم وصولاً إلى شارع الشهداء وسط تصفيق الحشود، كأنّ كل خطوة لهم هي خطوة نحو شفاء معنوي قبل أن يكون جسديا.
ورغم الجراح، ابتسم الأطفال وكأن حرارة هذا الاستقبال أعادت إليهم شيئا من الطمأنينة التي سرقتها الحرب.
ولإثبات أن التضامن ليس كلمة بل فعلا، أقيم غداءٌ تكريمي على شرف الأطفال ومرافقيهم في شارع الشهداء وسط المخيم، حضره أبناء المخيّم وفعاليّاته الاجتماعية، وبعدها توجهوا إلى نادي القدس حيث أنشطة ترفيهية للأطفال شملت أناشيد ورقصات شعبية، ثم إلى المقبرة الجديدة بالمخيم حيث ووري ثرى شهداء معركة الإسناد وقرؤوا الفاتحة على أرواحهم.

نزار أبو عايد أحد منظمي المبادرة أوضح لموقعنا أن الفكرة جاءت بعد علمهم بوجود مجموعة من أطفال غزة الجرحى يتلقون العلاج في لبنان، وأضاف أن أحد شبان المخيم البداوي المغتربين في ألمانيا قام بإجراء الاتصالات اللازمة لتأمين يوم كامل من الاستضافة.
ولفت إلى أن الاستضافة شملت 25 طفلا إضافة إلى 25 مرافقا و5 أشخاص من المؤسسة المضيفة في لبنان.
كلمة المنظمين ألقاها مراد عياش الذي شكر صندوق الدكتور غسان أبو ستة على دوره في نجاح المبادرة كما توجه بالشكر إلى أهالي المخيم وكل العاملين الذين أسهموا في تحقيق هذا الحلم الكبير.
بدوره أكد فتحي أبو علي نائب مسؤول الإعلامي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في لبنان أنهم يرفعون أسمى آيات المحبة والتقدير إلى شهداء فلسطين ولبنان واليمن موجها التحية لأطفال غزة ورجالها ونسائها.

وفي كلمة مؤثرة، قال عماد سليمان والد الشهيد سليمان سليمان أحد شهداء معركة طوفان الأقصى في لبنان للأطفال، "أنتم لستم ضيوفنا بل أنتم أهلنا.. استشهد ابني سليمان وهو يحلم بوطن حر وأنا أراكم هنا وأشعر بنوره بقي حيا في قلوبكم الصغيرة.. أنتم أبناء الإرادة وصمودكم يربي أجيالا وابتسامتكم تفضح الاحتلال أكثر من الكلمات.
محمد عيادي أحد المشاركين أشار لموقعنا إلى أن يوم الاستضافة جاء في حضرة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، مؤكدا أن المخيمات الفلسطينية ليست بؤرا أمنية بل هوية نضالية حتى العودة إلى فلسطين.
وأضاف: "من هنا من مخيم البداوي نوصل رسالة إلى أهلنا في غزة والضفة وكل فلسطين: إنا على العهد باقون.. ومن شارع الشهداء نقول لن نقبل إلا بفلسطين كاملة"
انتهى النهار لكن صداه بقي يتردّد في المخيّم. كان المشهد أبلغ من أي خطاب: غزّة ليست وحدها… وأطفالها، حتى في غربتهم القسرية، يجدون من يفتح لهم قلبه وبيته وكتفه.

