الإعلام الجديد داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان.. أصوات شابة تكسر الصمت وتحمل الرواية

الجمعة 19 ديسمبر 2025

داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان، حيث تتقاطع المعاناة اليومية مع تاريخ طويل من اللجوء والحرمان، لم يعد الصوت الفلسطيني ينتظر بوابة الإعلام التقليدي ليُسمَع. ومع اتّساع استخدام منصّات التواصل الاجتماعي، برزت تجارب فردية وشبابية اختارت أن تروي قصتها بنفسها، وأن تنقل واقع المخيم من الداخل، بلا وسيط ولا تزييف.

هكذا تحوّلت الكاميرا والهاتف المحمول إلى أدوات توثيق ومقاومة، ومساحات بديلة لإعادة سرد الرواية الفلسطينية، بعيداً عن الصور النمطية السائدة.

المحتوى فعل مسؤولية لا سباق أرقام

يقول أحمد الشاعر، وهوصانع محتوى من مخيم نهر البارد، لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إن رحلته في هذا المجال انطلقت من إحساس شخصي بالمسؤولية تجاه القضايا التي يعيشها يومياً، ولا سيما واقع المخيم والحياة الفلسطينية، ويشير إلى أن بداياته كانت بسيطة وغير مخططة، هدفها نقل صورة صادقة عن الناس وهمومهم، قبل أن تتطور تدريجياً إلى مشروع واعٍ يقوم على فكرة واضحة ورسالة محددة.

ويقدّم الشاعر محتوى اجتماعياً وإنسانياً ووطنياً، يسلّط الضوء على قضايا الناس والهوية الفلسطينية، إلى جانب محتوى توعوي، مؤكداً أن اختياره لهذا النوع من المحتوى نابع من كونه يشبهه ويعبّر عن بيئته. ويرى أن الصدق هو العنصر الحاسم الذي يضمن وصول الرسالة إلى الجمهور دون تصنّع أو مبالغة.

ويشدّد الشاعر على أن مفهوم التأثير لا يمكن اختزاله بعدد المشاهدات أو نسب الوصول، معتبراً أن التأثير الحقيقي يتجلّى عندما ينجح المحتوى في فتح نقاش، أو تغيير قناعة، أو دفع المتلقي إلى التفكير.

كما يؤكد التزامه باحترام عقل الجمهور وتجنّب الإساءة أو التضليل، رغم التحديات المرتبطة بالاستمرارية، وضغط الخوارزميات، وتفاوت ردود الفعل. ويحرص أيضاً على ألّا يطغى البعد المادي على جوهر الرسالة، معتبراً أن الموازنة بين الاستمرارية والمصداقية تشكّل التحدي الأصعب.

صناعة المحتوى من الترفيه إلى كشف الوجع

أما صانع المحتوى منذر حمزة، من مخيم عين الحلوة، فتعكس تجربته تحوّلاً حاداً في المسار والدوافع.

يروي لبوابة اللاجئين الفلسطينيين أن بداياته كانت في مجال الكوميديا والمحتوى الخفيف، قبل أن تغيّر أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر نظرته إلى دوره على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ اتجه بعدها للحديث عن فلسطين وأهل غزة، وهو خيار كلّفه خسارة صفحاته على منصّتَي إنستغرام وتيك توك، وكل ما بناه خلال سنوات من العمل الرقمي.

وبعد توقّف دام قرابة عام، عاد حمزة إلى صناعة المحتوى من زاوية مختلفة، عقب إعادة اكتشافه عمق المعاناة التي يعيشها اللاجئ الفلسطيني في المخيمات اللبنانية منذ أكثر من سبعين عاماً، من حرمان وتهميش وقهر يومي. ويشير إلى أن هذه العودة لم تكن بدافع البحث عن الشهرة، بل انطلقت من صدمة شخصية بحجم الفجوة بين واقع فلسطينيي لبنان وواقع أفراد من عائلته المقيمين خارج البلاد.

ويؤكد حمزة أنه يعمل اليوم وفق رؤية واضحة، يخصّص فيها نحو 80% من محتواه للحديث عن قضية اللاجئ الفلسطيني ومعاناة المخيمات، مقابل 20% فقط لتوثيق بعض تفاصيل حياته الشخصية، بهدف تقديم صورة إنسانية للاجئ الفلسطيني الذي يتعب ويُحرم من حقوقه، لكنه يصرّ على النهوض مجدداً.

ويضيف أنه لا يعتبر وسائل التواصل الاجتماعي مصدر رزقه الأساسي، إذ يعمل على أرض الواقع ويدير مشروعاً خاصاً، ما يمنحه هامشاً أوسع من الاستقلالية ويجنّبه الخضوع لمنطق المشاهدات.

ويرى أن وصول صوته إلى فلسطينيي الداخل، واطلاعهم على حقيقة ما يعيشه اللاجئون في لبنان، يشكّل أحد أبرز مؤشرات التأثير الحقيقي.

اللهجة والذاكرة جزء من الرسالة

من مخيم نهر البارد، تتحدث صانعة المحتوى صفاء موعد لبوابة اللاجئين الفلسطينيين عن تجربتها التي انطلقت من حاجة شخصية للتعبير ونقل الواقع كما هو، معتبرة أن هناك قصصاً غير مروية وصوتاً لا بد أن يصل، وتوضح أن المحتوى بالنسبة إليها ليس مجرد نشر فيديوهات، بل فعل حضور ومقاومة.

تقدّم موعد محتوى اجتماعياً وإنسانياً وإعلامياً، تضع في صلبه القضية الفلسطينية وحياة الناس اليومية، مستخدمةً لهجتها الأصلية عن قصد، باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الهوية الفلسطينية ووسيلة لحفظ الذاكرة. وتقول: "نحنا يمكن ما انخلقنا بفلسطين، بس فلسطين فينا، باللسان، بالحكاية، وبالتفاصيل الصغيرة".

وتشير إلى شعورها بمسؤولية كبيرة تجاه متابعيها، ولا سيما الفئات العمرية الصغيرة، مؤكدة أن التأثير لا يُقاس بالأرقام بل بالأثر الذي يتركه المحتوى في الوعي والسلوك، لذلك تحرص على أن يكون ما تقدّمه واعياً، يحترم كرامة الإنسان، ويبتعد عن الإساءة أو الاستغلال، لافتةً إلى أن استقلاليتها المادية تساعدها على الحفاظ على صدقية الرسالة ونقائها.

المحتوى اليومي البسيط كمساحة إنسانية

بدورها، تصف صانعة المحتوى ليال ربيع، من مخيم نهر البارد، تجربتها بأنها انطلقت ببساطة ومن القلب، من ملاحظة تفاصيل الناس اليومية، بين الضحك والتعب والمواقف العفوية. بدأت من الهاتف ومن المنزل، دون تجهيزات أو خبرة مسبقة، لكن بفكرة واضحة: تقديم محتوى صادق وقريب من الناس.

وتقدّم ربيع محتوى متنوعاً يجمع بين الترفيه، والمواضيع الاجتماعية والإنسانية، ورسائل توعوية بأسلوب بسيط، معتبرة أن هذا التنوع يعكس شخصيتها الحقيقية، ويمنح المحتوى مساحة للتجدد، ويفتح باب التفاعل والنقاش، ويجعل المتابع شريكاً لا مجرد متلقٍ.

ويجمع صناع المحتوى الأربعة على أن الإعلام الجديد كسر احتكار المعلومة، وجعل الوصول إلى الخبر أسرع وأكثر مباشرة، وأتاح للناس أن يكونوا جزءاً من نقل الحدث لا مجرد متلقين.

وفي المقابل، يرون أن هذا الفضاء الرقمي، على الرغم من أهميته، يحمل مخاطر الفوضى المعلوماتية والتضليل، ما يفرض مسؤولية مضاعفة على صانع المحتوى، ووعياً أكبر لدى المتلقي.

ففي المخيمات الفلسطينية، لم تعد منصّات التواصل الاجتماعي مجرد أدوات ترفيه، بل تحوّلت إلى منابر بديلة تحمل صوت اللاجئ الفلسطيني، وتوثّق يومياته، وتعيد الاعتبار لروايته.

وبين الصدق، والهوية، والمسؤولية، يواصل صناع المحتوى الشباب محاولاتهم لكسر الصمت وتثبيت الحكاية الفلسطينية، إيماناً بأن الكلمة الصادقة، مهما بدت بسيطة، قادرة على إحداث فرق.

بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد